أقلام وأراء

يونس السيد يكتب – ما بين «الجنائية» و«الضم»

يونس السيد – 25/7/2020

«قد تستطيع أن تخدع العالم بعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدعه كل الوقت».. هذا هو لسان حال دولة الاحتلال «الإسرائيلي» التي تروّج بأن تأجيل قرار المحكمة الجنائية الدولية ناجم عن كبح جماح «ضم» أجزاء من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

هذه المقولة نفتها، بالطبع «الجنائية» الدولية، التي أكدت أن تأجيل قرارها بفتح تحقيق في الجرائم «الإسرائيلية» بحق الفلسطينيين، جاء بسبب دخولها في العطلة الصيفية التي تستمر حتى 15 أغسطس/آب المقبل، ولا علاقة للتأجيل بخطط «الضم»، وإن كانت هذه الخطط ضمن جدول أعمالها، ذلك أن القرار الأولي بفتح التحقيق أسبق كثيراً من خطط «الضم»، لكنه، بحسب المصادر «الإسرائيلية» هنا، سيستند إلى جانبين، الأول يتعلق بارتكاب «إسرائيل» جرائم حرب قام بها ضباط وجنود بموجب تعليمات القيادة السياسية، والثاني يتعلق ببناء المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 خلافاً للقانون الدولي. وبالمقابل، تبدو محاولة الربط بين تأجيل قرار المحكمة وتراجع عملية «الضم» نوعاً من تهدئة المخاوف «الإسرائيلية» بسبب الخشية من صدور القرار قبل بدء العطلة الصيفية، لكنها تنفست الصعداء، ولو مؤقتاً، بعدما كانت قد استنفرت السلطتين السياسية والقضائية لمواجهة التداعيات المحتملة، ومنعت مئات المسؤولين الحاليين والسابقين من السفر إلى الخارج خشية الاعتقال. صحيح، أن «إسرائيل» ترفض الاعتراف بقرارات «الجنائية الدولية»، لأسباب وذرائع واهية، منها أن المحكمة أنشئت للفصل في النزاعات بين الدول كاملة العضوية، بينما السلطة الفلسطينية ليست دولة مكتملة، ولكن هذا الموضوع حسم من جانب المحكمة وتم قبول فلسطين عضواً كاملاً فيها، وبالتالي تتوقع دولة الاحتلال أن تتبنى المحكمة موقف المدعية العامة، فاتو بنسودا، بشأن صلاحية التحقيق في الانتهاكات وجرائم الحرب «الإسرائيلية» ضد الفلسطينيين في نطاق ولايتها التي تشمل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.

هذا يعني أنه في حال قررت المحكمة إجراء التحقيق، فإن ذلك سيؤدي إلى ملاحقة مسؤولين سياسيين وعسكريين «إسرائيليين» بمستويات مختلفة، بدءاً من رئيس الحكومة ورئيس أركان جيش الاحتلال.. وفي حال رفضهم المثول أمام المحكمة، فإن بإمكانها إصدار مذكرات اعتقال بحقهم في معظم دول العالم، باستثناء الولايات المتحدة، بطبيعة الحال، ما يعني عدم تمكنهم من السفر خشية الاعتقال. ولهذا بالذات تستعد «إسرائيل» لمواجهة أي قرار محتمل للمحكمة، بمجموعة كبيرة من الأدوات «المكشوفة والخفية»، بحسب وسائل الإعلام «الإسرائيلية»، إلى جانب إسناد هذا الملف إلى زئيف إليكين الوزير في حكومة نتنياهو الحالية، على رأس فريق تم تشكيله من ممثلين لوزارات الخارجية والقضاء والشؤون الاستراتيجية ومجلس الأمن القومي وجهاز الأمن، مشيرة إلى أن هذا الفريق «يوجه منذ سنين، في مجالات مختلفة، النشاط «الإسرائيلي» ضد المحكمة». وبحسب وسائل الإعلام هذه، فإنه في حال قررت المحكمة إجراء التحقيق، فإن «إسرائيل» ستنفذ «أنشطة دفاعية وهجومية» من دون أن تفصح عن طبيعة هذه الأنشطة، وفي كل الأحوال، لا يعني ذلك كله إلغاء خطط «الضم» نهائياً بقدر ما يعني وضعها على الرف مؤقتاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى