ترجمات عبرية

يديعوت– بقلم اليكس فيشمان – التصفية والمخاطرة

يديعوت– بقلم اليكس فيشمان – 4/12/2020

تصفية فخري زادة لن توقف مساعي تخصيب اليورانيوم وان كانت ستجعل صعبا استئناف بناء رأس متفجر نووي.  إسرائيل بين عقيدة داغان وانهاء سياسة الغموض“.

الغى السعوديون الاسبوع الماضي بشكل مفاجيء زيارة  كان مخططا لها لمحفل امني اسرائيلي كبير الى بلادهم. وحسب مصادر سياسية في القدس، من غير المستبعد ان يكون هذا رئيس الموساد يوسي كوهن،  المحور المركزي في العلاقات بين الدولتين، ما جعل الغاء الدعوة حدثا هاما جدا.  

حصل هذا بعد بضعة ايام من تباهي اسرائيل بزيارة رئيس الوزراء نتنياهو مع ولي العهد السعودي على الاراضي السعودية، وقبل تصفية عالم النووي الايراني محسن فخري زادة في 27 تشرين الثاني. وبتقدير تلك المصادر السياسية، جاء الغاء الدعوة ليعبر عن عدم رضى سعودي من السلوك الاسرائيلي. مشكوك جدا أن يكون السعوديون عرفوا شيئا عن التصفية المخطط لها. معقول اكثر الافتراض انهم غضبوا من انعدام سرية نتنياهو ومحيطه. فنشر أمر اللقاء لم يكن بالتشاور معهم والزم وزير  الخارجية السعودية بالخروج في نفي جارف لمجرد وجوده.

هذه ليست المرة الاولى. في السنوات الاخيرة يحطم نتنياهو بالتدريج سياسة الغموض، التي خدمت اسرائيل سنوات عديدة جدا في علاقاتها الخارجية السرية وفي ادارة شؤونها الامنية الحساسة للغاية. وقد بات هذا رد فعل شرطي: نصل الى انجاز كل قوته في سريته – ونجعله اداة سياسية داخلية هدفها تعظيم رئيس الوزراء. فالتسريب عن زيارة نتنياهو الى  مدينة نيوم في السعودية قد لا يكلف حياة  الانسان.  ولكن تلميحاته بانه كان منشغلا جدا في  الايام التي صفي فيها أبو البرنامج النووي الايراني قد يكون لها ثمن، بحياة الانسان ايضا.  

جيب واربع دراجات

من صفى فخري زادة بذل جهدا كبيرا جدا في طمس الاثار. يبدو أنه تعلم جيدا دروس تصفية كبير حماس محمود المبحوح في دبي، قبل 11 سنة. فلا توجد شهادات مصورة من حملة تصفية العالم الايراني الذي كان في طريقه لزيارة اقاربه في مدينة ابساد. وبقدر ما هو معروف،  فان الايرانيين لا يزالون يتحسسون طريقهم في الظلام، ولكن توجد لهم مصلحة في نشر رواية معينة تسمح لهم بتبرير الفشل في نظر جمهورهم. ومن هنا أيضا القصص الرائعة عن التصفية عن بعد وما شابه. وبالتوازي يحررون “معلومات” كي ينتزعوا رد فعل ما يسهل عليهم حل لغز الحدث. فالنشر غير الرسمي لصور أربعة من المغتالين، زعما، هو محاولة جس نبض اخرى تستهدف استفزاز احد ما بارتكاب خطأ والرد وبالتالي كشف نفسه.

للجهة التي قامت بالاغتيال بالمقابل، توجد مصلحة في نشر رواية تساعد على طمس آثار المصفين، تسمح لهم بالاختفاء وتزيد التخوف الايراني من التغلغل العميق في اجهزة الحراسة لديهم.

الرواية المقبولة اليوم في “نيويورك تايمز” ووسائل اعلام مصداقة اخرى، تتحدث عن انقطاع الكهرباء لنصف ساعة في المنطقة التي تمت فيها التصفية مما منع على ما يبدو تفعيل كاميرات الحراسة المنصوبة في المنطقة. والنقطة التي اختيرت توجد قريبا من ميدان حركة السير، حيث يتعين على سيارات القافلة الثلاثة للعالم ابطاء سرعتها. يوجد وصف لجيب نيسان ازرق عمل كسيارة مفخخة وانفجر بالتشغيل عن بعد امام سيارة الحراسة التي سارت في نهاية القافلة. وبالتوازي مع الانفجار هوجمت سيارة الحراسة التي سافرت على رأس  الطابور بنار من سلاح  اوتوماتيكي، بينما قام قناصة برش السيارة الوسطى حيث كان فخري  زادة. وانصرف المغتالون من هناك في أربع دراجات وجيب  من طراز هونداي سنتفيه.

وعثر على فخري زادة نفسه مستلقٍ خارج سيارته بعد أن اصيب بثلاث رصاصات على الاقل. إما ان يكون خرج وحده بعد أن اصيب أو ان المغتالين نفذوا فيه تأكيد قتل. مهما يكن من امر لم ينجو أي شاهد عيان ايراني في الحدث.

لا حاجة للمرء أن يكون خبيرا كي يستنتج بان يكون شارك في مثل هذه العملية بضع عشرات الاشخاص الذين يتواجدون في الميدان، حيث يشكل معظمهم بنية تحتية عملياتية على ارض ايران. وخلية التصفية التي تصل الى ايران تستوعب وتستعين بالبنية التحتية التي اعدت لها:  شقق للاختباء، معلومات استخبارية في الزمن الحقيقي، تجنيد مساعدين، سبل فرار وما شابه. والانقاذ هو بشكل عام عقب اخيل في عمليات من هذا النوع.

الرد الايراني، اذا ما وعندما سيأتي، سيكون موجها على ما يبدو لممثلات اسرائيلية في الخارج واهداف اسرائيلية اخرى في العالم. والتقدير هو انهم سيهاجمون في الاماكن التي توجد فيها شبكات لحزب الله تستوعب رجال العمليات من الاستخبارات الايرانية أو ان يتم استخدام اجهزة العمليات الخارجية لحزب الله. ويدور الحديث بشكل عام عن دول لا تتعاون محافلها الامنية مع اسرائيل مثل دول جنوب امريكا، افريقيا والشرق الاقصى، وكذا تركيا واتحاد الامارات – التي اصبحت مقصدا سياسيا للاسرائيليين.

وهنا تنتقل الكرة الى جهاز المخابرات “الشاباك”، المسؤول عن حماية الممثليات والوفود في الخارج وتبدأ المرحلة الدفاعية في الحملة: تعزيز منظومة الحراسة، مشاركة الشرطة المحلية وتحديث انظمة الدفاع في السفارات ومحيطها. ويمكن لرفع حالة التأهب ان يستمر لفترات زمنية محدودة. يوجد للايرانيين صبر. وهم سينتظرون لحظات الضعف.

كما أن من شأن الايرانيين أن يردوا باطلاق النار من سوريا او من غرب العراق نحو اهداف في اسرائيل. فلديهم صواريخ جوالة هي في واقع الامر طائرات نفاثة بدون طيار تحمل مواد متفجرة بوزن 30 كيلوغرام. في ايار 2018 بعد أن دمر سلاح الجو منظومات الدفاع الجوي السورية وبنى تحتية ايرانية في سوريا، اطلق الايرانيون نحو 30 صاروخ – اربعة منها فقط وصلت الى الاراضي الاسرائيلية واعترضتها القبة الحديدية.

دود وحسن طروادية

حتى لو كانت اسرائيل لا تأخذ المسؤولية عن اي تصفية في اي مكان في العالم فان لتصفية علماء النووي الايرانيين المنسوبة لاسرائيل يمكن ان نسميها “عقيدة داغان” على اسم رئيس الموساد الراحل مئير داغان الذي يرى رئيس الموساد الحالي يوسي كوهن نفسه كتلميذه ومواصل  دربه. في ندوة لذكرى داغان عقدت في 2017 وصف كوهن تلك العقيدة فقال: “لقد آمن داغان بانه يمكن العمل على الاستراتيجيات عبر سياق متواصل من الاعمال التكتيكية. فقد آمن بقوة العمليات المركزة لخلق كتلة تصبح مصممة للواقع. كانت حالات اعترف فيها داغان بنفسه بانه لا يعرف كيف يحدد بالضبط خطا واحدا يربط سلسلة العمليات الصغيرة. ولكنه آمن بانه طالما كان لديك اتجاه عمل واضح، فان سلسلة العمليات الموضعية ستحرك الواقع في الاتجاه الصحيح”.  

مبدأ آخر لداغان والذي يبدو أن كوهن تبناه ايضا هو: “بهذه العقيدة توجد قيمة كبرى اذا ما تمت الاعمال الهجومية في ارض  العدو.

في نظرة الى الوراء، فان سلسلة العمليات المركزة التي تحدث عنها داغان تتضمن، حسب المنشورات، ضرب المصانع التي تعمل في العالم على انتاج العناصر للبرنامج النووي الايراني، ضرب المنظومة المالية التي تخدمه، ضرب مصانع الصواريخ ومنشآت تخصيب اليورانيوم على الارض الايرانية وغيرها. والى جانب هذا – ضرب مديري المشروع النووي والعلماء. لا يمكن لاي عملية كهذه ان توقف وحدها السباق نحو النووي، ولكن بالمجمل تؤدي الى تأخير وضرب القدرة الايرانية على الوصول الى النووي العسكري.

بالمناسبة كان لداغان كرئيس للموساد خلاف جوهري مع رئيس الوزراء نتنياهو حول طريقة وقف النووي الايراني. في بداية العقد السابق، عندما تحدثت القيادة السياسية عن ضربة عسكرية في ايران، ادعى داغان بان مثل هذه الضربة ستجبي ثمنا لا يطاق من اسرائيل. وقال اعطوني المليارات، وانا سأكسب لكم بين سنتين واربع سنوات في تأخير المشروع. وسيكون هذا اقل كلفة واقل خطر بكثير.

وقد كان محقا. فليس لدى الايرانيين بعد قدرة عسكرية نووية، رغم التوقعات القاتمة التي تحدثت عن قنبلة ايرانية منذ 2010.

وتحليل عمليات البنى التحتية النووية في ايران كفيل بان يشير الى الصعوبة في شلها لزمن طويل من خلال عملية عسكرية. يوجد اليوم في ايران 11 مركز يرتبط بالمشروع النووي. اثنان منها في قم وفي نتناز – تحت ارضيين. والجهة الوحيدة القادرة على أن تنفذ، من اليوم الى الغد، تدميرا متناسقا لمعظم مراكز النووي هي قيادة اوروبا في الجيش الامريكي. في بداية العقد، كانت منشآت النووي هشة اكثر، ولهذا كان يمكن ليس فقط للامريكيين بل ولجهات اخرى ان تضربها بنجاعة. ولكن في عامي 2012 – 2013، في ضوء الجدال العلني في اسرائيل عن خيار الهجوم في ايران، دفن الايرانيون جزءا من المنشآت في باطن الارض، احاطوها ببطاريات صواريخ أرض – جو وجعلوها مواقع محصنة. اما الادارة الاساس المتبقية في يد اسرائيل فهي العمليات السرية.

منذ تسلم داغان منصبه في 2002، عندما تلقى من رئيس  الوزراء اريئيل شارون المسؤولية عن الموضوع النووي الايراني، استغرقه ثلاثة – أربع سنوات كي يبني بنية تحتية تخدم عقيدته. وكانت هذه استثمارات كبرى، تتواصل حتى يومنا هذا. فليس فقط تفعيل طواقم تصفية، منسوبة للموساد، بل وايضا بناء قدرات استخبارية وبنى تحتية في دول الهدف.

في 2007 بدأت تنشر انباء عن تفجيرات خفية في منشآت النووي في ايران. في كانون الثاني من تلك السنة علم عن عالم كان يعمل في منشأة لتحويل اليورانيوم لاصفهان وقتل بالسم. ولكن الموجة الكبرى كانت بين 2010 و 2012. وحسب المنشورات، في تلك الفترة صفي أربعة علماء نووي آخرين. كما نشر في حينه عن دودة “ستاكسنت” التي شلت منظومة حواسيب اجهزة الطرد المركزي وعن ادخال “حصان طروادة” لعدة منشآت نووية.

