يديعوت احرونوت: حرب 7 أكتوبر أنشأت مفاهيم مغلوطة تشكل تهديدا وجوديا على الحلم الصهيوني

يديعوت احرونوت 8/10/2024، ميخائيل ميلشتاين*: حرب 7 أكتوبر أنشأت مفاهيم مغلوطة تشكل تهديدا وجوديا جديدا على الحلم الصهيوني
من الصعب اجمال حرب ما لم تنتهي بعد وليس واضحا ليس ستتطور. فقد بدأت المعركة الحالية بصدمة كالصدمة في 1973 (بل واشد منها)، حملت مزايا حرب 1967 في اعقاب النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل وبخاصة في الشهر الأخير، لكن مع مرور الوقت باتت تشبه أكثر فأكثر حرب الاستنزاف.
مع انها ليست أطول حروب إسرائيل (التحرير والاستنزاف كانتا أطول) ولا الأكثر فتكا بينها (وان كان 7 أكتوبر اليوم الأكثر دموية في تاريخ النزاع)، لكنها بلا شك اكثر هزا: فقد نشبت بمفاجأة تامة وفي جبهة لم تكن تعتبر كتهديد فوري، ضعضعة إحساس التفوق الاستراتيجي والفكر القومي الذي يقضي بانه انقطعت العلاقة بتاريخ المحارق اليهودية ورفعت من أرضية الوعي الجماعي ذاكرة الانقراض في ضوء المذبحة الجماعية، الخراب واخلاء البلدات والاجتياح لاراضينا.
لم يكن أي جديد أو مفاجيء في المعركة الحالية. عن خطة الهجوم لحماس كان معروفا من قبل (المشكلة نبعت من الإستخفاف بقوة العدو)، ولحرب متعددة الساحات ضد معسكر المقاومة استعدت إسرائيل منذ بضع سنوات، وان كانت افترضت دوما بانها ستنشأ بدينامية لا يمكن السيطرة عليها وليس في اعقاب هجوم مفاجيء. عمليا، نشأت المواجهة الأعنف في أي مرة بين إسرائيل وحماس وحزب الله والاحتكاك المباشر الأول مع طهران.
بعد سنة لا يزال لا يمكن الحديث عن “شرق أوسط جديد” بالمعنى الذي تقصده إسرائيل. في غزة وبقدر اقل من ذلك في لبنان، الجغرافيا والديمغرافيا تغيرتا: غزة تقلصت ديمغرافيا بنحو 8 في المئة (الأغلبية فرت)، شهدت دمارا غير مسبوق، تفتقد للبنى التحتية للعيش المدني ومعظم سكانها يتجمعون في مساحة صغيرة. في لبنان يبرز تدمير قرى الجنوب ومليون لاجيء تدفقوا الى بيروت وشمال الدولة. ولكن حماس وحزب الله اللذين تضررا بشدة بالبعد العسكري، بقيا، يحافظان على قوتهما على المستوى المدني والسياسي ولا يمكن تأبينهما.
ايران التي شعرت هذه السنة بان رؤياها الاستراتيجية لافناء إسرائيل ولاعادة تصميم المنطقة بقيادتها تتحقق، شهدت هزة في الشهر الأخير، واساسا عقب الضربة “لوكيلها” المركزي. لكن بالنسبة لها أيضا لا ينبغي المبالغة بالنشوة. لطهران قوى كثيرة. وهي تسعى لترميم معسكر المقاومة، وتواظب في التقديم لتثبيت قوة نووية. كل هذا بما ان في الخلفية يقف عالم عربي ضعيف، خائف ومنقسم، بعيد عن أن يكون أساسا لتحالف إقليمي جديد، مثلما درج على وصفه في الخطاب الإسرائيلي.
7 أكتوبر نفض عن إسرائيل مفاهيم كثيرة وعلى رأسها تلك التي نبعت من الجهل في ثقافة “الاخر” وتطبيق منطقنا (الغربي) عليه. فالايمان بان حماس مردوعة وتركز على تطوير حكمها وبالتالي يمكن تطويعها بواسطة “جزر اقتصادي” هذا، الى جانب فرضيات المستوى السياسي بانه يمكن التقدم في التطبيع دون الانشغال في الموضوع الفلسطيني، مواصلة إدارة النزاع بلا حسم، وانه يوجد في إسرائيل تفوق تكنولوجي وردع تجاه عموم اعدائها. بالمقابل تضعضعت أيضا الفرضية السائدة والتي تقول ان الاحتلال هو جذر كل شر، التفسير الذي من الصعب الاعتماد عليه في ضوء العداء اللاذع والمتجذر الذي انكشف في مذبحة 7 أكتوبر.
ولكن حقيقة ان المسؤولين عن قصور 7 أكتوبر يواصلون تصميم الحاضر والمستقبل ولا يجرى تحقيق جدي وإسرائيل تركز على إنجازات عسكرية لكنها تمتنع عن بلورة استراتيجية أدت الى ولادة مفاهيم جديدة: “النصر المطلق” (الذي من غير الواضح متى، كيف وهل سيتحقق)، عقيدة تقويض حماس دون بقاء دائم في الأراضي التي احتلت، خيالات حكم العشائر، الحلم بنشر قوات عربية في غزة او اقناع السنوار لمغادرة غزة مثل عرفات في بيروت 1982، الفرضية التي تقول ان مزيدا من القوة سيؤدي الى تخفيف حدة مواقف حماس في المفاوضات على الصفقة، وفوق كل شيء – الايمان بالقدرة على إعادة تصميم شرق اوسط جديد وطيب قريبا. كل هذه تطرح علامة استفهام هل بالفعل تحسنت قراءة إسرائيل لمحيطها.
إسرائيل مطالبة بلجم الجنون الذي ألم بها، أي الحركة التي تراوح بين الخوف الوجودي وسكرة الاحاسيس، التي تترافق وذاك الاحتقار الذي كان عشية 7 أكتوبر وينطوي مثلا على القول السائد “عبثا اخفنا انفسنا من حزب الله”. على إسرائيل أن تكون واعية وتفهم بان عدويها الأساسيين حماس وحزب الله – مضروبين بشدة لكن غير قابلين للفناء. مطلوب فرض تسوية في غزة وفي لبنان يبقي على القضاء على التهديدات، يسمح بعودة المخطوفين والسكان الى بيوتهم، الى جانب قدرة تدخل في كل لحظة ضد عدو أيديولوجي مرير يواصل التمسك بابادة إسرائيل والعمل في ضوء رؤيا مسيحانية. بهذه الطريقة، تتمكن إسرائيل من التركيز على التهديد المركزي عليها – ايران الهدف الذي لا تتيحه حروب الاستنزاف الكثيرة.
في المجال القريب، اثبتت الحرب أهمية البحث والحسم في المسألة الفلسطينية والصعوبة للدفع قدما برؤيا حول شرق جديد دون معالجة جذرية للموضوع. لقد خلقت المواجهة في أوساط معظم الإسرائيليين استنتاجين جماعيين يوجد بينهما توتر. الأول – انه حقا لا توجد قدرة على عيش جماعتين اهليتين مختلفتين ثقافيا ومعاديتين في ذات الكياه بلا فاصل مادي وان وضعا كهذا معناه سيناريو بلقاني، وبالمقابل – ان الفلسطينيين ليسوا ناضجين للحرية وان الاستقلال التام لهم معناه تهديدات وجودية، مثلما جسد مشروع الجهاد الذي دفع قدما به في غزة منذ فك الارتباط في 2005.
ان رؤيا الصهيونية مطالبة بالتعقيدات، ضمن أمور أخرى في ضوء حقيقة انه لا يوجد عنوان مستقر وجدي حاليا لقرارات تاريخية حاسمة في الجانب الفلسطيني، فما بالك حساب نفس او قبول إسرائيل كحقيقة قائمة. إسرائيل ستكون مطالبة بان تفحص كيف يمكنها أن تدفع قدما بفصل مادي بين الجماعتين الاهليتين، حتى من طرف واحد دون أن ينطوي الامر على تهديد وجودي، الامر الذي يفترض مثلا الحفاظ على سيطرة على مدى الزمن على بوابات الكيان الفلسطيني الى العالم (غور الأردن وفيلادلفيا). هذه ليست وصفة مؤكدة لاستقرار كامل، فما بالك لتعايش وسلام، لكن في ضوء البدائل الأخرى وعلى رأسها الحكم المباشر على الفلسطينيين ودولة واحدة (يلوح كأهون الشرور).
*د. ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية – مركز ديان جامعة تل أبيب