ترجمات عبرية

يديعوت احرونوت: الحقيقة مقابل الوهم

يديعوت احرونوت – ميخائيل ميلشتاين – 21/9/2025 الحقيقة مقابل الوهم

الرياضيات تحولت في الأشهر الأخيرة لتصبح أحد العوائق الأصعب في طريق الإسرائيليين لفهم الواقع بشكل دقيق. فوفقا للحسابات الرياضية، الحرب في غزة انتهت عالميا وليس فقط بل وبحسم للمعركة مع حماس. فقد سيطر الجيش الإسرائيلي على اكثر من 70 في المئة من أراضي القطاع، صفي 90 في المئة من نشطاء حماس، بما في ذلك الأغلبية الساحقة من زعماء وقادة حماس، 22 من اصل 24 كتيبة حماس فككت، ترسانة الصواريخ للمنظمة دمرت تماما تقريبا، ويتحقق تدفق هاديء للغزيين من القطاع. 

عمليا، بعد نصف سنة من القرار بالعودة الى القتال (في 18 اذار) لا تزال إسرائيل توجد في فجوة عن الهدفين المركزيين اللذين حددتهما – حسم حماس وتحرير مخطوفين. بعد سنتين من تلقي المنظمة اقصى الضربات في تاريخها تواصل لتبقى الجهة السائدة في غزة والتي تحكم المجال الجماهيري والعسكري. فهي تخلق قتالا في كل المناطق، بما في ذلك تلك التي اعلن فيها انها هُزمت (والدليل: الإصابات القاسية لقواتنا في رفح، بيت حانون وخانيونس)، تواصل تجنيد النشطاء وتعيين القادة بدلا من أولئك الذين صفوا، لا ينمو بديل للمنظمة ولا مؤشرات على الانكسار، المرونة او الاستسلام مثلما وعدنا. 

هذا وغيره، في النصف سنة الأخيرة علقت إسرائيل في احدى نقاط الدرك الأسفل الاستراتيجية الخطيرة منذ 7 أكتوبر. في الأسبوع القادم سيبلغ هذا الميل الذروة في ضوء تكتل بضعة عوامل سلبية: عزلة دولية متعاظمة في اعقاب الحرب في غزة، تسونامي سياسي بمستويات اعتراف عالمي واسع بدولة فلسطينية في اثناء الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومس متزايد بعلاقات إسرائيل بالعالم العربي من شأنه ان يتطور الى ازمة غير مسبوقة اذا تقرر الدفع قدما بخطوات ضم كرد على الاعتراف بدولة فلسطينية.  

في ضوء الواقع المحبط تتعاظم الحاجة لعرض آمال تتحول الى أوهام، وهذه يسوقها مقررو السياسة ويكررها الناس، الاعلام والاكاديميا. للمحاولة القديمة واليائسة بهدف الاثبات بان “مزيدا من القوة سيؤدي في النهاية الى كسر حماس”، وانه يمكن “هزيمة حماس وتحرير مخطوفين في آن معا”، وانه يمكن اجبار المنظمة على نزع سلاحها (تعبيرا عن سوء فهم حماس او عدم الرغبة في انهاء القتال) تضاف في النصف سنة الأخيرة – التي تلوح كفصل هو الأكثر مرارة في الحرب – خيالات جديدة. 

وهذه يروج لها كثيرا الى أن أصبحت حقائق في الخطاب الإسرائيلي: “تتقدم الاتصالات مع دول (مجهولة) لاستيعاب جموع الغزيين”؛ “توجد جهات عربية توافق على الحكم في غزة في اليوم التالي” (ويشار أساسا الى اسم اتحاد الامارات)؛ “العشائر في غزة تترسخ كبديل لحماس” (يحتمل أن تكون هذه هي الجهة “التي ليست حماس وليست عباس” التي يتحدث عنها نتنياهو)؛ وكذا “يمكن القيام بخطوات ضم “حذرة” في يهودا والسامرة بخاصة في غور الأردن دون التعريض للخطر فرص السلام مع العالم العربي، وعلى رأسها مبادرات إبراهيم”. 

لا يهم كم مرة يثبت أن هذه الاقوال تقوم على اساسات واهية من الحقائق او تفتقر الى الأساس على الاطلاق (مثلا إعلانات دول مثل البانيا تقول “التقارير” انها ستستوعب غزيين ولكنها انباء ملفقة او الكشف عن ان “شركاء” مثل عصابة أبو الشباب هم مجرمون يتماثل بعضهم مع داعش او كان مشاركا في الإرهاب)، خلق هذه الانباء وتسويقها سيستمر وسيكون هناك امنيون سابقون سيروجون لها واغلبية الجمهور ذي الذاكرة القصيرة سيقبل بها كـ “حقائق”. بالطريقة ذاتها تعرض أيضا على الجمهور أفكار أيديولوجية مغلفة بمبررات استراتيجية لاجل تسويقها بسهولة اكبر، مثل “استيطان يكبح الإرهاب” و “العرب لا يفهمون الا بعد ان تؤخذ منهم الأرض”، 

في ضوء غياب قسم الحقائق في الخطاب الإسرائيلي، يوجد للجمهور وبخاصة لوسائل الاعلام، دور مركزي. وباستثناء محافل تنشر بشكل مغرض وانطلاقا من فكر ما رسائل واضح لهم انفسهم بانها غير صحيحة او تأتي “من فوق” كل من يتبقى ملزمون بان يجسدوا بانهم خريجو 7 أكتوبر: التشكيك في كل قول وبالتأكيد حين يأتي ممن خلقوا المفهوم السابق المغلوط لم يحققوا مع انفسهم ويكررون الأخطاء ذاتها في ظل حفظ تشويهات فكرية قديمة وخلق جديدة. 

لقد كان خطاب “سوبر اسبرطة” باعثا على الاكتئاب. لكنه على الأقل عكس بصدق للجمهور الرؤيا المستقبلية للقيادة في إسرائيل. بشكل مشابه مطلوب الايضاح، بلا إعلانات هاذية حول “واحة العقارات” ومساكن الشرطة على شاطيء بحر غزة، ما ينتظرنا قريبا حقا: قتال عسير في مدينة غزة، تكون فيها يد الجيش الإسرائيلي هي العليا لكنها ستعرض للخطر حياة المخطوفين، تعمق عزلة إسرائيل وتستوج فرض حكم عسكري في ظل توفير احتياجات جموع الفلسطينيين والبقاء لفترة زمنية غير محدودة في القطاع. إضافة الى ذلك نوصي ان تكشف اذا كانت القيادة حتى دون فحص ما هو موقف اغلبية الجمهور لتغيير صورة إسرائيل من خلال ضم مناطق في يهودا والسامرة. 

الى جانب الجبهات السبعة التي تتصدى لها إسرائيل منذ 7 أكتوبر، تجري جبهة ثامنة، خفية عن العيان. هذه جبهة بلا عدو، كون الحديث يدور عن بحث إسرائيلي داخلي شرعي حتى وان كان ثاقبا، لكن مع حدث عظيم الأهمية: الاستيضاح العميق للحقيقة، الإشارة الى الفجوات ومطالبة القيادة كل الوقت حتى لو كانت هذه مهمة عابثة أجوبة واضحة عن الرؤيا، الاستراتيجية والاثمان الى جانب طلب التحقيق العميق لقصورات الماضي. في الواقع الحالي، مثل هذا السلوك ليس انهزاميا بل تعبير اصيل عن الوطنية وهذا هو السبيل الوحيد لاصلاح أخطاء الماضي التي لا تختفي. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى