ترجمات عبرية

يديعوت احرونوت: أيلول الاسود

يديعوت احرونوت – آفي كالو  – 31/7/2025 أيلول الاسود

الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون حقق لنفسه اسم سياسي متوسط للغاية. نظيره الأمريكي ترامب، المعروف باسلوبه الفظ قضى منذ زمن ليس ببعيد بان “ماكرون لا يفهم شيئا في المواضيع الدولية”. فالمهازل الكثيرة التي وقع عليها الرئيس الفرنسي ليست شيئا جديدا، لكن يخيل مع ذلك ان ماكرون أيضا يعرف كيف يحطم الرقم القياسي الذي حققه هو نفسه مع بيان قصر الاليزيه عن نية فرنسا الاعتراف بدولة فلسطينية. هذه خطوة امتنع عنها رؤساء فرنسا انطلاقا من الرغبة في عدم المس بالوضع الراهن والفهم بان اعلانا كهذا يتناقض ومباديء القانون الدولي، مكان لا يرتفع فيه الفلسطينيون لتعريفهم كدولة. 

فضلا عن حقيقة أن شيئا طيبا لا ينتظر الفلسطينيين بعد الإعلان البائس المرتقب، يخيل أن مواقف ماكرون بالنسبة لإسرائيل تفقد الصلة بالواقع. من الخطوة الفرنسية لابعاد الصناعات الأمنية الإسرائيلية عن الصالون الجوي في باريس بشكل يجسد حتى تفوقها التكنولوجي المعلن على الصناعات الفرنسية؛ عبر اللاسامية المتصاعدة والحاجة لـلتماهي مع القاعدة الإسلامية المصاعدة في الدولة؛ وحتى الخطوة المذكورة الاخذة في الانضاج في باريس منذ فترة طويلة. 

مسيرة السخافة الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطينية في اجتماع الأمم المتحدة في شهر أيلول تشبه كلما مر الوقت تعبير أيلول الأسود. عبر الكوة التي فتحها ماكرون يدخل سلسلة زعماء أوروبيين (مستشار المانيا يتحفظ) يدعون الى الاعتراف بدولة فلسطينية، خطوة تشهد على الضحالة الفكرية والثقافية للاوروبيين بالنسبة للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. فاقامة كيان سياسي على حدودنا بعد فظائع 7 أكتوبر، ليس فقط لا تدفع قدما بحل النزاع بل تأخذه الى الوراء ولا تتعاطى مع الواقع. عصر حماس في القطاع الذي انتهى (حاليا) بإحدى الكوارث الأمنية الاخطير التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، الى جانب تحديات الإرهاب والحوكمة في السلطة الفلسطينية في يهودا والسامرة كل هذه تشهد كم هم الفلسطينيون غير ناضجين لان يأخذوا على أنفسهم عبء الاستقلال السياسي بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى. يكفي التقدير الحذر بان أبو مازن لن يعيش الى الابد، حدث بحد ذاته يستوجب زمنا لصالح استقرار “الساحة الفلسطينية”، لنستوعب بان الاعتراف لن يدفع قدما باي شيء. 

لكن المسؤولية عن القصور لا تتوقف في باريس ولندن، بل تمتد في خط مباشر الى القدس. الحكومة التي تعاني من شلل استراتيجي عميق حطمت هي الأخرى ارقامها السياسية مع قضم منهاجي ومتواصل في شرعية استخدام القوة في غزة في اعقاب الرفض العضال للانشغال باليوم التالي والانجرار الى أزمة إنسانية حادة في القطاع، تلحق ضررا جسيما بإسرائيل. ان حقيقة أن نتنياهو آخذ بالاستسلام لرؤيا مسيحانية – متطرفة لاقامة موضع آباء واجداد في غزة لا تسمح بعرض أي بديل سياسي للنزاع، وتبقي الفراغ بمبادرات عليلة من زعماء مثل ماكرون. الاعتراف بدولة فلسطينية، حتى لو لم يكن له قيمة عملية كبيرة في هذه المرحلة يصعد الى درجة فشل استراتيجي إسرائيلي ذريع من الدرجة الأولى اضراره بعيدة المدى من السابق لاوانه قياسه. 

في سلوكها الاهمالي تدفع الحكومة الأوروبيين للبحث عن “حلول سريعة” لنزاع مشحون يعود الى 150 سنة، نهايته ليست قريبة. لكن حتى التوقعات في أوساط دوائر في أوروبا، التي تحملها موجات كراهية متصاعدة لإسرائيل، فان الحل السريع ليس واقعيا واللقاء مع الواقع سيكون أليما. الان بالذات توجد امام إسرائيل فرصة لتصميم النزاع، لكن بما يشبه ما يقال عن الفلسطينيين على مدى السنين: الحكومة الحالية لن تفوت فرصة لتفويت الفرصة.

يمكن استباق المتأخر والتقدير بان حكومة نتنياهو السادسة ستخلف وراءها جوج وماجوج مثابة كابوس سياسي، اداري واستراتيجي من الدرجة الأولى، يستوجب الأفضل لاصلاح الخسوف. كما أن الموضوع الفلسطيني مثل سلسلة طويلة من التحديات الاجتماعية، الاقتصادية، الأمنية والسياسية سيضطر لان يقف على عتبة حاملة الطائرات السياسية التي تبعد إسرائيل عن صدام فوضوي للجبل الجليدي – قبل لحظة من ان يكون الأوان قد فات. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى