ترجمات عبرية

يديعوت احرونوت: رأس المال الوطني الخفي لإسرائيل

يديعوت احرونوت – يوسي كوهين – 14/12/2025 رأس المال الوطني الخفي لإسرائيل

لقد درج جهاز الامن على الحديث عن ثلاثة اركان كلاسيكية: التفوق التكنولوجي، والاستخبارات عالية الجودة، واحتياطيات القوى البشرية. ولكن هناك ركن رابع – خفي، لا يُقاس، ولكنه حاسم – بدونه تفقد الأركان الثلاثة الأخرى قيمتها: التفوق القيمي. في إسرائيل، لا يُعد التفوق القيمي فكرة فلسفية مجردة، بل هو قائم على واقع ملموس: فالقيم التي بُنيت هنا تحت نيران الحرب، على مر الأجيال، هي مورد وطني مُثبت. هذا هو رأس مالنا الوطني الأعمق: مزيج من الرسالة، والضمان المتبادل، والاستعداد لدفع ثمن باهظ من أجل مستقبل مشترك، والقدرة على إعادة التجنيد حتى بعد شرخ وطني.

من يملك رأس المال هذا؟ ليس المقاتلون فحسب، بل العائلات التي دفعت الثمن الأغلى أيضاً. في منظمة أرامل وأيتام الجيش الإسرائيلي، ألتقي بعائلات من مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي. يجمعهم قاسم مشترك واحد: الإنسانية والأخلاق. هذه الصفة تتجلى أيضاً في الجيل القادم. تحدث الحكماء عن “حق الأجداد”، وهو مفهوم يصف كيف تستمر أفعال وقيم الأجيال السابقة في التأثير على الجيل القادم وتوجيهه. في عيون الأطفال، أرى حزناً عميقاً، وفراغاً هائلاً، ولكن أيضاً حضوراً هادئاً لوالدٍ ترك لهم درباً وقيماً.

في عائلتي أيضًا، حلّت المأساة بلا رحمة. ففي الحملة الأخيرة وعلى مرّ السنين، فقدتُ ابن عمي ميخائيل (ميتشي) مارك، وثلاثة من أبناء عمومتي من الدرجة الثانية: إلحانان كليمينزون، وشلومي، وبيديا مارك. والحقيقة المؤلمة هي أنه لا يكاد يوجد بيت في إسرائيل إلا وقد خلّف فيه الفقدان فراغًا كبيرًا. هذا الواقع – الشخصي والوطني – لا يسمح لي بالوقوف مكتوف الأيدي. بل يُلزمني بتسخير كل أداة ومورد متاح لي، حتى لا تذهب وفاتهم سدىً، بل تُصبح عنصرًا من عناصر المعنى والمسؤولية والحياة.

خطر التآكل الداخلي

في مفهوم استراتيجي مُعتمد، يُعدّ “رأس المال” موردًا يمنح الدولة الصمود والقدرة العملياتية. فالصناعة الدفاعية تُحقق التفوق التكنولوجي، والاستخباراتية تُحقق التفوق المعرفي، وتدريب المقاتلين يُحقق التفوق العسكري. وتمتلك العائلات الثكلى ما يُتيح وجود كل هذا – الشرعية الأخلاقية والوطنية. ومنهم ينبع الشعور بالمعنى الذي يُتيح لنا الصمود أمام الاختبارات التي تستسلم لها الأمم الأخرى. تستمد الدول القوية قوتها من جيشها. تمتلك دولة إسرائيل جيشًا وقيمًا، لكن القيم هي ما يدعم الجيش.

وهنا يبرز سؤال الخدمة العسكرية. لا يُناقش “قانون التجنيد” آلية متفق عليها أو قسرية، بل هو سؤال جوهري يتعلق بالأمن القومي؛ هل ثمة قاسم مشترك من القيم ينبع منه الاستعداد للدفاع عن الوطن؟ الجيش ليس مجرد إطار تدريبي، بل هو ثمرة ثقة ومصير مشترك. عندما تُنظر إلى الخدمة كعبء يقع على عاتق قلة قليلة، لا تكمن المشكلة في العدد، بل في تآكل شرعية القيم التي تتمتع بها عائلات الشهداء. رأس المال القيمي الوطني، الذي وُلد من الفقد والألم، يتطلب نظام خدمة عادلًا وملائمًا، قائمًا على مبدأ واحد: يجب تقاسم المهمة الوطنية. وإلا، فإنه يفقد قوته ويصبح مصدرًا للخلاف يُلحق الضرر بالنسيج الإسرائيلي.

يُعلمنا التاريخ أن الدول لا تنهار بسبب عدو خارجي، بل نتيجة للتآكل الداخلي. تفكك الثقة، وتراجع الحافز للخدمة، وسخرية الرأي العام، وغياب الشعور بمعنى مشترك. عندما يضعف تماسك القيم، حتى أقوى الأنظمة تفقد قدرتها على العمل. لذلك، بدون دعم مستمر للأسر – التي تُشكل أساس هذا التماسك – يصبح تآكل القيم شبه مؤكد.

تدرك الأسر الحرب لا كعنوان في صحيفة، بل كواقع من واقع الحياة. ينظرون إليها من جديد كل يوم، وعليهم أن يختاروا الوقوف في وجهها. إنهم بمثابة جسر حي بين جيل المدافعين والجيل القادم، يُشيرون إلينا إلى نقطة التحول، وهنا تقع على عاتقنا مسؤولية وضع نقاط قوة أمامهم، وتعزيزها على الأقل كما تُعزز هي الوطن بأكمله.

وقود القيمة

عندما تستثمر الدولة في الأسر الثكلى، فإنها لا تقوم بمبادرة اجتماعية فحسب، بل تبني آلية استمرارية وطنية. ففي مجال الاستخبارات، يكمن الاستثمار في القدرة على استشراف المستقبل؛ وفي الصناعات الدفاعية، في القدرة على الاستجابة السريعة؛ وفي الاقتصاد، في الاستقرار. وفي الأسر الثكلى، يكمن وقود القيمة الذي يمكّن المجتمع من مواصلة الكفاح من أجل بقائه. إنه استثمار يُؤتي ثماره ليس فقط من الناحية الأخلاقية، بل من ناحية المستقبل أيضًا.

إن سيادة القيم ليست ترفًا، بل هي جزء لا يتجزأ من العقيدة الدفاعية ومكون أساسي من مكونات الصمود الوطني. فالأسر الثكلى هي البنية التحتية للقيم التي يقوم عليها وجود دولة إسرائيل. والاستثمار فيها استثمار استراتيجي طويل الأجل يقع في صميم الآلية التي تُمكّن الدولة من مواصلة مواجهة أي تحدٍ.

في المستقبل، لن يقتصر الصراع على الحدود المادية فحسب، بل سيشمل حدود المعنى أيضًا. ولن يُحسم الصراع في ساحة المعركة أو في التكنولوجيا فحسب، بل في قدرتنا على الحفاظ على رأس المال القيمي. كل من يفهم الأمن القومي يدرك أن هناك موارد قابلة للقياس، وموارد أخرى لا ينبغي إهدارها. تنتمي الأسر الثكلى إلى الفئة الثانية، فهي رصيد استراتيجي يجب على الدولة حمايته.

تُلقي التوراة على عاتقنا واجبًا أخلاقيًا لحماية الأرملة واليتيم، ليس من باب الإحسان فحسب، بل باعتباره ركنًا أساسيًا من أركان هويتنا. لا تدعو التوراة إلى الرحمة، بل تُطالب بالعدالة؛ عدالة تنظر مباشرةً إلى مواضع الألم التي أحدثتها الحياة. في سفر التثنية، نقرأ: “يحكم لليتيم والأرملة”. عندما يفقد الإنسان حماية أسرته الطبيعية، تصبح السماء نفسها سندًا له.

في هذا العهد الرقيق بين الله واليتيم والأرملة، تكمن حقيقة عظيمة عن طبيعة المجتمع. فالمجتمع الذي يسعى إلى العدالة الحقيقية يُقاس بمدى تعامله مع من فقدوا سندهم. ومن هذه الوصية تنبع مسؤولية اجتماعية عميقة والتزام بأن نكون حصنًا منيعًا للأسر. هناك، لا تُختبر إنسانيتنا فحسب، بل قوتنا أيضًا. القدرة على إعادة بناء توازنات مجتمع مُصلَح، مما يجعلنا لا أحد أقوى جيوش العالم فحسب، بل شعبًا مُرتبطًا بعهد أبدي.

على الرغم من الدمار والخسائر والنزاعات، لدينا بوصلة أخلاقية، لا تتأثر بكل هذا. دفاعنا عن العائلات هو النور الذي يبقى مُضاءً لهم. في عيد الأنوار هذا، يتجلى هذا الأمر أكثر من أي وقت مضى: بفضل هذه العائلات، يُضيء هنا نورٌ دائم، يُساند بلدًا بأكمله ويمنحه القوة للاستمرار شامخًا.


مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى