أقلام وأراء

يوسف بدر: روسيا وإيران في مهمة نحو قلب أوراسيا .. هل يتشكّل حلف وارسو جديد؟

يوسف بدر ٢٣-٥-٢٠٢٢م

في أوراسيا… الحرب مشتعلة غرباً في أوكرانيا، والولايات المتحدة الأميركية تخطط لمحاصرة روسيا عبر توسيع دائرة الانضمام إلى حلف الأطلسي (الناتو) في منطقة البلطيق، وذلك بضم كل من فنلندا والسويد. 

وشرقاً، يتنامى خطر الاضطرابات السياسية والجماعات الإرهابية في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. وكلاهما يأتي في خدمة الاستراتيجية الأميركية لمحاصرة روسيا والصين داخل إقليميهما. 

وانعدام الأمن في منطقة أوراسيا، يثير التساؤلات حول أمن منطقتنا، لا سيما في الخليج، بخاصة أن الاعتقاد كان يدور حول أن فك ارتباط أميركا بمنطقة الخليج والشرق الأوسط سيعود بالتهدئة؛ وخصوصاً أن الجهود الأميركية ستذهب إلى محاصرة خصومها بعيداً منا. 

والإجابة جاءت من العاهل الأردني، الملك عبد الله، خلال وجوده في واشنطن قبل أيام، والذي قال في مقابلة لمعهد هوفر في جامعة ستانفورد إن الفراغ الذي سيملأه الإيرانيون ووكلاؤهم في سوريا سيعود بتصعيد الاضطرابات وفقدان الأمن هناك.

والملك الأردني بخبرته التي جعلته أول مَن كشف عن “الهلال الشيعي” وخطط إيران تجاه المنطقة، يريد القول إن انشغال روسيا بالتصدي لمحاصرة أراضيها؛ لا يعني التهدئة في منطقتنا؛ لأن إيران التي تربط الخليج بأوراسيا، قلقة هي أيضاً من محاصرة خطوط تجارتها، وكذلك من القوى البديلة التي ستدخل منطقة الخليج، وأهمها إسرائيل. ولذلك هي تأخذ منطقتنا رهينة؛ من أجل مصالحها في ربط الشمال بالجنوب، بما يدعم طموحاتها التوسعية. 

وعملياً، فإن منطقتنا في صدى الأزمات العالمية أكثر من أي وقت مضى، بخاصة أن الطموحات الاقتصادية والتجارية باتت عابرة للحدود الإقليمية.

آسيا الوسطى قلب أوراسيا!

كان الاجتماع الذي استضافته موسكو لقادة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، يوم الاثنين 17 أيار (مايو) الجاري، مؤشراً إلى المخاوف من تمدد حصار روسيا إلى داخل منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. إذ يأتي هذا الاجتماع في إطار جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز علاقات بلاده مع هؤلاء الحلفاء الذين تجمعهم مخاوف أمنية واقتصادية مشتركة حول مستقبل بلادهم. 

وقد بدتْ هذه القمة وكأنها إعلان لـ”حلف وارسو” جديد الذي تشكل عام 1955 خلال الحرب الباردة؛ كثقل موازٍ لحلف شمال الأطلسي. فقد تعهدت موسكو صراحة خلال هذه القمة، الرد على توسع حلف الناتو، ودعت إلى تزويد أعضاء المنظمة بالأسلحة المتطورة، كما أعلنت إقامة مناورات عسكرية موسعة للدول الأعضاء. وهو ما يدل الى أن موسكو تسعى إلى توسيع هذه المنظمة للتوازن شرقاً أمام الحلف الأطلسي، الذي يتوسع في منطقة البلطيق؛ بما يعيد الحديث عن خطط الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتموضع القوات الأميركية في بولندا.

قد يبدو الأعضاء في منظمة الأمن الجماعي، قلة في العدد والعتاد أمام أعضاء الناتو، إذ تشمل روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. لكن طموحات روسيا في توسيع هذه المنظمة ممكنة؛ بخاصة أنها لعبت دوراً في إعادة الهدوء إلى كازاخستان بعد اضطرابات كادت تُسقط السلطة هناك.

كما أن بعض الدول التي خرجت من هذه المنظمة، مثل أوزبكستان وأذربيجان، لا تسعى إلى توريط نفسها في لعبة الأحلاف والمعسكرات وتلزم حالة التوازن؛ وهو ما يمكن أن يساعد منظمة الأمن الجماعي على العمل بفاعلية داخل منطقتها في القوقاز وآسيا الوسطى، وربما تنجح في التحول إلى حلف عسكري قوي من أجل أمن منطقة أوراسيا.

وتعمل روسيا منذ مدة على تعزيز نفوذها داخل آسيا الوسطى، مستغلةً الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وذلك من أجل تسهيل حركة تجارتها نحو الهند وباكستان والصين. كما سعت لتوسيع صادراتها من الغاز مع هذه الدول لتكون لديها أسواق بديلة في حالة المواجهة مع أوروبا. 

ولأهميتها في خطط روسيا المستقبلية، كانت “آسيا الوسطى”، عنوان مؤتمر “منتدى فالداي”، في الفترة من 17 إلى 18 أيار (مايو)، الذي ترعاه موسكو، حيث كشف نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، عن حجم المساعدات التي تقدمها موسكو لدول آسيا الوسطى والتي بلغت 6.2 مليارات دولار منذ عام 2008. كما بلغت استثماراتها هناك نحو 30.5 مليار منذ عام 2010. فضلاً عن تجارة بحجم 37 مليار دولار عام 2021. وأيضاً اعتماد 8% من الإنتاج المحلي في روسيا على العمال الوافدين من بلدان آسيا الوسطى، حيث هناك 4 ملايين مواطن من هذه الدول مقيم في روسيا.

وإلى جانب تنامي تهديدات الإرهاب في المناطق الرخوة والحدودية داخل آسيا الوسطى؛ فإن العوامل الاقتصادية بمثابة دوافع قوية لإيجاد علاقة استراتيجية قوية بين هذه الدول وروسيا، تصل إلى مستوى التحالف العسكري، إذ باتت تُعرف هذه المنطقة في الأدبيات السياسية والعسكرية الروسية باسم “قلب أوراسيا”.

إيران مُهمة في طاجيكستان 

إيران أيضاً مشغولة بأمن منطقة آسيا الوسطى والقوقاز من أجل تجارتها نحو الصين وروسيا، وخطوتها الأخيرة تجاه طاجيكستان تكشف مدى تكثيف جهودها على الخطر القادم من أفغانستان. فقد دشنت الثلثاء 17 أيار (مايو)، مصنعاً لإنتاج الطائرات المُسيرة من طراز “أبابيل 2” الإيرانية بالكامل في هذه الجمهورية الواقعة على حدود الصين وأفغانستان. ولذلك تأتي أهمية هذا التعاون في إطار جهود محاصرة الجماعات المتطرفة داخل أفغانستان، وعدم إعطائها الفرصة للانتقال إلى دول الجوار. 

وتقوم السلطات الطاجيكية خلال هذه الأيام بتكثيف عملياتها ضد الجماعات المتطرفة في منطقة “غورنو-بدخشان” الذاتية الحكم، على حدودها مع الصين وأفغانستان. وتشير التقديرات إلى وجود 20 كياناً إرهابياً داخل أفغانستان، بإجمالي 23 ألف مقاتل. 

وتمثل بيئة الصراع في الداخل بين حكومة “طالبان” والمعارضة فرصة لقيام هذه التنظيمات بعمليات إرهابية خارج أفغانستان. وعلى سبيل المثال، فقد أعلنت حركة “طالبان” المسيطرة على العاصمة كابول، بصوت عالٍ أنها قضت على تنظيم”داعش”، لكنه في الواقع، ووفقاً للحوادث الدموية المتتالية، فقد ضاعف من وجوده في أفغانستان. 

وخطوة إيران تجاه طاجيكستان، تدل إلى أن الجيش الإيراني تحرك إلى مسافة أبعد من حدوده لمواجهة الإرهاب، ومن أجل مساندة البلد الذي يقف على خط الدفاع الأول في مواجهة التهديدات القادمة من أفغانستان ضد مصالح أوراسيا. كما أن خطط البلدين لإقامة مناورات عسكرية مشتركة تدل إلى أن إيران ستلعب دوراً مستقبلياً في أمن آسيا الوسطى، بما ينعكس على تضخيم مكانتها العسكرية إقليمياً. 

ورغم أن طاجيكستان بعيدة من الحدود الإيرانية؛ لكنها بلد مؤثر بموقعها الجغرافي وبعلاقاتها التاريخية على مسار علاقات إيران مع دول منظمة شنغهاي الاقتصادية الأوراسية، التي انضمت إلى عضويتها في 17 أيلول (سبتمبر) 2021، وتراهن طهران على مستقبل تجارتها مع دول هذه المنظمة، بخاصة أن الرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي، قام بزيارة تاريخية لطاجيكستان في العام الأول لرئاسته؛ من أجل رفع الخلافات السياسية والأمنية تمهيداً لانضمام بلاده إلى منظمة شنغهاي، والاتفاق على رفع حجم التبادل التجاري بين طهران ودوشنبه إلى 500 مليون دولار سنوياً. وأهمية ذلك، أن إيران تسعى إلى تحويل طاجيكستان إلى مركز إقليمي لتجارتها، لا سيما أن هناك مشتركات ثقافية وتاريخية تمهد لعلاقة استراتيجية بين البلدين.

المحصّلة

 إن الأزمة في أوكرانيا بدأت تتوسع غرباً تجاه منطقة البلطيق، وشرقاً تجاه آسيا الوسطى، وعمليات طاجيكستان لمطاردة الجماعات الإرهابية، وذهاب إيران لدعمها؛ مؤشر إلى تمدد المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية.

تمثل منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، قلب أوراسيا، ما سيدفع الدول ذات المصالح من هذه المنطقة، إلى التعامل بقوة وبقسوة مع أي تهديدات قد تنال من أمن مواصلات تجارتها وطاقتها.

إن اهتمام روسيا بتطوير منظمة معاهدة الأمن الجماعي، يوحي وكأنها تسعى إلى تشكيل حلف وارسو جديد مواز للناتو في أوروبا؛ حتى لا تبدو كأنها وحدها مَن يتصدى للخطط الغربية.

تصدير إيران للتكنولوجيا العسكرية بشكل مُعلن وقانوني إلى منطقة آسيا الوسطى، مثل تصديرها تكنولوجيا الطائرات المُسيرة إلى طاجيكستان؛ سيعزز من طموحاتها لتطوير قدراتها العسكرية، على غرار ما انعكس على تركيا من تصديرها لطائرتها المُسيرة “بيرقدار”. 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى