يديعوت: الدور الأمريكي ليس تعليمات من فوق بل تواجد عميق على الأرض
يديعوت 2/11/2025، ميخائيل ميلشتاين: الدور الأمريكي ليس تعليمات من فوق بل تواجد عميق على الأرض
الخطاب العاصف الذي يدور في الأسابيع الأخيرة عن تحول إسرائيل الى “دولة مرعية” للولايات المتحدة ينسي التاريخ المليء بالتدخلات والكبحات التي فرضتها واشنطن بما فيها: الامر باخلاء القطاع وسيناء في نهاية حرب السويس، الدفع لانهاء حربي يوم الغفران ولبنان الأولى، احباط الرد الإسرائيلي ضد العراق في حرب الخليج الأولى، اجبار إسرائيل على اجراء انتخابات في المناطق وشرقي القدس بمشاركة حماس في 2006، ومرات عديدة كبحت فيها الإدارة الامريكية البناء في المستوطنات والضم في الضفة، بما في ذلك ترامب – في 2020 ومرة أخرى مؤخرا.
لكن للتدخل الأمريكي اليوم يوجد جانب غير مسبوق. فواشنطن لا تعمل فقط كشرطي حركة سير تبدل بين الضوء الأخضر والضوء الأحمر امام إسرائيل. فهي توجد عميقا في تصميم الواقع في الساحة الفلسطينية. صحيح أن الحديث يدور حتى الان على الأقل، عن إدارة من بعيد بواسطة فريق صغير (مركز التنسيق المدني – العسكري الذي أقيم في كريات جات) فلا يزال الهدف الطموح هو الاستبدال التدريجي للهيمنة الإسرائيلية في غزة: بداية في المستوى المدني، ولاحقا – في مجالات أخرى بما في ذلك ما يتعلق بالامن.
لقد علقت إسرائيل في هذا الواقع كثير التحديات بفضل إصرارها على عدم البحث في اليوم التالي، خلق عدد لا يحصى من الخيالات، التمسك بالمفهوم الذي يقول انه “في كل سيناريو ترامب سيقف الى جانبنا”، والاستناد الى استخدام القوة العسكرية كبوصلة استراتيجية. وقد بلغ الامر ذروته في الهجوم على قطر، الذي مثلما يشهد مسؤولون كبار في الإدارة كان انعطافة أدت الى انهاء الحرب، لكن بعكس ما خطط له نتنياهو: في ظل اكراه من واشنطن التي تخوفت من فقدان التفكر الإسرائيلي فيما يبقي القطريون على مكانتهم الدولية.
كثيرون في إسرائيل يصرون على الا يعترفوا بالشكل الذي انتهت فيه الحرب والا يفهموا كيف تتصرف الولايات المتحدة في الحدث. ترامب، فانس، ويتكوف وكوشنر يقولون هذا بوضوح في المقابلات وفي الخطابات في الأسبوعين الأخيرين: واشنطن فرضت على إسرائيل انهاء الحرب، وهي تطالب إسرائيل بان تتلقى الاذن على كل خطوة عسكرية أو سياسية في القطاع، والإدارة هي التي تقرر اذا كان وقف النار سائد. غير مرة في ظل اظهار المرونة تجاه الخروقات، مثل الاحداث التي قتل فيها ثلاثة جنود من الجيش الإسرائيلي او تأخير في إعادة المخطوفين الموتى.
ولتحلية القرص تهندس في إسرائيل سردية منافسة تستحق التفكير والتشكيك فيها: ان وقف اطلاق النار لم يفرض علينا، ان إسرائيل والولايات المتحدة منسقتان تماما (عمليا ترامب فاجأ عندما تبنى رد حماس على خطة الـ 21 نقطة، رغم أنه لم يتضمن تعهدا بنزع السلاح)، ان الاتفاق تحقق بعد “الهجوم الناجح” في قطر الذي ضغط على حماس للمرونة، والذي اثبت بان الضغط العسكري ينجح.
مثلما هو الحال دوما، يفضل النظر مباشرة الى المرآة وقول الحقيقة حتى لو كانت معقدة: إسرائيل ليست دولة مرعية والتعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة محفوظ (مثلما وجد تعبيرا بارزا له في الحرب الأخيرة ضد ايران). لكن مجال عملها محدود بالنسبة للماضي، فهي لا يمكنها أن تعود الى القتال “اذا قررت فقط”، وترامب هو الجهة المسيطرة في القرارات بالنسبة لغزة. إضافة الى ذلك فان وقف النار هش وسيبقى على ما يبدو يترافق واحتكاكات، لكن اذا ما اصر ترامب على وجوده، فمعقول أن يتحقق سيناريو يقوم على بضع اساسات: إقامة حكم فلسطيني بديل لحماس، حل وسط وبموجبه ينزع بعض سلاح المنظمة وبالتوازي تسعى لان توجد مثل حزب الله في لبنان (حفظ نفوذ في غير اطار الحكم)، تواجد دولي رمزي يتركز على الرقابة، كل هذا بينما مسائل استمرار الانسحاب الإسرائيلي وتنفيذ الاعمار ستحسم بموجب إرادة وتفسير ترامب.
في الوضع المتشكل، على إسرائيل ان تركز على اهداف قابلة للتحقيق في المدى المنظور للعيان: إعادة كل المخطوفين الموتى، حفظ حرية العمل ضد كل تهديد ينشأ في القطاع وفقا لـ “النموذج اللبناني” الذي اتبع منذ وقف النار في الشمال، إقامة جهاز رقابة على طريق الادخال والتوزيع للمساعدات الإنسانية ولاحقا على إجراءات الاعمار كي لا تتسرب الى حماس. إضافة الى ذلك يجب تقييد الدور القطري والتركي في غزة، وتشجيع دور السعودية واتحاد الامارات، حفظ حق الفيتو على تركيبة الحكم المستقبلي في غزة والمطالبة بنظام رقابة فاعل بقيادة الولايات المتحدة في مجال فيلادلفيا ومعبر رفح منعا للتهريبات الى القطاع.
لاجل تحقيق هذه الأهداف ولاجل ان يتاح ممارسة ضغط فاعل على حماس، تستوجب ثقة عميقة بين إسرائيل وواشنطن وباقي اللاعبين الخارجيين المشاركين في تصميم غزة، بمن فيهم العرب، ومن الموصى به أن تطور إسرائيل لغة سياسية وليس فقط تهديدات باستخدام القوة. هذا الامر سيتطلب مثلا خطاب عن مكان السلطة الفلسطينية في اليوم التالي للقطاع. كما من الموصى به أيضا التقليل من تطوير خيالات تحرف الاهتمام وتبذر المقدرات، ابتداء من فكرة تنمية “نوعين من غزة” (مزدهرة وخربة)، مواصلة الأوهام حول العشائر كبديل لحماس، وغيرها من الآمال لضم في الضفة، سبق لترامب ان صدها بحزم.
ان الاستناد الى الامل بانه سيكون ممكنا العودة قريبا الى حرب قوية، في ظل احتلال غزة أو قسم منها، يجعل من الصعب على حكومة إسرائيل ان تحل لغز التغييرات الدراماتيكية المتشكلة، والفهم بان بوسعها تحقيق إنجازات حتى وان لم تكن مثالية، لكنها تشكل أهون الشرور، مقارنة ببدائل احتلال كل غزة في الوقت الحالي، معركة استنزاف طويلة أو نشوء نموذج من الفوضى الصومالية. ان الديماغوجية، التمسك بالاوهام والاستخفاف بالعلاقات مع العالم، مثلما وجدت تعبيرها مرات عديدة في الحرب، لا تلحق فقط اضرارا جسيمة بل تمنع تحقيق الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل وحتى تفرض قواعد لعب تتعارض معها.