يبدو أنه بالتوازي مع بناء بنية تحتية لتنفيذ عمليات هجومية توثق ايضا التعاون في المجال مع وكالات استخبارية صديقة. سير جون سويرس، رئيس وكالة الاستخبارات البريطانية M16 تباهى في مقابلة صحفية بان وكلا بريطانيين أيضا ضربوا البرامج النووية الإيرانية.

انهى داغان مهام منصبه في 2011، وتواصلت سلسلة الاحداث في ايران بسنة أخرى على الأقل. وعندها في 2013 توقفت فجأة موجة الاغتيالات للعلماء الإيرانيين. والخلفية على ما يبدو كانت بدء الاتصالات بين الولايات المتحدة وايران والتي انتهت بالتوقيع على الاتفاق النووي في 2015. في 2018 خرجت إدارة ترامب من الاتفاق النووي وفي 2019 عادت ايران لتهدد بتحطيم القيود التي فرضت عليها في الاتفاق. وفي نهاية تلك السنة استأنفت السباق نحو القنبلة. فمن غير المفاجيء  إذن انه في منتصف 2020 عادت التقارير عن عمليات قامت بها جهات خفية في ايران. في حزيران وقع انفجار في منشأة للصواريخ في حجر، وفي تموز انفجرت منشأة لانتاج أجهزة طرد مركزي في نتناز. وفي آب صفي في طهران رقم 2 في القاعدة، وفي تشرين الثاني صفي فخري زادة. وهكذا انهار العامود الفقري الثاني – بعد قاسم سليماني – والذي اعتمدت عليهه سياسة الردع والامن القومي الإيراني.

ليس “قنبلة موقوتة”

¬برأي خبراء في الغرب فان تأثير تصفية فخري زادة على استمرار المشروع النووي رمزي فقط. ولكن اذا عادت ايران الى كامل برنامج السلاح – أي بناء الرأس المتفجر النووي – فانه سيكون ملموسا جدا غياب الرجل بسبب قدراته وخبراته في المجال. يبدو أن أحدا ما توصل الى الاستنتاج بان الإيرانيين يستغلون تجميد الاتفاق النووي كي يستأنفوا السباق نحو القنبلة وينبغي تذكيرهم قبل أن يدخل بايدن الى البيت الأبيض ويبدأ بالاتصالات على استئناف الاتفاق النووي.

عقيدة داغان يمكنها أن تنجح فقط اذا ابقيت سرا. والاغتيال هو مسألة إشكالية في دولة ديمقراطية. في إسرائيل يتحدثون بشكل عام عن احباط مركز فقط في سياق “القنبلة الموقوتة”. معقول الافتراض بان علماء النووي الإيرانيين لا يدخلون ضمن هذا التعريف القانوني. وتصفية بؤر المعرفة تأتي بشكل عام للردع، بضرب المعنويات، لزرع الحرج في محافل الامن ولازالة عقول إبداعية عن الطريق. ولكن العالم يعرف كيف  يقدر القوة ويحترم  الاعمال الجريئة والذكية. ولا تزال عملية عنتيبة رمزا تجاريا دوليا. كما ان النجاح العملياتي يبرز  كون إسرائيل  ذخر  لحلفائها – ولا سيما الولايات المتحدة.  

وبالمقابل تثور معاضل مثل “اذا كنت اصفي عالما فلماذا لا اصفي وزير دفاع يعطيه الأوامر او الزعيم  الروحي؟ اين  الحدود؟ اذا صفيت خصما في دولة صديقة وامسك بك  – فانك تعرض للخطر  العلاقات الدبلوماسية. وبخلاف ضرب المنشآت أو البنى التحتية، فان تصفية شخص  ما تدعو الى الثأر. وعندما تكون هذه شخصية رسمية  فهذه إهانة للنظاتم الذي لم ينجح في  حمايتها. يحتمل أيضا ان يكون داغان آمن بان تلك العمليات الموضعية المتواصلة التي  نسبت لإسرائيل، ستضعف النظام  امام جمهوره. وهذا هو السبب الذي يجعل النظام الإيراني يتوعد بعملية ثأر.  

كان يمكن لانعدام العنوان الواضح ان يسمح للايرانيين بالامتناع عن الرد. فليس لهم من يدينوه. والى هنا يدخل التبجح حتى وان كان بالتلميح من جانب رئيس  الوزراء. وهذا يكفي للايرانيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى