يديعوت احرونوت: خطر الغرور حيال الضعف الايراني

يديعوت احرونوت 13/10/2024، د. راز تسيمت*: خطر الغرور حيال الضعف الايراني
في التطورات الدراماتيكية في الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة يوجد ما يذكر باقوال حاكم الاتحاد السوفياتي الاسبق فلاديمير لينين في أنه توجد عقود لا يحصل فيها شيء وتوجد أيام تصمم عقود كاملة. فالهزة التي ألمت بالمنطقة، وبخاصة المحور الشيعي، غير مسبوقة في شدتها، على الأقل منذ احداث الربيع العربي في بداية العقد الماضي. ومع ذلك، من السابق لاوانه التقدير اذا كانت هذه التطورات ستترك اثرا شديدا على الشرق الأوسط مثل جزء من التحولات التي وقعت في المنطقة في اعقاب الربيع العربي أم ستبقى كملاحظة هامشية في المواجهة المتواصلة منذ اكثر من أربعة عقود بين إسرائيل وايران ووكلائها.
الواضح منذ الان هو أن مفهوم الامن الإيراني تعرض لضربات ذات مغزى في اعقاب الإنجازات العسكرية والأمنية الأخيرة لإسرائيل حيال المحور المؤيد لإيران وعلى رأسه حزب الله، الذراع الاستراتيجي المركزي للجمهورية الإسلامية لتحقيق أهدافها في المنطقة. عنصران مركزيان في المفهوم الإيراني سيستوجبان من طهران تقديرا متجددا: نجاعة قدراتها العسكرية الاستراتيجية ومفهوم الوكلاء.
تغيير عقيدة النووي
ان تعاظم قوة ايران في العقود الأخيرة بمنظومات عسكرية استراتيجية، بما فيها الصواريخ الباليستية والمُسيرات، أتاح لها تعويض ضعفها التقليدي. فضلا عن ذلك، فان التحسينات التي ظهرت في الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل في بداية شهر أكتوبر، مقارنة بالهجوم في نيسان، شهدت على مسيرة استخلاص دروس ومثلت قدراتها الباليستية. في هذه المرحلة، ليس واضحا بعد كيف ستتطور جولة الضربات الحالية بين ايران وإسرائيل، والمتعلقة بمزايا الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني وبتداعياته. في كل حال، مشكوك أن تكون لدى ايران القدرة على توفير رد ناجع على التفوق الجوي والاستخباري لإسرائيل في الدفاع وفي الهجوم وفرض معادلة جديدة عليها، تردعها من مواصلة اعمالها ضد ايران والمحور الشيعي.
لن يكون مفاجئا إذن انه رغم الرضى الظاهر من جانب القيادة السياسية والأمنية الإيرانية من نتائج الهجوم على إسرائيل، استؤنف في الأيام الأخيرة الحديث الداخلي في ايران حول الحاجة لتحسين قدرة الردع حيال إسرائيل، بما في ذلك من خلال تغيير عقيدة النووي. في الأيام الأخيرة بعث بضع عشرات من أعضاء البرلمان الإيرانيين بكتاب رسمي الى المجلس الأعلى للامن القومي بدعوة لتغيير عقيدة الدفاع للجمهورية الإسلامية بالنسبة لبرنامجها النووي. كما أن حسن خميني، حفيد مؤسس الثورة الإسلامية والمتماثل مع دوائر إصلاحية إيرانية ادعى في مقابلة مع التلفزيون الإيراني بان على ايران ان تحسن ردعها العسكري حيال إسرائيل في ظل التلميح بتزود محتمل بسلاح نووي. إضافة الى ذلك، فان مفهوم الوكلاء الذي طورته ايران على مدى السنين يقف امام تحد غير مسبوق. فالحرب في غزة وفر لها فرصة هامة أولى لان تفعل بقدر كبير من النجاح استراتيجية وحدة الساحات حيال إسرائيل. ومع ذلك، هذا لم ينجح في ان يفرض على إسرائيل وقف النار، ووكلاؤها الاقليميون – وعلى رأسهم حماس وحزب الله – تعرضوا منذ بداية المعركة لاثمان باهظة.
ايران تهتم بايران
فضلا عن ذلك، عادت احداث الأسابيع الأخيرة لتثبت بانه من ناحية طهران، فان المحور الشيعي يستهدف ان يخدم أولا وقبل كل شيء مصالح إيراني. فالتزام ايران بالمحور بقي بقدر كبير محدودا. كما أن تصفية زعيم حماس إسماعيل هنية ومسؤول حزب الله إبراهيم عقيل وهجمة البيجر في لبنان لم تدفع ايران لان تتدخل بشكل مباشر في المعركة. فقط تصفية حسن نصرالله وقائد الحرس الثوري في لبنان الزمتا في نهاية الامر القيادة في طهران ان ترد – هذا، بعد أن توصلت الى الاستنتاج بان ليس فقط قدرة الردع الإيرانية حيال إسرائيل تضررت بقدر كبير بل وأيضا مكانتها الإقليمية. فالتحفظ المتعاظم من غياب الرد الإيراني في أوساط قاعدة التأييد للنظام الإسلامي في داخل ايران وفي المنطقة أوضح للقيادة في طهران بان استمرار سياستها من شأنه أن يشكك بالمباديء الأساس للجمهورية الإسلامية وفي أساسها الالتزام بحلفائها الإقليميين، وعلى مدى الزمن حتى باستقرارها.
وعلى الرغم من ذلك، ففي الهجوم الإيراني على إسرائيل أيضا ليس هناك ما يغير حقيقة انها تواصل بقدر كبير النظر الى التآكل المتواصل والسريع لربيباتها في لبنان وفي غزة دون أن تجند كامل قدراتها من اجل انقاذهم. في هذا الواقع من الصعب ألا نتذكر الادعاءات التي اطلقها مسؤولون إيرانيون كبار بعد نشوب الحرب في أوكرانيا، حول انعدام قدرة حلفاء الولايات المتحدة على الاعتماد عليها عند الحاجة. بعد وقت قصير من غزة روسيا لاوكرانيا اعلن زعيم ايران خامينئي بان على الحكومات المدعومة من الولايات المتحدة ان تتعلم الدرس من تجربة أوكرانيا وأفغانستان اللتين تركتهما الولايات المتحدة. صحيفة “ايهان” المحافظة شبهت حتى سلوك الولايات المتحدة والغرب الذين بزعمها خانوا حلفائهم، بسلوك ايران والحرس الثوري. فقد قالت الصحيفة انه “لم يأتِ أي جنرال او ضابط من الناتو او البنتاغون لمساعدة أوكرانيا”، بخلاف الحرس الثوري الذي وقف الى جانب حلفائه ولم يتركهم حتى في الأيام الأصعب.
تآكل الوكلاء
في هذه المرحلة من السابق لاوانه التقدير اذا كانت التحديات التي تقف امام مفهوم الامن الإيراني ستشجعها على السعي الى وقف نار حتى بثمن القطع بين ساحتي غزة ولبنان ام تواصل جهودها لجر إسرائيل لحرب استنزاف متواصلة متعددة الساحات. بكل الأحوال، بالذات على خلفية نجاحات إسرائيل ومظاهر ضعف ايران ووكلائها، يجدر الامتناع عن الغرور الطموح الذي يقوم على أساس الاماني. فبعد نشوب الربيع العربي كان هناك من سارعوا الى تأبين الدولة القومية العربية، بينما آخرون علقوا امالهم على ازدهار الديمقراطية في العالم العربي المتجدد. لكن الدولة القومية لم تختفي رغم انهيار بعض من الدول العربية، والديمقراطية لم تحتل مكان أنظمة الحكم المطلق التي انهارت. اليوم أيضا هناك من يعلق الامال على قيام شرق أوسط جديد على أساس تفكك المحور الشيعي وربما حتى انهيار الجمهورية الإسلامية.
الانصات للايرانيين
ايران كفيلة بان تستصعب ترميم قدرات المحور الذي تقوده في المنطقة في نهاية الحرب. مع ذلك، فان دعمها وتدخلها في الشرق الأوسط العربي لم يبدآ بعد الثورة الإسلامية، ومشكوك جدا أن ينتهيا في نهاية الحرب في غزة وفي لبنان. فجذور علاقات ايران مع الطائفة الشيعية في لبنان تعود لمئات السنين الى الوراء ومظاهرة منظومة العلاقات هذه بدت واضحة جيدا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما تبنى جهاز الاستخبارات والامن الإيراني الملكي “سافاخ” “الخطة الخضراء” التي ركزت على توسيع النفوذ الإيراني في لبنان وتوثيق العلاقات مع الطائفة الشيعية.
كما أن الامل بانهيار النظام الإيراني من شأنه ان يكون سابقا لاوانه. خير يفعل السياسيون والمحللون في إسرائيل اذا لم يعلقوا امالهم على التصريحات المتفائلة لابن الشاه المخلوع، رضا بهلوي الذي عاد واعلن في الأيام الأخيرة بانه مستعد لان يقود مرحلة الانتقال الى الديمقراطية في ايران. في هذه الأيام العاصفة أيضا يجدر بنا أن نتذكر تعقيدات المجتمع الإيراني والانصات لاصوات الكثيرين في ايران بمن فيهم أيضا منتقدون حادون للنظام ممن يحذرون بان هجوما إسرائيليا في بلادهم وبخاصة ضد البنى التحتية المدنية من شأنه أن يؤدي الى تجند الجمهور الإيراني حول العلم وتعزيز وحدة الصف الداخلية للنظام في المدى القصير على الأقل.
مهما يكن من امر، فان آثار الاحداث الأخيرة متعلقة بقدر كبير بالقدرة على ترجمة إسرائيل لانجازاتها العسكرية والأمنية الهامة للدفع قدما بسياقات إقليمية، في مركزها انهاء الحرب في غزة، تسوية سياسية في الشمال، استئناف مسيرة التطبيع مع السعودية وترميم الثقة مع الإدارة الامريكية. هذه فقط يمكنها ان تضمن ان تتمكن إنجازات إسرائيل المبهرة من ان تشكل أساسا اوليا لاعادة تصميم الواقع الإقليمي، حتى وان لم يكن شرق أوسط جديد. مثل هذا الواقع لن يحيد بالضرورة بشكل مطلق ايران ونفوذها لكنه كفيل بان يقلص بقدر واضح قدرتها على ضعفة استقرار المنطقة وتعريض الامن القومي الإسرائيلي للخطر. بالذات في ضوء نجاحات إسرائيل، من الأفضل الامتناع عن التطلعات الزائدة والاماني التي من شأنها أن تجرها الى حرب استنزاف متواصلة تحق إنجازاتها وتخدم المحور الراديكالي بقيادة ايران.
*د. راز تسيمت باحث كبير وخبير في الشؤون الإيرانية في معهد بحوث الامن القومي ومركز ايليانس للدراسات الإيرانية في جامعة تل أبيب