ترجمات عبرية

يديعوت – بقلم ناحوم برنياع – تحيا الاوراق التي على الطريق

يديعوت  – بقلم  ناحوم برنياع – 18/9/2020

” زعماء ورؤساء يأتون ويذهبون في الشرق الاوسط وفي العالم ومع ذلك نجد أن الاتفاقات التي وقعت تنجو من كل التجارب  واللحظات الصعبة “.

تعيش الاوراق في الشرق الاوسط اكثر مما يعيش البشر. فقد قتل السادات وبيغن لم يعد يستطيع، ولكن الاتفاق الذي وقعاه في كامب ديفيد نجا من حربين في لبنان وثورتين في مصر ونار في غزة، ولا يزال باقيا؛ الملك حسين توفي قبل أوانه، ورابين قتل، والملك عبدالله غير مستعد لان يلتقي برئيس وزراء اسرائيل، ولكن الاتفاق الذي وقع عليه أبوه ساري المفعول وينفذ بعناية على ضفتي النهر. وحتى اتفاق اوسلو البائس، الذي يحتقر في الطرفين، يواصل الصمود، ان لم يكن كخطة عمل، فككرة تركل، كذريعة يتعلقون بها.

كما أن النجاة الاكثر تأثيرا هي نجاة اتفاق سايكس بيكو، ورقة كتبها قبل 104 سنوات موظفان استعماريان مغروران، غريبان عن الشعوب التي تعيش هنا، عن الثقافة، عن الجغرافيا. فقد رسم الاتفاق بيد فظة، باهمال وبجهل حدود الدول في  الشرق الاوسط. وقد نجا من كل ثورات العالم العربي. وفي هذه الاثناء لا بديل له.

سيكون هذا، كما هو من المعقول الافتراض مصير الاتفاق الذي وقع يوم الثلاثاء في الساحة الجنوبية للبيت الابيض. وهو سيبقى بعد سنوات حكم ترامب، نتنياهو، محمد بن زايد حاكم اتحاد الامارات، والملك حمد من البحرين. الاوراق تخلق واقعا: الاحرف الصغيرة تنسى ولكن الاطار يبقى. الاحترام للاوراق.

أحد قدامى طريق السلام الامريكي جاء الى الاحتفال. ليس الامريكيون هم من دعوه؛ ولا الاسرائيليون؛ الاماراتيون هم الذين دعوه. وقد جاء بسرور: قسم كبير من حياته كرسه لدفع السلام الى الامام بين اسرائيل والعالم العربي. كل خطوة تتم في هذا الاتجاه، تفرحه. ولكن هذه المرة كانت الفرحة مختلفة. “لم يكن بوسعي الا افكر بالسادات وبيغن، الحسين ورابين، عرفات ورابين”، قال بعد ذلك. “هذا لم يكن الامر ذاته”.

لقد وجد صعوبة في أن يجد الكلمات الصحيحة. عندما شاهدت احتفال التوقيع، قلت له، اعتقدت اني اشاهد صفقة تجارية ناجحة: يوجد رضى، لا يوجد نقاء روحي. وبالاساس، لا يوجد ألم، لا يوجد دم، لا توجد مأساة، لا توجد رواسب داخلية. فخليط الحرب والثكل في  خطاب نتنياهو كان زائدا. محاولة فاشلة لان يشبه نفسه ببيغن ورابين.

نعم، قال. الصفقة قد تكون الكلمة الصحيحة.

في الصفوف العشرة الاولى، روى، جلس الطاقم الاول الامريكي: وزراء، موظفون كبار، سناتورات جمهوريون. أما سناتورات الديمقراطيون فلم نراهم. كما لم نرَ عربا امريكيين، بخلاف الاحتفالات اياها. وفي الخلف جلس اليهود المعروفون، اولئك الذين اتصالهم الوحيد بالواقع في الشرق الاوسط هو التواجد في الاحتفالات. برز بينهم اليهود الجمهوريون، يهود ترامب.

ترامب ونتنياهو هما شخصان احد لا يمكن الا يكترث لهما. يحبونهما او يمقتوهما. الشحنة العاطفين تجاه كل واحد منهما تغطي على الموقف من الاتفاق. انا اعرف أناسا، في الولايات المتحدة وفي اسرائيل على حد سواء ممن وجدوا صعوبة في ان يشاهدوا الاحتفال. فسلوك ترامب ونتنياهو يضيق عليهم الخناق. البشائر الطيبة هي بشائر طيبة، ولا يهم على لسان من تأتي.

الرئيس عاشق

لقد درج على الافتراض بان ترامب يأتي الى ما هو جاهز. دوره في العمل اليومي بالحد الادنى. فهو لا يتمتع بالقدر اللازم من الانصات لادارة مسيرة وبالتأكيد ليست مسيرة معقدة تحتاج الى صبر، خبرة ونزول الى التفاصيل. الاحتفال، الصور في التلفزيون، التغريدات في الشبكة، هذا كل ما يهمه.

ليس في هذه الحالة. يتبين، وفقا لمصادر مختلفة بان ترامب عشق المشروع الاماراتي. وهو يمارس الضغط على جارد كوشنير وفريقه كي يجلب المزيد من الدول، ان يمتشق المزيد من الارانب من القبعة. في تصريح للاعلام تحدث عن “خمس – ست” دول. فالاتفاقات تغذي نرجسيته، تعزز صورته الذاتية كصانع للصفقات، عظيم صانع الصفقات في التاريخ، فنان الصفقات. وفي الهوامش هذه مادة طيبة للانتخابات، للمواجهات التلفزيونية مع بايدن، للافنجيليين، للناخبين اليهود في دور العجزة في فلوريدا.  

محافل في اسرائيل تشير الى المصاعب. لكل دولة مرشحة للتطبيع توجد حواجز خاصة بها. يفترض بعُمان ان تكون الاولى. فقد حكم السلطان قابوس هناك خمسين سنة. وكان ابن بيت في اسرائيل. واسرائيل كانت ابنة بيت في عُمان، سرا وعلنا. في كانون الثاني من هذا العام توفي قابوس. وصعد الى عرش السلطان ابن عمه هيثم. وطالما لم يثبت حكمه، فانه يخشى تأطير العلاقات مع اسرائيل.

في السعودية  يدور جدال:  يدفع ولي العهد محمد بن سلمان الى التطبيع؛ فالتطبيع سيرمم مكانته في الولايات المتحدة التي تضررت بشدة بسبب قتل الصحافي خاشقجي. أبوه الملك العجوز سلمان طرد الفيتو. وهو يرفض التخلي عن مبادرة السلام السعودية، التي اشترطت التطبيع بانسحاب اسرائيل الى خطوط 67. وفي هذه الاثناء يسمح الحكم السعودي للبحرين، الدولة المرعية، لان تقطع كل الطريق الى التتطبيع. لقد  كانت البحرين جائزة الطردية من ابن سلمان لترامب، سلفة على حساب المستقبل. وفتحت سماء السعودية امام طيران الشركات الاسرائيلية. كل هذه الامور تجري علنا فوق الطاولة، مشكوك ان تقوم السعودية بخطوة اخرى، حاسمة، قبل الانتخابات في الولايات المتحدة.

في السودان تجد الحكومة صعوبة في التخلص من وجود منظمات الارهاب. وهي لا تزال غير ناضجة للاتفاق. للمغرب يوجد عمليا تطبيع طويل السنين مع اسرائيل ولكن الملك لا يسارع لان يجعله رسميا.

حتى لو لم تكن دول اخرى ستدخل الى دائرة التطبيع في الخمسين يوما المتبقية حتى الانتخابات، فان الميل واضح. لقد فقد الفلسطينيون الفيتو خاصتهم على علاقات الدول السُنية مع اسرائيل. فقدوه في المرة الاولى عندما هبط السادات في البلاد، استعادوه بعد اتفاق اوسلو وفقدوه مرة اخرى الان. المظاهرات التي لم تكن لا في عمان (الاردن)، لا في القاهرة ولا حتى في دمشق تفيد بان الشارع العربي تغير. لم يعد الفلسطينيون يشعلونه.

على الطريق يدفن الاتفاق مبادرة السلام السعودية. فقد تبنتها ادارات امريكية  سابقة. وسعت هذه الادارات لصفقة تبادل اراضي الضفة مقابل السلام الاقليمي. ولكن جهودها فشلت. اما ادارة ترامب فقد سارت في البداية في اعقابها، ولكن عندما رفض ابو مازن صفقة القرن رفضا باتا، لم تسعى الادارة لتحسين الشروط. وبدلا من هذا  تجاوزته في الالتفافة. لا السلام مقابل الارض بل السلام مقابل التنازل عن الضم وصفقة سلاح اشكالية. لقد حقق  ترامب اكثر مما حقق بوش واوباما.

من يدفع الان الى تنفيذ سريع للاتفاق هم مندوبو الامارات: وجهتهم الى الصفقات. متى يمكننا أن نفتح عندكم حسابات بنكية. كان هذا احد الاسئلة الاولى التي سألوها. وفهم بنك ليئومي وبنك هبوعليم التلميح وبعثوا على الفور بالوفود الى ابو ظبي ودبي.

يسعى الاماراتيون لان يبدأوا برحلات جوية مباشرة وبالتدفق الحر للسياح. بداية مع فيزا، وبعد ذلك بدونها. يسعون لان يستثمروا – في التكنولوجيا العليا، في البنى التحتية، في العقارات، في الامن. في كل ما  يدفعهم الى الامام ويجني لهم الارباح. هم في حالة نشوى. قبل اسبوع من الاحتفال في واشنطن زار وفد البلاد. جلبوهم الى وجبة غداء في مطعم الناعورة في ابو غوش. “لا تصوروا”، أمر المرافقون الاسرائيليون. اما الاماراتيون فلم يكن يهمهم. فقد التقطت لهم صور مع الطفل ابن صاحب المطعم الذي ارتدى على شرف الصورة جلابية بيضاء. نموذجهم هو تركيا. وهم يسألون لماذا يمكن لتركيا الاسلامية أن تتاجر بالمليارات مع اسرائيل، وان تملأ جدول الطيران في مطار بن غوريون وتفتح بواباتها للسياح الاسرائيليين، ونحن لا؟ اردوغان يهاجمنا على ما يفعله هو نفسه. فهو مزدوج الاخلاق. ونحن نستخف بذلك.

نتنياهو، من خلفك

غابي اشكنازي هو وزير الخارجية في حكومة نتنياهو. لم يسافر الى البيت الابيض، رغم أن الاتفاقات وقعت على مستوى وزراء الخارجية. نتنياهو، في فعل وقح، متعالٍ، غير قانوني، أخذ كل السلام لنفسه ولم يبقِ شيئا لزملائه. من يأكل وحده، يموت وحده، كما درج على القول في الجيش، ولكن نتنياهو اعتاد على أمر آخر. كان يمكن لاشكنازي أن يجلس مساء يوم الثلاثاء في البيت، وحده امام التلفزيون، ليشاهد الاحتفال ويأكل القلب. ولكنه أختار ان يذهب الى مناسبة جماهيرية. كمنت له هناك.

جرت المناسبة في متحف بلاد اسرائيل في تل أبيب. جمعية تسمى “شراكة درع اسرائيلية” تساعد المقاتلين الذين اصيبوا  بصدمة قتالية، بادرت الى مشروع صور: مقاتلون ومقاتلات مصابون التقطت لهم صور مع شخصيات اختاروهم، بالاجمال مع سياسيين وفنانين. روبي ريفلين، رئيس الدولة، تصور مع ليئور نير  مسعف اصيب في لبنان؛ نفتالي بينيت مع درور كندلشتاين، مقاتل في الهندسة القتالية؛ غابي اشكنازي مع شاحر كنفو، مظلي. ووقف الوافدون في الطابور لالتقاط صور السلفي مع اشكنازي. وشعر بانه في البيت.

في اثناء اليوم، عندما تبين بان نتنياهو لا يمكنه أن يوقع دون موافقة اشكنازي، كان هناك من اوصاه ان يرفض. هكذا كان سيتصرف نتنياهو. اما اشكنازي فقال ما المعنى. قرأ الاوراق، لم  يجد فيها مشكلة، تأكد انها ستجتاز اقرارا في الحكومة فوقع.

من ناحية اشكنازي وأزرق أبيض للاتفاق توجد آثار بعيدة المدى. قبل كل شيء فانه يشطب الضم عن جدول الاعمال. فالامارات اوضحت بانه اذا كان ضم لن يكون تطبيع. دول عربية اخرى لن تأتي ولن تتخذ خطوات مرحلية. نتنياهو لا يقول الحقيقة للاسرائيليين في هذا الموضوع.

وليس الضم وحده لن يكون: فالدينامية الناشئة مع الاتفاق ستجعل من الصعب على الحكومة ان تقرر خطوات من طرف واحد في المناطق. ادارة ترامب لا ترغب في أن تحرج دول الخليج. هذا سيؤثر على البناء في المستوطنات، وربما حتى على هدم المنازل.

في مفهوم معين يعود حل الدولتين ليكون ذا صلة. وسيتعين على استئناف المفاوضات ان ينتظر على ما يبدو الى ما بعد اعتزال ابو مازن. كل الجهود لاقناعه تلطيف حدة موقفه اصطدمت بالحائط. مندوب الدول المانحة الذي التقاه مؤخرا اقترح ضخ المال للسلطة مقابل استئناف التنسيق الامني. وهذا ايضا رفضه.  ولكن الجيل التالي من القيادة الفلسطينية كفيل بان يعيد احتساب المسار. فالفلسطينيون يرون ما يحصل في المحيط، في العالم العربي. في وزارة الخارجية تعمل دائرة للدبلوماسية العامة. وهي تتابع الشبكات الاجتماعية في العالم العربي. يوجد تغيير في الوعي. التطلع الى التقدم، الى التطبيع، يجرف الشباب. هذا يحصل ايضا في الرحاب الفلسطيني.

لقد اضعفت أزمة الكورونا نتنياهو بين الجمهور. اذا حل الحكومة في تشرين الثاني، من شأنه أن يفقد في الانتخاباتكل ما يوجد لديه. في الطريق السياسي الذي يسير فيه، فان بيني غانتس شريك اكثر راحة بكثير من بينيت.

في فترة ولاية الحكومات الانتقالية اعتاد نتنياهو ان يقرر وحده. وزراء أزرق أبيض مقتنعون بان هذه الفترة انتهت. هكذا يبدو الحال من جانبهم: فقد منعوا الضم؛ فتحوا الباب لاتفاقات سلام؛ انقذوا جهاز القضاء؛ ضمنوا ان يقدم رئيس الوزراء الى المحاكمة.

يوجد لهم ما يروونه للاحفاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى