يديعوت: رفض الموساد دائما محاولات لتقويض أسطورة أشرف مروان كـ “أفضل جاسوس في التاريخ”
يديعوت 24/10/2025، رونين بيرغمان ويوفال روبوفيتش: رفض الموساد دائما محاولات لتقويض أسطورة أشرف مروان كـ “أفضل جاسوس في التاريخ”
في 3 أكتوبر 1973، استدعى أنور السادات رئيس الأركان المصري سعد الشاذلي وفريقًا من مساعديه المقربين، بمن فيهم رئيس مكتبه القوي أشرف مروان. ووفقًا للكاتب المصري البارز، محمد حسنين هيكل، كان الرئيس المصري قلقًا. ليس لأنه رأى شيئًا، ولا لأنه سمع شيئًا، ولا لأن أي معلومات استخباراتية قد وصلت. بل على العكس تمامًا. لقد خشي أن الخدعة الكبرى، التي وصفها لاحقًا رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء شلومو غازيت، الذي عُيّن بعد حرب أكتوبر، بأنها “أكبر عملية تضليل في التاريخ”، وهي مناورة سيضع فيها السادات مئات الآلاف من الجنود على خط المياه ولن ترد إسرائيل بسبب شعورها بالأمن المطلق النابع من “التفوق الاستخباراتي” – قد سارت على ما يرام.
“إنهم لا يعرفون بعد”، قال الشاذلي.
لم يقتنع السادات. “هل ما زالوا في شهر عسل جميل؟” تساءل الرئيس: “أم أنهم يختبئون في حقل الذرة وينتظرون العدو؟”. كان يخشى أن يكون الصمت خادعًا، وأن الإسرائيليين كانوا على علم بالأمر ويجهزون فخًا لجيشه.
لمعرفة ما إذا كانوا نائمين حقًا أم العكس، اتصل مروان في مساء اليوم التالي بموظفه في الموساد، دوبي، وأعطاه الرمز العام للحرب. ليس رمز الحرب الفورية، بل أمرٌ سيحدث في وقتٍ ما. بمعنى آخر، لم يكن هناك داعٍ للتوتر. طلب مقابلة رئيس الموساد في اليوم التالي في لندن. كان الافتراض أنه إذا غادر رئيس الموساد إسرائيل مساء الجمعة، فهذه علامة شبه مؤكدة على أن إسرائيل لا تتوقع اندلاع حرب في اليوم التالي، وإلا لما غادر.
وصل تسفي زامير، وبدأ الحديث بأسئلة غير ذات صلة. في النهاية، كان مروان هو من أخبره أنهم جاؤوا للحديث عن الحرب وزعم قائلا: “إما أنكم تعرفون كل شيء وتستعدون لتدمير الجيش المصري، أو أنكم لا تعرفزن مدى خطورة التهديد”. أما زامير فوال التعبير عن شكوكه: لماذا يذهب السادات إلى الحرب أصلًا؟ وهنا كان يمكن لمروان أن يُبلغ رئيسه في القاهرة: إنهم في الحقيقة لا يعرفون شيئًا.
في 7 أكتوبر 2023، حوالي الساعة 5:30 صباحًا، يتكرر هذا المشهد. يقرر محمد ضيف إلغاء كل شيء، ليس لأن شيئًا ما يحدث من الجانب الإسرائيلي، بل لأنه لا شيء يحدث. لا يصدق ضيف أن الخداع ينجح إلى هذا الحد. إنه متأكد من أن الإسرائيليين يتربصون في مكان ما في الظلام، ينتظرون الإيقاع بقواته النُخبوية.
أخطأ الاثنان، ضيف وبالتأكيد السادات، فقد اعتبرا ان هذه هي إرادة الله. لكن لم يكن التدخل الإلهي هو ما جعل إسرائيل غير مستعدة، بل اسرة استخبارات لم يعترف أعضاؤها قط بوقوعهم ضحية خداع.
وهكذا، في منتصف عام 1974، شعر كبار مسؤولي الاستخبارات بالقلق إزاء مصداقية مروان. أمر غازيت، الرئيس الجديد لشعبة الاستخبارات، بإجراء تحقيق في سلسلة الأحداث التي أدت إلى تجنيده وتفعيله. علم الموساد أن غازيت قد شكّل لجنة تحقيق، وقرر تشكيل لجنته الخاصة. في أكتوبر 1974، خلصت اللجنة إلى أن شكوك غازيت لا أساس لها. لماذا؟ لأنه “من غير المرجح أن يكون تطوّع “الملاك” لمساعدة إسرائيل عملية احتيال مدبرة من قبل المصريين، بالنظر إلى قدراتهم في هذا المجال، وتعقيد عملية احتيال بهذا المستوى، وصعوبة استمرارها على مر الزمن”
باختصار، استند القرار إلى حقيقة أن المصريين ببساطة لم يكونوا أذكياء بما يكفي لتنفيذ مثل هذه العملية. كل ما كان ينقصهم هو كتابة شيء عن الشبشب وبنادق الكلاشينكوف.
وبالطبع كتب أحدهم هذا الكلام المتبجح، ولكن في أيلول 2023، في الذكرى الخمسين للحرب، نشر الموساد كتابًا وأقام احتفالًا خاصًا للاحتفال بما يعتبره رجاله نجاحًا باهرًا في حرب يوم الغفران. يذكر الكتاب أن الجهاز أجرى اختبارات على مر السنين “واستبعد تمامًا إمكانية تسلل “الملاك” أو “تمثيله” لأغراض احتيالية ضد إسرائيل”. وكيف توصلوا إلى هذا الاستنتاج؟ بنفس النظرية حول ضعف قدرات العرب في الخداع.
قال رئيس الموساد، دافيد برنياع، في حفل إطلاق الكتاب: “كان الملاك عميلاً استراتيجياً”. وأضاف: “من يدّعي خلاف ذلك، في رأيي، ربما يسعى للشهرة أو ببساطة لا يفهم الصورة الاستخباراتية”. بمعنى آخر: إذا اختلف أحدٌ في تفكيره عنا، فإن الاستنتاج الوحيد هو أنه جاهل، لا يفهم الاستخبارات، يفتقر إلى الخبرة في تشغيل العملاء، أو يتصرف بدوافع خفية.
بعد أسبوعين من ذلك الحفل، في 6 أكتوبر 2023، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مقالين مشتركين للواء أهارون زئيفي فركاش، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات، وكاتب هذه السطور، حول هذا التزييف التاريخي والخداع الذي يُرسخه. واختتم فركاش مقاله بتحذير: “فقط إذا حققنا في إخفاقاتنا يمكننا استخلاص العبر. وإلا، فسنُفاجأ مرة أخرى ونُفاجأ على حين غرة”.
في اليوم التالي، هاجمت حماس إسرائيل.



