ترجمات عبرية

يديعوت: عالقون مع جموع من الحيوانات المفترسة

يديعوت – عميحاي أتألي – 20/5/2022

يمكن أن نيأس. عند التفكير في هذا بعمق، في جنين التي لا تكف عن انتاج «المخربين» الذين يريدون فقط ضربنا بالبلطات، في الجريح العربي الذي توفي في هداسا جبل المشارف وأحيت عائلته هذا بتدمير طابق كامل في المستشفى، في مشاغبي شرقي القدس الذين يلقون من علٍ براميل المياه على رؤوس مقاتلي حرس الحدود، في الحرم الذي اصبح عاصمة «حماس» وفي جامعة تل ابيب التي تتماثل معها، حين نتعمق في كل هذه الصور والافلام يمكن حقاً أن نيأس.
حين نفهم اننا عالقون هنا مع جموع من الحيوانات المفترسة التي تقدس الموت، مع اهالي يوزعون الحلويات على اولئك الذين بلغوهم بموت ابنائهم، ومع شبان، لم يتجاوزوا العشرين من اعمارهم، ممن هم قادرون على ان يشقوا ببلطة رأس شخص لم يسبق لهم أن التقوه من قبل، فإن هذا يضعف حقاً.
حتى لو مرّ اسبوعان بدون عمليات وبدا ذلك فجأة كاحتفال (وليستمر هكذا فقط)، نحن لا نستوعب حقيقة أن عشرين عائلة جديدة دخلت دائرة الثكل في الشهرين الاخيرين. وفي كل لحظة تقريبا في هذين الشهرين كانت إحداها أو بعض منها تجلس في الحداد. إذن ما الذي يحصل هنا؟ فجأة عدنا الى الوراء عشرين سنة. واذا لم يكن كل هذا بكاف فإن هذه السياسة الحقيرة تدفع نفسها الى كل مكان، تلون وتختلط ايضا مع الثكل، تندفع الى احتفالات يوم الذكرى بل وحتى الى الجنازات. يبدو أنه في اسرائيل لا يمكن ان تكون حال اخرى.
لم أسمع أبداً من قبل الاسم نوعم راز حتى يوم الجمعة الماضي. وهذا غريب، فأنا غارق حتى الرقبة في مستنقع الصهيونية الدينية، مجموعة اجتماعية لذيذة وقيمية، وتحب رموز البطولة. ومن مثل نوعم كان رمز البطولة. لكن هو بالذات الذي يصر جدا على ان يفعل كل شيء وهو في الظل، غرس فيّ في الايام الاخيرة الكثير من الامل في بحر اليأس. سمعت في الايام الاخيرة الحاخام حجاي لوندين، رفيق صبا نوعم، يروي عنه، وفي ظل ايام العصف – الشخصي وعلى ما يبدو بقدر غير قليل الجماهيري ايضا – ترسخ لدي الفهم في أن نوعم هو الرمز لحقيقة أننا سننتصر.
كل القصص التي تقال عنه فجأة تلخص شخصية عدينو هعتسني، الشخصية القديمة غير المعروفة للجمهور، والتي يتحدث عنها المتدينون في الكليات العسكرية التمهيدية. يذكر عدينو هعتسني كواحد من ابطال الملك داوود، الذي تميز في المعارك.
كرس نوعم (23 سنة) من حياته لامن اسرائيل منذ تجند لليمام. لم يبحث عن المجد بل وفرّ منه. ولهذا فقد كان شخصية غير معروفة لي ويبدو لكثيرين آخرين. كان لهما احاديث عن الموت، كما يروي الحاخام لوندين. فقد سأله ألا تخاف الموت؟ فالاحصاءات ضدك. 23 سنة من النشاط العملياتي الذي تكون فيه مرة تلو المرة تحت النار؟» فأجابه نوعم «لا يهم كم سنة تعيش، المهم ما الذي فعلته فيها».
فما الذي فعله إذن في 47 سنة من حياته؟ رجل عائلة قبل كل شيء؟ يعود لنشاطاته الاصعب والاكثر ارهاقا ويحرص دوما على صلاة الفجر. يكرس الوقت لتعليم التوراة وفي كل دقيقة شاغرة يعمل في كرم الزيتون الذي غرسه. في بيته متواضع، عائلي ومتفانٍ لاشجار الزيتون. في اعماله العسكرية قوي جدا ووحشي ايضا.
«وكم من نوعم راز يوجد لنا؟» يقول الحاخام لوندين ويضيف «التقِ مع كثير من الناس، قبل الجيش وفي اثناء الخدمة. يوجد عشرات ومئات مثل نوعم راز. الناس الاكثر حساسية في الحياة المدنية ممن يعرفون كيف يكونون اقوياء جدا. في كل مرة التقي مثل هؤلاء أتأثر وكأني التقيت شخصية توراتية».
لا مفر من أن نفهم بان نوعم راز على ما يبدو قتل عددا من الناس في اثناء حياته. لكنه لم يفعل هذا بسرور. لم يتباهَ به او يتحدث عنه. كان مقاتلاً حاداً جداً، مهنياً وصلباً لكنه لم يقدس الموت ابداً ولم يبتهج لموت احد. تؤكد ظروف موت نوعم المأساوية التي في وجودنا هنا. نحن نحاول ان نعمل بتقنين والا نمس الا بمن هم الأكثر ضلوعاً فقط. بل حتى الا نمس بل ان نعتقلهم وهم احياء. وعلى هذه الحساسية الزائدة قد يكون دفع الثمن بحياته.
أبناء نوعم لا يمجدون موته. هم يبكون عليه ويغضبون غضباً مهموماً. وفي كل هذا يختلف نوعم راز عن اولئك الذين قاتلهم. في كل هذا تختلف عائلته عن عائلاتهم. نختلف نحن عن العدو. إذ ان الأمة التي تقدس الموت، الذي تعتبره غاية، تقف هناك ولن تصل الى اي مكان بعده. ويمكن ان نرى جيداً في منطقة الشرق الاوسط ما هو المستوى الاعلى الذي يمكن أن تصل اليه امم الموت. نحن مختلفون. لنا يوجد نوعم راز ويوجد عشرات ومئات آخرون مثله. ولهذا فإننا سننتصر.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى