ترجمات عبرية

يديعوت – مقال – 9/3/2012 كيف هزمنا ايران



بقلم: ناحوم برنياع

    اقترح الامريكيون على الاسرائيليين ان يعرضوا عليهم خطتهم لضرب ايران ورفض الاسرائيليون الاطلاع عليها لأنهم افترضوا أن الامريكيين سيتوقعون ان تعرض اسرائيل عليهم خطتها ايضا وهذا ما لا يريدونه.

       في 1976 احتفلت امريكا بيوم ميلادها المئتين. وكان رئيس حكومة اسرائيل اسحق رابين هو الزعيم الاجنبي الذي افتتح سنة الاحتفالات. بدأت رحلته في فيلادلفيا وانتهت في لوس انجلوس. وأُقيم واحد من مساءيه في بفرلي هيلتون، وهو الفندق الذي توفيت فيه في المدة الاخيرة المغنية فيتني يوستن. وكان رابين هو الخطيب الرئيس.

          انتظر رابين نوبته ليخطب في جناحه الذي خُصص له في الفندق. وقد جرى في القاعة أسفل تبرع. وتحدث خطيب مهاجر من اسرائيل بحماسة عن مشكلات اسرائيل وعن الادارة الامريكية – ادارتي نيكسون وفورد ووزير الخارجية كيسنجر – التي تقف ناحية كما وقفت ناحية في المحرقة. وخلال الخطبة نهض يهود وأعلنوا كم التزموا ان يتبرعوا من الدولارات هذه السنة. ونهض الجمهور وصفق. وكان طول مدة التصفيق بمقدار المبلغ. وبين لحظة واخرى بدت اسرائيل أشد بؤسا والجُباة أكثر سعادة. وتلقى رابين تقارير عن الخطبة في غرفته واستشاط غضبا. وفي خطبته نقض بغضب شديد كل مزاعم الخطيب السابق. فاسرائيل ليست مسكينة والادارة لا تظلمها. وكانت تلك واحدة من أفضل الخطب التي سمعتها من رابين، وهي خطبة تخرج من القلب وتدخل القلب. ودهش يهود جباية التبرع فقد اعتادوا على اسرائيل مختلفة.

          في 1977 سافر مناحيم بيغن في اول زيارة له الى الولايات المتحدة بصفته رئيس حكومة. ونظمت له منظمة الدعم اليهودية عرضا في قاعة احتفالات فندق وولدورف إستوريا في نيويورك. وتلقى الضيوف الذين دفع كل واحد منهم 500 دولار عن الطبق، مقابلا كاملا من أموالهم: فقد خطب بيغن خطبة طويلة مبلولة بالدم والدموع، عن المحرقة التي كانت والمحرقة التي ستكون. وبكى فريق من الضيوف. ووقعت دموعهم داخل أطباق مرق الدجاج. وتابع آخرون تناول الطعام يفرقعون بألسنتهم. كان بيغن واحدا منهم.

          وفي آذار 2012 دُعي رئيس حكومة اسرائيل، بنيامين نتنياهو، ليخطب خطبته في المؤتمر السنوي للوبي اليهودي في مركز المؤتمرات في واشنطن. وقُطعت خطبته 49 مرة بتصفيق، أكثر كثيرا من اوباما وأكثر كثيرا من بيرس، وكان الموضوع الرئيس فيها المحرقة.

          لوح نتنياهو في ذروة خطبته بصور برقيتين من 1944: برقية المؤتمر اليهودي العالمي الذي طلب الى وزارة الدفاع الامريكية قصف اوشفيتس، وجواب وزارة الدفاع الامريكية التي رفضت الطلب بحجج واهية. ونبه نتنياهو قائلا “الوضع اليوم يختلف” لكن الجميع أدركوا ان الاختلاف لغوي فقط فالخطيب لا يأتي برسائل قبل سبعين سنة ليقول فقط انها ليست ذات صلة. وجازت الرسالة قوية واضحة تقول ان ايران هي المانيا النازية، وان بوشهر هي اوشفيتس، وان اسرائيل في طريقها الى محرقة، وان الادارة الامريكية ما تزال تقف ناحية.

          نهض مستمعوه وهتفوا. فكل خطبة عن اسرائيل المسكينة والضائعة والمهاجَمة تُذكرهم بأن مصيرهم كان رائعا إذ هاجر آباؤهم الى المكان الصحيح. أما هناك في الشرق الاوسط فيوجد خوف عظيم، فاوشفيتس تترصد في مكان قريب؛ أما هنا في امريكا فيمكن العيش في أمن، ثم عادوا وهتفوا لنتنياهو لأنه كان واحدا منهم.

          من المُلح ان نذكر في هذا السياق قصة قصها موشيه ديان ذات يوم. خلال حرب الاستقلال وبعدها سافر ديان وغولدا مئير لاجراء لقاءات سرية مع عبد الله ملك الاردن في قصره الشتوي في الشونة. وذات يوم جاء ديان وحده وسأل الملك باهتمام: “أين السيدة”، فأجاب ديان: “انها في موسكو، فهي مندوبة اسرائيل في الاتحاد السوفييتي”. ولم يكن عبد الله من المعجبين بالنظام السوفييتي وكان حبه لغولدا أقل من ذلك، فاقترح قائلا: “لتبقَ هناك”.

       جراحية ب

          تستعد اسرائيل والولايات المتحدة كل واحدة على حدة لهجوم عسكري على المفاعلات الذرية في ايران. والمصطلح السحري هو عملية جراحية: عملية مركزة تسبب أقصى ضرر بالمشروع وضررا قليلا بكل ما حوله.

          أوضح اسرائيلي مشارك في الاتصالات هذا الاسبوع الفرق بين عسكريين اسرائيليين وامريكيين حينما يكون الحديث عن عملية جراحية: فحينما تكون خشية من ان تتعقد العملية يميل الاسرائيليون الى التضييق بأن توجد قوى أقل ومخاطرات أقل. أما الامريكيون في المقابل فيميلون الى التوسيع حينما توجد خشية من تعقد العملية بوجود قوى أكثر ومخاطرات أقل. فالعملية الجراحية الامريكية ستكون مختلفة تماما عن عملية جراحية اسرائيلية.

          اقترح الامريكيون ان يعرضوا على الاسرائيليين الخطوط الهيكلية للعملية التي تُحاك عندهم. ورفض الاسرائيليون، كما قال مصدر من المصادر. فقد افترضوا أنهم اذا وافقوا على مباحثة الامريكيين في خطتهم فسيتوقع الامريكيون ان تفتح اسرائيل أمامهم خطتها ايضا، واسرائيل غير مستعدة لفعل هذا.

          تلعب الحكومتان لعبة. فهما تلعبان مع ايران وتلاعب بعضهما بعضا كل واحدة ورأيها العام. وليست قواعد اللعب واضحة وهي تُحدد في خلال الحركة. والمخاطرات عظيمة. ويوجد في ظاهر الامر اتفاق على الغاية النهائية وتنسيق في التقديرات الاستخبارية. وتوجد اختلافات في الرأي في طائفة من المواضيع الاخرى. سمح الرئيس اوباما هذا الاسبوع لوزير دفاعه ليون بانيتا ان يقول على رؤوس الأشهاد ما قيل حتى اليوم لاسرائيليين في مكاتب مغلقة وهو ان امريكا تعترف بوضع اسرائيل الخاص بازاء الذرة الايرانية. وأنها تتفهم ان ما تراه امريكا عاجلا تراه اسرائيل مُلحا جدا، لكن هذا لا يبلغ تأييدا فعالا لهجوم اسرائيلي.

          قد أكون مخطئا لكن يُخيل إلي ان الاسرائيليين الذين حثوا على عملية فكروا في الادارة الامريكية أكثر مما فكروا في ايران. وكانت اسرائيل في وضع مشابه في حرب الخليج الاولى. فقد أُطلقت صواريخ سكاد العراقية على اسرائيل وأُرسل رئيس “أمان” اهود باراك الى واشنطن ليُبين لوزير الدفاع تشيني انه ستكون عملية عسكرية اسرائيلية فهذا واجب الحكومة لمواطنيها، فهي لا تستطيع ان تسلم أمنها لآخرين. وتصبب الامريكيون عرقا لأنهم علموا ان عملية اسرائيلية قد تنقض حلفهم وتجعل صدام عزيز الأمة العربية. فطلبوا مهلة 48 ساعة ثم أرسلوا قوة صاعقة نحو قواعد اطلاق الصواريخ التي ضايقت اسرائيل.

          يفكر الاسرائيليون في عملية امريكية بقدر يشبه قصف الصرب في 1999 في اطار الصراع على السيطرة على كوسوفو. وأصدر الرئيس كلينتون الأمر، وفي خلال عشرة اسابيع قصفت طائرات حلف شمال الاطلسي أهدافا في الصرب الى ان استسلم الرئيس ميلوزوفيتش وتم كل ذلك من الجو فلم يصل جنود امريكيون الى الوطن في أكياس جثث ولم يملأ الجرحى المستشفيات.

          ويفكر الامريكيون في العراق وفي افغانستان. فربما يقصفون ويرد الايرانيون بعمليات على أهدافهم ويضطرون في نهاية الامر الى ارسال قوات برية الى ايران. وبرغم التصريحات الحماسية لمرشحين جمهوريين في مؤتمر “ايباك” فان آخر شيء يريده الناخبون الآن هو فتح جبهة اخرى ثالثة. وحتى لو كان الرد الايراني محدودا فان المخاطرة السياسية كبيرة.

          وبعبارة اخرى فان الفرق بين اسرائيل وامريكا لا يتعلق فقط بالتكتيك والتوقيت بل بحساب الكلفة/ الفائدة ايضا. ويوافق الاسرائيليون على ان الثمن قد يكون باهظا، لكنه سيكون أبهظ كثيرا حينما تدخل ايران مجال الحصانة الذرية.

          يعلم نتنياهو انه لا يستطيع ان يُرغم اوباما على العمل لا قبل الانتخابات في امريكا ولا بعدها، فلم يبق له سوى ان يحاول الاقناع. وهذا ما حاول ان يفعله في البيت الابيض. وبعد ذلك خرج الى اصدقائه في اليمين الجمهوري ولوح بأوراق من المحرقة.

 

       مؤامرة الصمت

          عند انقضاء حرب لبنان الثانية استقرت آراؤهم في مكتب مراقب الدولة على التحقيق في عدد من المواضيع الامنية تحقيقا عميقا لا من اجل الانتقاد فقط بل من اجل التقويم ايضا. كان واحد من المواضيع هو عدم وجود مقر للامن القومي، وعالجوا في مقابل ذلك موضوع لجنة فينوغراد ولجنة لبكين – شاحك التي نشأت على أثرها. وكانت النتيجة قانون مجلس الامن القومي الذي أُجيز في الكنيست في 2008، في فترة حكومة اولمرت.

          وتابعوا في مكتب مراقب الدولة متابعة الامر. ويفترض ان ينشر هذا الشهر تقرير المراقب النهائي، وسيكون شديدا. هذا الاسبوع، حينما اتهمت جهات في ديوان رئيس الحكومة عوزي أراد، مستشار الامن القومي السابق، بتدبير التقرير وكتابته، ضحكوا في مكتب مراقب الدولة وكان الرد: هذا هذيان. وأشد من ذلك أنه كاذب (سألت ما الفرق بين الهاذي والكاذب، والفرق ان الهاذي لا يعلم انه هاذٍ أما الكذاب فيعلم انه يكذب).

          كان القرار منح الحكومة مهلة لتنفيذ القانون. خلال سنة 2009 جدد ناس لواء الامن في مكتب مراقب الدولة فحصهم. وأقلقهم جدا ما وجدوه. فقد غرق القانون في حروب اليهود – وهي حروب لا تقل غرائزية عن تلك الحروب التي ولدت وثيقة هرباز. فقد قال الاشخاص شيئا لمحاضر الجلسات وشيئا آخر في أحاديث غير رسمية.

          تم الكشف عن الصراع لتنفيذ قانون مجلس الامن القومي في المقابلة الصحفية الشاملة مع أراد التي نشرتها أنا وشمعون شيفر في هذا الملحق في الاسبوع الماضي، وقد أراد أراد تنفيذ القانون حرفيا. وصادم معارضين عظيمي القوة على رأسهم وزير الدفاع باراك وأمين السر العسكري لوكر، وهرب نتنياهو من المعركة. وترك لرئيس “الشباك” يوفال ديسكن ان ينكل بأراد بقسوة وان يُخرجه من عمله. لا تفسير لسلوك نتنياهو مع مستشاره القديم سوى الضعف.

          سيتم نقاش قضية مجلس الامن القومي هذا الاسبوع بتوسع في جلسة خاصة للجنة رقابة الدولة في الكنيست برئاسة روني بار أون.

          عرضنا في التقرير الصحفي وثيقة كُتبت في المكتب القانوني لديوان رئيس الحكومة قُبيل تسليم رد الديوان على دعاوى المراقب. ويمكن ان نفهم منها انه يجب محو الاجوبة للمراقب وغربلتها واعادة كتابتها بحيث تكون مريحة لرئيس الحكومة.

          اعترفت المستشارة القانونية لديوان رئيس الحكومة، شلوميت باردو – برنياع أمامي هذا الاسبوع بأن الصياغة فاشلة. فقد كانت كتابة الوثيقة خطأ وكان وضعها على طاولة مجلس الامن القومي خطأ. ومع ذلك أصرت على ان المكتب بتوجيه منها تعاون تعاونا كاملا مع مراقب الدولة. وبيّن فحص أجريته في مكتب المراقب أنها صادقة، فقد أُجيب عن كل اسئلتهم في قضية مجلس الامن القومي كاملة بعد ان عُرضت بيومين أو ثلاثة.

          مع ذلك كانت هناك مؤامرة صامتة. فحينما بلغت مسودة تقرير مراقب الدولة الى ديوان رئيس الحكومة رفض مستشار الامن القومي الجديد، يعقوب عميدرور، النظر فيها. وأرادت باردو – برنياع ان تقرِن الاخفاق في تنفيذ القانون بمشاجرات أراد مع كبار مسؤولي الديوان وجهاز الامن.

          وعارض عميدرور. فقد حذرها في سلسلة مراسلات من أنها اذا فعلت ذلك فان أراد لن يسكت وسيدفع نتنياهو الثمن، وطلب قائلا: “لا تفضحوا سلفي. من الواضح ان الناس يريدون حماية سمعتهم الطيبة وليست هذه مصلحة رئيس الحكومة”.

          علم العاملون مع المراقب انه وضع أمامهم صندوق العجائب. ورفضوا دخول الحروب الشخصية في ديوان رئيس الحكومة وضايقهم ذلك. لا يوجد لرئيس الحكومة مقر عمل يعمل من اجله. وأمين السر العسكري مع ضابطين أو ثلاثة غير قادر على تأدية العمل. وليس معقولا ان يوافق باراك واشكنازي، حينما كان الاركان، على ان يكون أمين السر العسكري عميدا لا لواءا، وأن يُعينا بعد اسبوعين لواءا للمنصب. والتقسيم الذي أتمه نتنياهو بين مقر الامن القومي الذي يفترض ان يكون بحثيا وأمين السر العسكري الذي يفترض ان يكون عملياتيا ليس صوابا. والاجراء العملي الذي كُتب في الديوان يناقض روح القانون.

          تم الكشف عن هذا العمل غير المنظم في كامل عورته بقضية القافلة البحرية التركية. فقد تحدثوا عند نتنياهو عن القافلة البحرية منذ كانون الثاني 2010. ولم يتم توثيق أي شيء ولم يستقر الرأي على شيء. وتمت مباحثة موثقة واحدة قبل المواجهة في البحر بثلاثة ايام. وليس واضحا من الذي دعا الى المباحثة ولا بحسب أي اجراء ومن اجل ماذا. سيُنشر تقرير مراقب الدولة عن القافلة البحرية التركية هذا الشهر بموازاة تقرير مجلس الامن القومي ولن يكون مريحا لنتنياهو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى