يديعوت أحرونوت: احتلال على الورق

يديعوت احرونوت – آفي كالو – 13/8/2025 احتلال على الورق
روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي الذي روج لحرب عابثة في فيتنام والتي كلفت حياة عشرات الاف الجنود الأمريكيين، مئات الاف المصابين النفسيين واكثر من 1500 مفقود لم يعثر عليهم حتى الان، ندم حتى يومه الأخير على خطيئة الغرور إياها. في كتاب كتبه بعد 30 سنة قضى مكنمارا ضمن أمور أخرى بان إدارة ليندون جونسون لم تعقل لتنصت الى هواجس الجمهور والاعتراضات في الكونغرس التي كانت مثابة “حكمة جماعية” هي الإشارة الأفضل للفشل الدامي المرتقب.
حكومة الأقلية الأكثر تطرفا في تاريخنا ورئيسها يسيرون في طريق التاريخ الأمريكي الدامي في فيتنام بينما يعملون بخلاف تام مع الرأي العام، بلا اغلبية في الكنيست مع ارتفاع دراماتيكي في الخطر على المخطوفين نظرا لتوسيع القتال، مع انهاك جسيم في أهلية قوات الاحتياط مما يمس بالاهلية العملياتية للجيش للقتال في ساحات إضافية، وعلى الرغم من المعارضة القاطعة لرئيس الأركان الذي يبدي شجاعة في مواقفه امام الحكومة التي قررت “السيطرة” (وهو اصطلاح مغسول بحد ذاته) على مدينة غزة.
لكن هنا لا تتوقف الاثمان الباهظة التي تنطوي عليها الخطوة. فالاسرة الدولية والمدنية تعارضها منذ الان، في الولايات المتحدة الرأي العام ينفر من هذا الموضوع فيما أن الحزب الديمقراطي يعمق المشاعر المناهضة لإسرائيل الامر الذي لا بد سندفع عليه اثمانا باهظة في المستقبل؛ المانيا، مصدرة السلاح الأهم لإسرائيل، تنظر منذ الان في حظر سلاح؛ ورئيس الوزراء نتنياهو يتساذج على عادته في الكابنت وكأنه لا توجد نية لاحتلال القطاع بل “فقط طرد حماس”، رغم إيضاحات المستشارة القانونية والنائبة العسكرية العامة بان خطوة كهذه ستفرض على إسرائيل حسب تعليمات القانون الدولي واجبات ثقيلة الوزن ترتقي الى حد الحكم العسكري والمسؤولية عن السكان بأكثر من مليوني نسمة، امنيا، سياسيا واقتصاديا. هذا، فيما أنه سنوات على سنوات عملت حكومة إسرائيل بحذر وبحكمة في ظل الاعتراف بقيود القوة، لكن يخيل انه من ناحية نتنياهو، بعده الطوفان والى الجحيم بالدولة.
من أجل بقائه السياسي فان رئيس الوزراء نتنياهو مستعد لان يضحي بلباب الامن القومي لدولة إسرائيل، وفيه تأييد الولايات المتحدة وحفظ حرية عمل الجيش الإسرائيلي، مثلما في البقايا الأخيرة للتأييد الدولي بعد فظائع 7 أكتوبر. وتنال الأمور سندا إضافيا اذا انتبهنا الى التقدير المعقول بانه مثل رسائله المتضاربة لعائلات المخطوفين عن صفقة قريبة تبددت على نحو عجيب برمشة عين – هكذا يخادع رئيس الوزراء نتنياهو شركائه المتطرفين – المسيحانيين في ائتلاف الأقلية فيما يتجه فقط وحصريا لاحتلال على الورق. في صالح تلاعباته السياسية، والتي هي مثابة بقائه كايمان له، فان نتنياهو مستعد لان يواصل ويلعب لعبة الدم الغزية والتركيز على حد تعريفه على “تجريد معاقل حماس في مدينة غزة” – خطوة طموحة، منفعتها في شك، ستجبي ثمنا باهظا – وعندها ستوقف، بعموم اضرارها المتراكمة.
في الأشهر التي ستمر حتى يحقق نتنياهو أهدافه السياسية، ستصبح إسرائيل منبوذة في العالم. اللاسامية ستحطم ارقامها القياسية ذاتها، عقوبات علينا ستصبح نمطا سائدا وخبراء في القانون الدولي سيفحصون بجدية اذا كان أساسا لادعاءات بشأن جرائم حرب بل وبشبهات اخطر. كل واحدة من هذه، بحد ذاته أيضا يشكل ضررا هائلا وبعيد المدى لنا كاسرائيليين وللدولة، بعد كثير من اخلاء نتنياهو لكرسيه.
مع هذا المهر المتمثل بابادة القيمة وأثمان هائلة على المستوى الدولي يمكن لرئيس الوزراء ان يعود الى أصحابه المتطرفين على أمل أن يتجاوز الدورة الشتوية وينهي أيام الحكومة في ظل تواصل تآكل سمعتنا في العالم، ضرر للاقتصاد، للجمهور، لمتحملي عبء الخدمة العسكرية، للمخطوفين، للديمقراطية ولكل ما يرتبط بالخير الذي بني هنا بكد عظيم جدا.
ان التوقع بان يكبح حراس العتبة وحدهم الكارثة التي تدق ابوابنا في شكل استمرار نزيف المعركة في القطاع – ليس واقعيا. على الجمهور والقطاع التجاري ان يتحدوا لفحص بدائل تضيق على خطى الحكومة، الى أن يمر الغضب – وخير ان هكذا، الى أن تأتي انتخابات تصرف من حياتنا الحادثة التاريخية التي تسمى حكومة نتنياهو السادسة.



