يديعوت احرونوت: الرابط الضروري بين الإنجازات العسكرية والانعطافات الواسعة، غير موجود

يديعوت احرونوت 30/10/2024، ميخائيل ميلشتاين: الرابط الضروري بين الإنجازات العسكرية والانعطافات الواسعة، غير موجود
سلسلة النجاحات العسكرية المدوية في الشهرين الأخيرين، وعلى رأسها تصفية نصرالله والسنوار، الى جانب المواجهة المتعاظمة مع ايران دحرت الانشغال في فجوتين جوهريتين ترتبطان الواحدة بالاخرى: غياب تحقيق معمق او جذور قصور 7 أكتوبر، وغياب استراتيجية مرتبة في إدارة الحرب. حين لا يوجد تعلم معمق لاخطاء الماضي وتطوير بوصلة استراتيجية يتم التحرك في ضوئها، تغرق إسرائيل في معركة استنزاف كثيرة الشعارات، لكن عديمة الأهداف القابلة للتحقق وبعد زمني واضح، وبلا شفافية وحوار بين القيادة والجمهور.
ان غياب التحقيق يضمن بقاء بقايا المفهوم المغلوط الذي ولد 7 أكتوبر وخلق مفاهيم مغلوطة جديدة تنبت على خلفية مواضع خلل لم يتم استيضاحها. باستثناء تحقيقات عسكرية موضعية، لم يحلل بعمق المفهوم والسياسة اللذين اتبعا تجاه غزة في السنوات ما قبل الحرب، وعلى رأسها التسوية الاقتصادية ولم يفحص لماذا عانى سياسيون، رؤساء منظومات الامن ورجال الاستخبارات من تشويهات فكرة عنيدة تجاه حماس ولماذا وجد تفكر جماعي ولم تطرح أراء أخرى في المنظومة.
وهكذا، نشأ وضع هاذٍ كان فيه معظم المسؤولين عن قصور 7 أكتوبر – من المستوى السياسي والأمني معا هم الذين يصممون السياسة في السنة الماضية، والتي تواصل كونها مليئة بالاخطاء. من خلال الخطوات العسكرية الناجحة في الشهرين الأخيرين، التي لا جدال في قيمتها – تحاول تلك المحافل إياها اصلاح الصورة العليلة في ظل ابراز الإنجازات وطمس ذكرى الفشل الذريع قبل اكثر من سنة بقليل.
الخطاب حول غياب التحقيق توقف من خلال الحجة في أنه “في وقت الحرب (التي لا ترى نهايتها) لا يجري تحقيق”. الخطاب حول غياب الاستراتيجية يصطدم بسخرية فظة في أن الاصطلاح يعبر عن انهزامية وفكرة مضادة للنصر المطلق. في هذا الإطار، زعم من جهة بان الإنجازات العسكرية هي الاستراتيجية او تعرض رؤيا بعيدة المدى، في الغالب منقطعة عن الواقع، تتضمن أهدافا مثل نزع تطرف غزة، إبادة حماس، نظام جديد في لبنان، ضعضعة النظام في ايران، “قطع محور الشر” وإقامة شرق أوسط جديد.
الطابق الاستراتيجي الذي هو الخيط الرابط الضروري بين الإنجازات العسكرية والانعطافات الواسعة، غير موجود. هذا وضع لا يطاق يعبر عن عدم التعلم من مواضع الخلل ما قبل 7 أكتوبر ويستوجب من الجمهور الغفير، وبخاصة رجال الاكاديميا والاعلام، الامتناع عن ان يسيروا أسري وراء شخصيات إشكالية وان يطرحوا أسئلة ثاقبة.
الحملة الحالية في شمال القطاع تعكس عموم مواضع الخلل. فإسرائيل تشرح بان هذا ليس تنفيذا “لخطة الجنرالات” او تمهيد التربة لتجديد الاستيطان في المنطقة، لكن في المقابل لا يشرح أيضا كيف يدفع الامر قدما بهزيمة حماس، فما بالك بتحرير المخطوفين – ويبدو أنه بالأساس يعرضهم للخطر. في الخلفية يجري الحديث عن شركات أمريكية خاصة ستأخذ المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية في المناطق التي “تطهر” من حماس، الاصطلاح الذي هو بحد ذاته غير محدد كي كيف ومتى سيتحقق، وهل هو واقعي.
وهكذا ينعكس إصرار إسرائيلي على تكرار التجربة الامريكية الفاشلة في العراق. في 2003 انطلقت الولايات المتحدة لاعادة خلق شرق أوسط، ديمقراطي ومستقل وإعادة تصميم وعي أبناء المنطقة وعلى الطريق استعانت بشركات مرتزقة. واليوم تطل من الخطاب الإسرائيلي خيالات برائحة أمريكية لنظام جديد يقوم على أساس “فقاعات” نقية وإدارة القطاع من خلال معلمين وشرطة من العالم العربي.
إسرائيل تضرب اعداءها بشدة لكنها ملزمة بان تفهم بان “الى الابد سيأكل السيف” ليست خطة عمل. صحيح أن هذا مبدأ وجودي في الشرق الأوسط (ينسى أحيانا) لكن لا يمكنه أن يحل محل جدول اعمال قومي واع. على إسرائيل أن تفهم انه لا يمكن إبادة العدو، وبمعقولية عالية أيضا حمله على رفع علم أبيض.
في الشمال وفي الجنوب من المهم تصميم الواقع، لكن أيضا أن نكون واقعيين، وان نختار الأقل سوءً من بين كل البدائل الإشكالية. في غزة – التي إسرائيل غير معنية باحتلالها بالكامل، في ظل التواجد واخذ المسؤولية، ينبغي أن تفكر بتسوية تسمح بتحرير المخطوفين حتى بثمن انسحاب إقليمي من المنطقة المدمرة التي لم تعد حماس تهدد مها مثلما في 7 أكتوبر. اما استمرار السياسة الحالية فلا تؤدي الى هزيمة حماس فما بالك تطوير بديل إيجابي، وبدلا من هذا تتثبت حرب استنزاف تعرض حياة المخطوفين للخطر. في لبنان مطلوب تعميق الضربة لحزب الله، لكن الفهم أيضا بانه بعد الضربة الأولية، تبدأ المنظمة بإعادة تأهيل ذاتها وتثبت حرب استنزاف. في هذه الساحة أيضا نوصي بالامتناع عن التلويح بهدف “إبادة العدو”، وكذا “النظام الجديد” موضع شك. سيتعين على إسرائيل أن تحدد متى استكملت أهدافها العسكرية ونضج الوقت للتسوية – من موقع تفوق استراتيجي وبعد إزالة تهديدات ستتيح عودة سكان الشمال الى بيوتهم – الى جانب ضمان حرية عمل اذا ما وعندما يلحظ استئناف التهديدات (سيناريو معقول جدا).
ان اغلاق معركتي الاستنزاف بعد تحييد التهديدات، فرض تسويات مريحة لإسرائيل وترميم الردع التي تضرر في 7 أكتوبر ستسمح بالتركيز على ساحتين تحتاجان الى معالجة معمقة: ايران التي حتى بعد الضربات التي تعرضت لها، وعلى رأسها الضربة لحزب الله، ستواصل الدفع قدما بتهديدات متعددة الابعاد على إسرائيل وفي اقرب وقت ممكن البرنامج النووي، والضفة – التي تستوجب بحثا جماهيريا واعيا حول الواقع المركب الذي ينشأ في المنطقة، الى جانب قرارات تاريخية. بدون تغيير سلم الأولويات بهذا الشكل سيتثبت واقع الاستنزافت، سيتعاظم التهديد من جانب طهران ولن تفتح بوابات العالم العربي امام إسرائيل.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook