ترجمات عبرية

يديعوت : درس بولندي لإسرائيل

يديعوت 26-12-2022م، بقلم: سيفر بلوتسكردرس بولندي لإسرائيل

قبل مئة سنة، في كانون الأول 1922، بعد خمسة أيام من انتخاب البرلمان رئيسا أول للدولة البولندية المستقلة التي أقيمت باتفاقات فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى، قتل البروفيسور جبريئيل نروتوبيتش، بنار متطرف قومي يميني في وارسو.

يشكل الاغتيال نقطة مصيرية في تاريخ بولندا، التي تتذكر الاغتيال بخوف ولم تنضج بعد لتكون ديمقراطية ليبرالية كاملة. ويوجد فيها أيضا الكثير من السياقات اليهودية.

الواحدة أمام الأخرى وقفت في حينه ومنذئذ رؤيتا السيادة البولندية: الأولى قومية شعارها “بولندا دولة للبولنديين” وليس أيضا للأقليات التي عاشت فيها وبخاصة ليس لليهود الذين وصلوا إلى نحو عُشر السكان.

أمامها تقف رؤية بولندا كـ “دولة كل مواطنيها”، التي فيها أغلبية بولندية وهي تحرص أيضا على أن تمنح حقوق مواطنة كاملة للأقليات، بمن فيهم اليهود.

الفكرة الأولى مثلها “الحزب القومي الديمقراطي”، جسم قومي متزمت ولاسامي قاده رومان تموبسكي، سياسي ظلامي، مفكر مثمر وكاره جدا لليهود.

أما الفكرة الثانية فمثلها الحزب الاشتراكي الديمقراطي بألوانه وأشكاله، برئاسة المارشال جوزيف فيلسودسكي الاستراتيجي المحبوب وحامل لقب “رئيس بولندا”.

الرئيس نروتوبيتش كان ينتمي للتيار الثاني، أما قاتله فللأول.

عندما أنهت القوى العظمى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى مأساة تقسيم بولندا بين الاحتلال الروسي، الألماني والنمساوي ومنحتها السيادة اشترطت قرارها بأن تكون دولة ديمقراطية، ليبرالية وعديمة التمييز.

تبنى فيلسودسكي مطالبها. في بولندا قام برلمان متعدد الأحزاب انتخب في انتخابات ديمقراطية سرية. حوفظ فيه على تمثيل الأقليات أيضا ومنح صلاحية انتخاب رئيس الدولة.

في التصويت ارتبط الحزب الاشتراكي، حزب الفلاحين وممثلي الأقليات بقيادة اليهودي الصهيوني إسحق كرينبويم وانتخبوا النشيط السياسي والعالم، المثقف والديمقراطي، جبريئيل نروتوبيتش.

الانتخاب أشعل بولندا. وأعلن عن نروتوبيتش على الفور كـ “خادم اليهود” واعتبر انتخابه إهانة للأمة وسرقة استقلالها من قبل اليهودية الدولية.

الصحافة الشعبية اللاسامية شرعت في حملة تشهير ضده ووقعت نداءاتها على أرض خصبة. موجة الاعتداءات ضد اليهود بما فيها الحملة الإحرامية في لفوف – ارتفعت في بولندا منذ الأشهر الأولى لاستقلالها.

كل هذا أشعل القاتل الذي كان مواطنا مجهولا وغاضبا. في محاكمته لم يطلب الرحمة، لم يستأنف على حكم الإعدام وأصر على أنه أنقذ بولندا من “اليهود” وفيلسودسكي. وأعدم بالنار في نهاية كانون الثاني 1923. بعد الصدمة نشبت الخلافات البولندية الداخلية من جديد بكل القوة والبشاعة.

أصبح قاتل الرئيس بطلا محبوبا في نظر نصف الشعب، وألقي بقيم الديمقراطية إلى القمامة وحتى نشوب الحرب العالمية الثانية تراوحت بولندا بين نظام شبه عسكري تحت قيادة فيلسودسكي ونظام يمين فاسد روج لتشريعات مناهضة لليهود ومناهضة للديمقراطية.

للقرارات الحاسمة التاريخية منطق خاص بها: بعد مئة سنة من قتل نروتوبيتش تواصلت أصداء الرصاصات في الوعي الوطني البولندي والصراع على صورتها لم يحسم بعد.

خطاب الحزب الحاكم الحالي مليء بتعابير كأنها مأخوذة من قاموس دموبسكي وأصحابه القوميين المتطرفين واللاساميين – وأحيانا يذكر بالأجواء المسمومة التي سادت هناك في 1922.

اغتيال رابين يشبه غير مرة باغتيال الرئيس نروتوبيتش. العناصر كانت مشابهة: التحريض، أجواء الفتك السياسي، كراهية الزعيم. بالمقابل كانت فروق عميقة، في الظروف، في النفوس الفاعلة وفي النتائج: إسرائيل الديمقراطية، بخلاف بولندا الديمقراطية، لم تقتل مع قتل رئيس الدولة الديمقراطي.

نجت إسرائيل من القتل وازدهرت. لكن إشارة التحذير من التاريخ المأساوي لبولندا يجب أن تقف دوما أمام ناظرينا. إذ في نهاية كل تحريض ينتظر القتل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى