أقلام وأراء

يونس السيد يكتب – «داعش» يختبر العراق

يونس السيد – 27/4/2020

حملت الأسابيع الأخيرة تطوراً لافتاً في أنشطة تنظيم «داعش» الإرهابي، خصوصاً شمال وغربي العراق، ربما مستفيداً من انشغال الدولة العراقية ومؤسساتها العسكرية والأمنية في مواجهة جائحة فيروس «كورونا»؛ لكن ثمة ما يشير إلى أن المسألة تتعدى حدود ارتخاء القبضة العسكرية والأمنية لبغداد إلى محاولات جدية يقوم بها التنظيم الإرهابي؛ لاختبار القدرة العراقية.

بات من الواضح أن هناك قراراً بتفعيل الخلايا النائمة لتنظيم «داعش» جاء بالتزامن مع أحاديث ترددت عن دخول خليفة البغدادي وزعيم «داعش» الجديد إلى العراق، وهو ما دفع واشنطن إلى الإعلان عن مكافأة قيمتها خمسة ملايين دولار لمن يقدم معلومات تقود إلى القبض عليه؛ لكن تزايد أنشطة «داعش» سبق هذا الحديث، في الواقع؛ إذ على مدار الشهور الأخيرة، قام التنظيم الإرهابي بسلسلة هجمات شملت، على الأقل، خمس محافظات عراقية، هي: كركوك وديالى ونينوى وصلاح الدين في الشمال، والأنبار في الغرب؛ لكنه اعتمد في هذه الهجمات أسلوباً مختلفاً يقوم على المباغتة، وإيقاع خسائر مباشرة في صفوف الجيش والقوى الأمنية، والانسحاب سريعاً من دون الإمساك بالأرض، أو البقاء طويلاً في أرض المعركة خلافاً لما كان يحدث سابقاً.

وتشير مجمل تحركات «داعش» إلى أنه انتهى بالفعل من إعادة ترتيب هياكله التنظيمية وخلاياه النائمة واستعداداته اللوجستية للانطلاق إلى مرحلة جديدة، على ما يبدو، ربما ستحمل معها المزيد من الضغط على السلطات العراقية.

من المؤكد أن «داعش» سيستفيد من إخلاء التحالف الدولي للعديد من قواعده في شمال البلاد، وربما تكون استفادته أكبر إذا صح ما يتردد عن وقف التنسيق، وتبادل المعلومات الأمنية بين التحالف الدولي والجيش العراقي، مع الإشارة إلى بقاء هذا التنسيق قائماً وفاعلاً بين قوات التحالف و«البيشمركة» الكردية؛ لكن غياب التنسيق لا يبرر ارتخاء قبضة الجيش والقوى الأمنية العراقية، أو السماح بفتح ثغرات خطرة في وقت يشتد ساعد التنظيم الإرهابي ويقوى، وقد يعود ليشكل تهديداً جدياً للسلطة العراقية.

أسوأ ما في الأمر، هو أن الطبقة السياسية على اختلاف انتماءاتها منشغلة في الصراع على المناصب والحقائب الوزارية، وإسقاط أو تمرير هذه الحكومة أو تلك في البرلمان على قاعدة المحاصصة السياسية والطائفية، والتي دفع الشعب العراقي مئات الضحايا لإسقاطها وإسقاط الطبقة المتنفذة والفاسدة بمعظمها وإخضاعها للمحاكمة؛ لكن جائحة «كورونا» جاءت لتحول دون استكمال مشروع الحراك الشعبي الوطني.

ومع ذلك لا ينبغي السماح ل«داعش» أن يتسلل من خلال الثغرات الأمنية والعسكرية، أو من خلال ارتباك الكتل السياسية وانشغالها في المحافظة على مكاسبها على حساب الوطن، لإعادة العراق إلى سيناريو 2014 في وقت يواجه الشعب العراقي وباء «كورونا» ولم يعد بمقدوره أن يتحمل وباء آخر، خصوصا ًوأنه خبر أي نوع من الوباء يحمله فيروس «داعش» والذي قد يكون أشد فتكاً هذه المرة.

يجدر بالقوى والأحزاب والكتل السياسية العراقية الارتقاء، ولو لمرة واحدة فوق حساباتها الذاتية، والاتفاق على تشكيل حكومة بالسرعة الممكنة، لكي تستطيع شد مفاصل الدولة، ومواجهة كل الملفات الشائكة، وفي مقدمتها الاقتصاد، فضلاً عن وباء «كورونا» ووباء «داعش» معاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى