ترجمات عبرية

يديعوت – مقال – 24/2/2012 المعركة على جبل الهيكل



بقلم:
أمير شوئين

تقوم الأوقاف الاسلامية داخل باحة المسجد الاقصى بأعمال حفر ورصف وتبليط وتضر بذلك بآثار قديمة يزعم مختصو الآثار الاسرائيليون أنها ترجع الى عصر الهيكل الاول والثاني.

       صعب على عيرا باسترناك ان يصدق ما ترى عيناه. فقد رُفعت الكف الضخمة للجرافة الكبيرة التي عملت في باحة جبل الهيكل الى أعلى ثم سقطت الى أسفل بقوة وحطمت البلاط القديم. وأبعد صاحب الجرافة ذو الشارب أكوام التراب الكبيرة التي نُبشت الى الجوانب. وكان يمكن حتى للعين غير المختصة ان تلاحظ الخزف الذي يُدحرج في كل اتجاه وآثار التاريخ اليهودي والمسيحي والاسلامي التي لا تُقدر قيمة كل واحد منها بالذهب.

          قبل ذلك ببضع ساعات، في يوم شديد الحر في تموز 2007، أُرسل باسترناك الشاب الى جبل الهيكل بسبب عمله مراقبا من قبل سلطة الآثار ليراقب هناك واحدا من اعمال الحفر في تاريخ الجبل الذي كان موقعا للهيكلين. وفي واقع الامر ولمدة اربعين سنة منذ كانت حرب الايام الستة حتى ذلك الصباح الحار، لم يجرِ في ذلك المكان حفر أثري بسبب حساسية المنطقة التي قد يُشعل العمل فيها حريقا سياسيا (في الداخل والخارج) – كما حدث مثلا في قضية “نفق حائط المبكى” في سنة 1996. لكن حينما وصل باسترناك الى المكان تبين له انه برغم الأهمية العلمية العظيمة للحفر وُجد هناك وحده تقريبا، فلم يوجد حتى عالم آثار كبير واحد على نحو متواصل في الموقع، وأدار رجال الأوقاف الحفر وحدهم مدة أكثر من يوم – مع تلك الجرافة التي رفعت مرة بعد اخرى كف الحفر الكبيرة تلك التي خبطت البلاط وأزالت أكواما من التراب الى الجوانب.

          كي نفهم الحساسية العلمية الكبيرة للعمل في موقع مشحون جدا، ينبغي ان نعلم ان ارتفاع التراب في المكان يبلغ بضع عشرات من السنتيمترات فوق الطبقة الصخرية. وتلك الصخرة تتطلع الى أعلى قرب المكان وتعتبر “حجر الشرب”: فهي المكان الذي بدأ منه بحسب الاعتقاد اليهودي خلق العالم ووضع فيه تابوت العهد.

          ولهذا، وبحسب توجيهات صريحة من سلطة الآثار صدرت بصورة خاصة قُبيل ذلك الحفر، يتم كل حفر يفترض ان يتم في هذا المكان الى عمق 60 سم فقط، لا بواسطة آلة وباشراف أثري ملاصق من سلطة الآثار.

          بيد ان تقارير المراقبة التي كتبها باسترناك ورفاقه ووثائق اخرى – يُكشف عنها النقاب هنا لأول مرة – تُبين مع عدم وجود رقابة مختصة ملاصقة، نُفذ العمل بصورة مختلفة تماما: فقد تم حفر القناة كلها تقريبا بالجرافة، واستمر الحفر ايضا في ساعات الليل في ضوء مصباح صغير، وبرغم التوجيهات الواضحة بلغ الى عمق يزيد على متر. أما أكوام التراب التي أُخرجت – والحديث هنا عن تراب يشتمل كما يبدو على آثار عظيمة القيمة من الهيكلين – فقد طرحها رجال الأوقاف في مزبلة مرتجلة شرقي الجبل.

          بعد ذلك زعمت سلطة الآثار انه لم يتم الكشف بهذا الحفر الوحشي عن بقايا أثرية. ومع ذلك ورد في تقارير اخرى لسلطة الآثار انه وُجد في التراب الذي أُزيل: “حجر بناء مستطيل بقي في القناة”، و”قرميد وعدد من شظايا إناء خزفي”. ووصل عالم الآثار ساحي تسفايغ الى الجبل غداة يوم الحفر حينما كانت القناة ما تزال مفتوحة ووجد فيها: “خزفا وشظايا زجاج وشظايا فسيفساء”. ووجد الى جانب هذه الموجودات شيئا آخر هو لوح رصف قديم من حجر البتومان كان مستعملا بطريقة الرصف التي رُصفت عليها باحة جبل الهيكل في عهد الهيكل الثاني. ووجد اللوح الذي ربما داس عليه كاهن كبير قبل ألفي سنة مطروحا جانبا.

          لكن هذا العمل المشاع لم ينته بذلك: ففي آب من نفس العام أُجري حفر آخر على يد الأوقاف ايضا وبالمساعدة السخية من صاحب الجرافة من اجل وضع كابل كهربائي للمسجد الاقصى. وتُبين تقارير مختلفة وصلت إلينا أنه تضرر في ذلك الحفر الصخرة الأم نفسها. وفي هذه المرة ايضا زعمت سلطة الآثار في حلقات مختلفة منها كنيست اسرائيل ايضا أنه لم يقع ضرر. ومرة اخرى وبخلاف تقاريرها التي قضت بأن الحفر أضر بالطبقات الأثرية التي وجد فيها ايضا تراب تيراروسا – وهو تراب بني نادر يميز عصر الهيكل الاول ومملوء بموجودات أثرية لا تُقدر قيمتها بثمن.

          يُبين الدكتور في علم الآثار، غابي باركائي، الفائز بجائزة القدس لعلم الآثار، وهو مختص ذو صيت عالمي، بأعمال الحفر لعصري الهيكل الاول والثاني قائلا: “ان جبل الهيكل مكان لم يجرِ فيه قط حفر أثري منظم. ولم يُنشر عن قطعة خزف واحدة من جبل الهيكل. هذا ثقب أسود في معلوماتنا الأثرية. في جبل الهيكل تكاد تبلغ الصخرة الطبقة العليا تحت قبة الصخرة. والصخرة مكشوفة بحيث ان اللحم الموجود بالنسبة إلينا نحن علماء الآثار هو احيانا 30 سم. هذا ما يوجد لنا. فكيف يمكن الحفر في منطقة حساسة جدا في الليل؟ وكيف يمكن الحفر بمساعدة آلات ميكانيكية؟ كل خطوة كهذه جريمة. هذا عمل بربري من الطراز الاول”.

          ان هذا التحقيق يكشف عن التقصير المتواصل للسلطات في حماية الكنوز الأثرية النادرة لجبل الهيكل. ان سلطة الآثار وشرطة اسرائيل وبلدية القدس والمستشار القانوني للحكومة تركوا الجبل – بحسب وثائق وصلت الينا – مُعرضا لنزوات رجال الأوقاف.

          يتبين من مواد وصلت الينا ايضا أنه مع عدم وجود رقابة تمحو الأوقاف على الدوام كل ذكر للتاريخ اليهودي في جبل الهيكل. ويُبين المستشرق الدكتور مردخاي كيدار من القسم العربي في جامعة بار ايلان ذلك بقوله: “تتم هذه الاعمال في اطار عمل يسمى بالعربية “طمس المعالم”، أي القضاء على بقايا الحضارات التي سبقت الاسلام”.

          لماذا طُوي تقرير المراقب؟

          بدأ ناس مكتب مراقب الدولة يحققون في الموضوع قبل اربع سنين وكتبوا تقريرا يتناول اعمال الحفر التي تمت في جبل الهيكل. بيد أنه قبل نحو من نصف سنة استقر رأي لجنة رقابة الدولة على طي تقرير المراقب وتغليفه بالسرية لاسباب عُرّفت بأنها “أمنية”. بلغت الى هذا القسم شهادات من عناصر استخبارية قالت انه لا مانع ألبتة من نشر التقرير، بل ان مسؤولا رفيع المستوى في “الشباك” قال بعد النقاش في اللجنة: “أنا خجل، هذا يشبه تحويل أمن الدولة الى دعارة”. والتي عارضت نشر التقرير على الجمهور هي واحدة من المنتقدات الرئيسات فيه وهي شرطة اسرائيل بزعم انه ستنشب اضطرابات على أثر نشره.

          “لا توجد أي صلة بين عدم نشر التقرير وأمن الدولة”، قال لنا مئير دغان الذي كان رئيس الموساد في الفترة التي كتب التقرير فيها. “بحسب علمي ايضا عبر الموساد و”الشباك” عن رأييهما في أنه لا مانع من نشره، وابلغت أنا ايضا المراقب أنه لا مانع من نشره ولا سبب عند الاردنيين ايضا بحسب علمي كي لا يريدوا نشره”.

          تزعم شرطة اسرائيل انه ستنشب اضطرابات.

          “لماذا؟ هل لأن الأوقاف قامت بأعمال؟ أنا لا أرى الامر كذلك”.

          ما الذي يمنع اذا في رأيك مع كل ذلك نشر التقرير؟

          “يبدو ان الحديث عن تقديرات اخرى متصلة بدوافع سياسية”.

          من أحاديث ومقابلات أجريناها مع عشرات الاشخاص الذين شاركوا في اعداد تقرير المراقب أُثير ادعاء ان أحد الاشخاص الكبار المعنيين باخفائه هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. كان واحد ممن أُجريت اللقاءات معهم هو المحامي اسرائيل كاسبي، الذي يمثل اللجنة العامة لمنع تدمير الآثار في جبل الهيكل، وهو يناضل منذ أكثر من سنتين من اجل نشر التقرير. ومن الاعضاء في اللجنة رئيسان سابقان للمحكمة العليا هما مئير شمغار وموشيه لندوي الراحل وأ. ب يهوشع، وحاييم غوري ومريام بن بورات وكثيرون أفاضل آخرون، وهي تُعد نقيضة منظمة المخلصين لجبل الهيكل.

          فيما يتعلق بمقدار مسؤولية رئيس الحكومة عن الوضع في جبل الهيكل، يقول المحامي كاسبي: “هذا كما ان نسأل ما هي مسؤولية القائد العام للشرطة عن اعمال شرطة اسرائيل. لا تمكن المبالغة في مسؤولية رئيس الحكومة عن الوضع في جبل الهيكل، فان مسؤوليته مطلقة. ونحن نعلم بالتأكيد انه لا شيء يحدث في جبل الهيكل بغير علم سابق وموافقة من ديوان رئيس الحكومة ومن يرأسه. وكل انتقاد وكل اهمال وكل اخفاق وكل اخفاء وعجز عن علاج هذا الموضوع وكل المسؤولية التاريخية لذلك موضوعة على بابه”.

          لماذا يعارض نتنياهو نشر التقرير حقا؟

          “يعارض نتنياهو بكل قوته نشر التقرير وأرسل سكرتير الحكومة ليحضر باسمه ومن قبله مع مزاعم مبتذلة تقول ان نشر اخفاقات الشرطة سيفضي الى انتفاضة في تونس – هكذا بالضبط قال سكرتير الحكومة تسفي هاوزر في لجنة الكنيست. ولست أفهم من أين تأتي هذه المزاعم ولا سيما أنها تناقض مزاعم المسؤولين عن هذه الموضوعات. وحيال حقيقة ان جهات مختصة رفيعة المستوى تعتقد انه لا أساس لاخفاء التقرير فاننا نشارك في رأي ان أسبابا غير موضوعية تقوم في أساس الجهد لاخفائه”.

          ما هي هذه الاسباب في رأيك؟

          “الخشية من ان يُذكروا نتنياهو بمشاركته ومسؤوليته عن الاخفاق التاريخي في نقل اسطبلات سليمان الى الأوقاف والحركة الاسلامية. فقد مكّن في ولايته الاولى من انهاء الاعمال ونقل المكان الى أيدي الأوقاف. وجعل هذا اسطبلات سليمان، وهي موقع أثري رائع بناه هورودوس، جعله مكانا لا يجوز لليهود دخوله وجعله أكبر مسجد في دولة اسرائيل”.

 

          أسقف خشبية ومولدات كهرباء

          يمكن ان يجد مثالا بارزا على اهمال موجودات أثرية ذات أهمية عظيمة – حتى بعد التقرير المطوي – كل من يعرف أمر الأسقف الخشبية الموضوعة كحجر لا يقلبه أحد قرب باب الرحمة.

          بدأ أمر الجدران في ثلاثينيات القرن الماضي، حينما رُمم سقف المسجد الاقصى وأُخرجت الأسقف ونُقلت الى المخازن. قبل سنتين أُخرجت الأسقف من المخازن وطُرحت في الجبل. لم يكن ذلك مهما جدا لولا بحث الدكتورة نيلي ليبشيتس التي نفذت فحصا عن التاريخ واستقر رأيها على أن بعض الأسقف يرجع الى عصر الهيكل الاول.

          وكُشف كذلك فوق اثنين منهما عن نقوش الاول من العصر الروماني والثاني من العصر البيزنطي. ونبع بقاء الأسقف الخشبية المدهش من حفظها في مبنى مغلق. واخراجها الى الخارج – في رأي جميع مع أُجريت معهم المقابلات من اجل هذا التقرير الصحفي – جريمة أثرية. بيد ان هذا ليس كل شيء، فقبل سنتين اختفى السقف البيزنطي من الجبل. وفي المدة الاخيرة شوهد سائر الأسقف قرب كومة ألواح رصاصية غطت في الماضي جدران المسجد الاقصى. وفي الصيف الماضي شوهد قرب الأسقف حريق صهروا به الألواح الرصاصية. وقد وضعت الأسقف اليوم عند أسفل الدرج المؤدي الى باب الرحمة مغطاة بنايلون أسود.

          لم يُجهد أحد في ديوان رئيس الحكومة وفي شرطة اسرائيل وفي سلطة الآثار نفسه حتى الآن برغم التحذيرات التي صدرت، من اجل نقلها الى مكان آمن وهكذا سُحقت قطعة اخرى من التاريخ اليهودي بشكل بطيء على جبل الهيكل.

          هذه واحدة من الوقائع المزعزعة التي حدثت منذ فُرضت السرية على التقرير، لكنها ليست الوحيدة. فعلى سبيل المثال وصلت جرافة الى باحة جبل الهيكل وحركت ببساطة أكوام التراب التي أُخرجت من الحفر تحت الارض، دون رقابة وبلا رخصة بناء منظمة. وفي اثناء عمل الجرافة ظهرت مرة اخرى طبقات الرصف القديمة تلك تلوح من خلال التراب.

          قال لنا المحامي اسرائيل كاسبي: “اليوم ايضا تعمل ثلاث جرافات على جبل الهيكل. ونقول في هذا ان المسدس الذي يظهر في الفصل الاول من المسرحية يجب ان يطلق النار في الفصل الثالث. طلبنا القاطع هو ان تكون الجرافات في الخارج وان يعطى كل عمل مطلوب رخصة ملائمة. ويؤسفنا ان هذا الامر لم يتم تقويمه. وما تزال مواد البناء ايضا تدخل الى جبل الهيكل بخلاف التزامات الشرطة ان تُدخل مواد البناء بحسب الحاجة فقط وبحسب قياسات وكمية محددة لعمل ما. يبدو جبل الهيكل اليوم مثل مخزن مواد بناء. ويُذكرنا هذا بأمر المسدس – فالمادة التي تدخل اليوم تُستعمل غدا في عمل غير قانوني”.

          الى جانب ما يبدو اخفاقات في ظاهر الامر للشرطة وسلطة الآثار لا تؤدي اللجنة الوزارية – التي عقدت جلستها الاولى في سنة 2009 فقط بعد أكثر من اربعين سنة من سيطرة اسرائيلية على الجبل – لا تؤدي عملها باعتبارها حامية ومراقبة.

          قبل سنتين مثلا نُقل اليها طلب ادخال مولدي كهرباء ضخمين الى جبل الهيكل. ووافقت اللجنة على الطلب. يقول كاسبي: “تدهش احيانا ببساطة لعدم فهم ما يجري في جبل الهيكل. ولا تصدق ان هذه الامور تحدث. نحن نعمل في مصلحة أعدائنا ونطلق النار على أقدامنا، لأن مولدات الكهرباء هذه يمكن ان تزود نصف مدينة بما تحتاج من الكهرباء. فما الحاجة اليها؟ ألا يوجد تزويد دائم بالكهرباء لجبل الهيكل. لا توجد أي مصلحة لدولة اسرائيل في ان يقطع المسلمون اذا أرادوا القيام باضطرابات الكهرباء وان يتحصنوا في الجبل، في ان نُمكّنهم من فعل هذا. ومن اجل وضع مولدي الكهرباء – اللذين يبلغ حجم كل واحد منهما حجم حاوية – تمت اعمال حفر للكوابل لكن بصورة أشد حذرا هذه المرة وبغير استعمال للجرافات، لكنهم أضروا بالارض قرب المنصة التي قام عليها جبل الهيكل”.

          البئر الكبيرة

          بعد اعلان موتي غور الدراماتي “جبل الهيكل في أيدينا”، في حرب الايام الستة، تدفق على ذلك المكان عشرات آلاف الاسرائيليين. وفي تلك الليلة سوّت الجرافات باحة الحائط الغربي وأصبح حائط المبكى منذ ذلك الحين موقع عبادة مركزيا.

          على نحو ما أصبح جبل الهيكل نفسه الذي هو بحسب المصادر اليهودية أقدس مكان لليهودية مُنحى جانبا. يُفسر الدكتور باركائي هذه المفارقة بقوله: “منذ وقعت حرب الايام الستة وهم يقولون للشعب ان الحائط الغربي هو المكان المقدس. ولا يعلم الناس ألبتة ما هو الحائط، فهو يستمد قدسيته من جبل الهيكل. أصبح الحائط الغربي مقدسا عند اليهود لأنهم لم يسمحوا لهم بالدخول الى جبل الهيكل”.

          خلال نحو من ثلاثين سنة، الى ان فُتحت أنفاق الحائط الغربي في سنة 1996 كانت السيادة الاسرائيلية على جبل الهيكل نصف سيادة فقط: فقد استطاع مراقبو سلطة الآثار المجيء الى الجبل والتصوير والتسجيل، لكنهم لم يستطيعوا البحث عن أقدس مكان لليهودية. ومع افتتاح الأنفاق احترقت أوراق اللعب، فقد دُفع بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة آنذاك ايضا، الى ازمة سياسية بسبب الامر بافتتاحها ونشوب الاضطرابات واضطر الى الموافقة على خطوات الوقف في جبل الهيكل، من طرف واحد.

          استغلت الأوقاف من جهتها الوضع جيدا ومنعت مراقبي سلطة الآثار من دخول مباني جبل الهيكل. وكان هناك مثال واضح على الاستسلام لمطالب الأوقاف في الامر الذي أبلغته الشرطة الى مراقبي سلطة الآثار وحظر عليهم ان يصوروا ما رأوا في زياراتهم المعدودة للمكان.

          بدأت الأوقاف فورا تقريبا اعمالا في الجبل، فبعد شهرين من افتتاح الأنفاق تم افتتاح أكبر مسجد في اسرائيل بُني في الفضاء الكبير لاسطبلات سليمان. واليوم وعلى أثر افتتاح المسجد يُمنع اليهود من دخول الموقع.

          بعد مرور سنتين افتتحت الأوقاف مسجدا آخر تحت المسجد الاقصى هذه المرة. وقد تم افتتاح المسجد في واحد من الممرات القليلة التي حُفظت كاملة من عصر الهيكل الثاني: من باب الحديد الغربي الى باحة الهيكل، التي بقيت فيها اربع قباب، اثنتان منها ذات نقوش بارزة نادرة لفنانين يهود قبل نحو من ألفي سنة. ولافتتاح هذا المسجد، بسطت الأوقاف بسطا مع إزالة كميات كبيرة من التراب من المكان ورصفته وركبت شبكة أنابيب جديدة مع ثقب الحجارة القديمة. وأخطر من ذلك ان عمال الأوقاف جصصوا النقوش البارزة النادرة، ولا يمكن اليوم تقريبا ملاحظتها.

          تمت كل هذه الاعمال بلا رقابة من سلطة الآثار، ويمكن ان نُخمن فقط أي الكنوز الحضارية والتاريخية والدينية تم القضاء عليها في اثنائها. لا يستطيع مراقبو سلطة الآثار العالمون بالخراب ان يفعلوا شيئا حتى بالأضرار الظاهرة للجميع. ويقول الدكتور شموئيل باركوفيتش – مؤلف كتاب “ما أفظع هذا المكان”  عن جبل الهيكل، وهو قانوني مختص في الاماكن المقدسة – يقول: “سألت شخصا ما من سلطة الآثار لماذا لا تصعد لتنقية النقوش البارزة من الجص؟ فأجابني: اذا صعدت في السلم فليس من المؤكد ان استطيع النزول”.

          يصعب ان نتهم مراقبي سلطة الآثار. فقد ردت شرطة اسرائيل على رسالة طلب مساعدة على حماية الآثار في جبل الهيكل أرسلها مراقبو السلطة في تلك الفترة، ردت باستخفاف وزعمت ان مراقبي السلطة غير محتاجين الى دعوة خاصة. واذا كان يبدو وضع مراقبي سلطة الآثار صعبا فان وضع مراقبي بلدية القدس أصعب بأضعاف مضاعفة. وطوال سنين أُبعد مراقبو البلدية تماما عن جبل الهيكل، وفي سنة 2007 فقط أُذن لهم بدخوله. وطُلب الى مراقبي البلدية ايضا ان يجروا تنسيقا سابقا قبل ان يأتوا الى الجبل.

          ان كل عمل في جبل الهيكل ومنه الحفر والبناء والقلع يحتاج الى موافقة من بلدية القدس. بيد انه منذ 1996 حتى اليوم بلطت الأوقاف آلاف الأمتار المربعة كي تزيد مساحة الصلاة في المساجد وكل ذلك بغير رخص. وبعد التبليط لا يمكن الحفر للكشف تحت البلاط عن مكتشفات أثرية.

          في سنة 1999، بعد ثلاث سنين من اقامة المسجد في اسطبلات سليمان، خطت الأوقاف خطوة اخرى الى الأمام. فقد حفرت بئرا في باحة جبل الهيكل بحجة إحداث فتحة طواريء للمسجد. وتم العمل بجرافات وأخرجت الأوقاف من المنطقة نحوا من 250 شاحنة حملت نحوا من 12 ألف طن من التراب المشبع بموجودات أثرية. وطُرح التراب في مزبلة في العيزرية وهكذا اختلطت البقايا الأثرية ذات الأهمية العظيمة في أكوام القمامة وأُبعد جزء آخر من التراب الى وادي قدرون.

          وهكذا توجد سلطة الآثار بين المطرقة والسندان في جبل الهيكل. فمن جهة يعمل في السلطة علماء آثار يفهمون جيدا أي ضرر قد يقع بالآثار. ومن جهة ثانية تعمل السلطة مع خضوع لشرطة اسرائيل التي تُبعدها عن جبل الهيكل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى