#شؤون إسرائيلية

يحيى عباسي بن أحمد: مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة تحليلية في النص والواقع

يحيى عباسي بن أحمد 4-12-2025: مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة تحليلية في النص والواقع

مقدمة

يستند وجود الكيان الصهيوني إلى ركيزتين:

  1. الشرعية الدينية التوراتية باعتبار الأرض “وعدًا إلهيًا”.
  2. القوة السياسية-الاستعمارية التي تجسدت في دعم دولي مكثّف منذ بدايات القرن العشرين.

في المقابل، يقدم القرآن رؤية مختلفة جذريًا لمستقبل اليهود كجماعة تاريخية ودينية، ولعلاقتهم بالأرض المقدسة، ويفصل بين وعد الهداية ووعد التمكين السياسي.

ومن المقارنة بين النصّين تتشكل صورة دقيقة لمستقبل الكيان: هل هو استمرار للوعد التوراتي؟ أم مرحلة تاريخية عابرة؟ أم فتنة، أم دورة من دورات الصراع؟

أولًا: التوراة والرواية اليهودية لمستقبل الكيان

  1. الوعد التوراتي: الأرض مقابل الطاعة

التوراة تربط الملك والتمكين بشروط واضحة:

«إِنْ سَمِعْتُمْ لِأَحْكَامِي… أُعْطِيكُمْ مَطَرَ أَرْضِكُمْ فِي حِينِهِ» (التثنية 11: 13–14).

«وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا… أُبَدِّدُكُمْ فِي الشُّعُوبِ» (اللاويين 26: 33).

الفكرة المركزية:

الوعد مشروط بالطاعة، والعقاب هو الشتات والضياع.

  1. العودة الثانية في الفكر اليهودي

اليهودية ترى نفسها اليوم في مرحلة “العودة الثانية” بعد السبي البابلي، لكن أغلب المدارس الدينية اليهودية القديمة حرّمت العودة بالقوة قبل مجيء المسيح.

التلمود ينص على “ثلاثة أقسام”:

  • ألّا يصعد اليهود إلى الأرض جماعات بالقوة.
  • ألّا يتمرّدوا على الأمم.
  • ألّا يستعبدهم الآخرون فوق طاقتهم.

إذن:

الكيان الحالي يخالف التصور الديني التقليدي ويُعدّ عودة سياسية-عسكرية لا دينية.

  1. التوراة الجديدة: الصهيونية بدل الدين

الصهيونية أعادت تفسير الوعد:

  • استبدلت “الطاعة” بالقوة العسكرية.
  • واستبدلت “هدف الإله” بهدف الدولة.

لذا، يرى كثير من المفكرين اليهود (كحادام، وإسرائيل شاحاك) أن الكيان يمثل مرحلة قومية سياسية لا علاقة لها بالنبوءات الدينية.

ثانيًا: القرآن وموقع بني إسرائيل في التاريخ

القرآن يقدم رؤية مختلفة جذريًا عن التوراة في نقطتين أساسيتين:

  1. القرآن يعترف بخصوصية بني إسرائيل… لكن لا يمنحهم وعدًا سياسيًا دائمًا

﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾

﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ﴾

هنا يقدم القرآن معيارًا مختلفًا:

التمكين مرتبط بالعدل وعدم الفساد، لا بالهوية العرقية.

القرآن لا ينفي أن بني إسرائيل سكنوا الأرض، لكنه يصف مصيرًا متقلبًا:

﴿وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ…﴾ (الإسراء: 4)

ويحدّد نتيجة الإفساد:

  • أولى: هزيمة، سبْي، تدمير.
  • ثانية: علوّ كبير، ثم زوال بعلوّ غير مسبوق.
  1. العلوّ الأخير: قراءة في الواقع

القرآن يصف المرحلة الأخيرة بصفات دقيقة:

  • “علوًّا كبيرًا” ← تفوق عسكري، اقتصادي، تكنولوجي.
  • “فسادًا” ← ظلم، اغتصاب أرض، قتل، استكبار.
  • “عبادًا لنا” ← قوة أخرى تُفسد علويهم.
  • “جاسوا خلال الديار” ← اختراق، محاصرة، تفكيك.

وبحسب النص، النهاية ليست بالمجاز، بل بسقوط حقيقي:

﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ… لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ… وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾

التتبير في اللغة = التفكيك التام.

ثالثًا: مقارنة منهجية بين النصين حول المستقبل

الموضوع           التوراة   القرآن

طبيعة الوعد     وعد سياسي مشروط بالطاعة      لا وعد سياسي لبني إسرائيل بعد الفساد

العودة   ممكنة دينيًا في إطار الإصلاح       لا عودة في حالة الإفساد والظلم

سبب السقوط   ترك الشريعة       الفساد والعلو والظلم

مستقبل الكيان  مرتبط بالتوبة والعودة للرب        مرتبط بسنن تاريخية وانهيار العلو الأخير

المحرك الأساسي            الهوية الدينية اليهودية    القانون الأخلاقي والعدل

رابعًا: نحو فهم جديد لمستقبل الكيان

  1. الكيان مشروع سياسي لا ديني

كل عناصر قيامه حديثة:

  • الاستعمار البريطاني،
  • القوة العسكرية،
  • دعم النظام العالمي،
  • إعادة تأويل النصوص.

فهو مشروع غربي بغطاء ديني، لا مشروعًا دينيًا بغطاء سياسي.

  1. العلوّ القرآني وصل ذروته
  • تفوق غير مسبوق.
  • احتلال كامل.
  • دعم عالمي.
  • توسع في التكنولوجيا والسلاح.

هذه الذروة نفسها تشير – وفق المفهوم القرآني – إلى بداية الانحدار.

  1. امتداد الصراع: من السياسي إلى الوجودي

الصراع لم يعد نزاعًا حدوديًا، بل صراعًا وجوديًا:

  • الأرض،
  • الهوية،
  • المقدسات،
  • الذاكرة التاريخية.

هذا النوع من الصراع لا يُحسم بالقوة وحدها، بل بالعوامل الحضارية والعدالة التاريخية.

خامسًا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل الكيان

السيناريو 1: التفكك التدريجي (الأرجح تاريخيًا وقرآنيًا)

مؤشرات:

  • انقسام داخلي يهودي (متدينون/علمانيون/شرقيون/أشكناز).
  • تناقص الدعم الغربي بمرور الزمن.
  • تزايد عجز الجيش أمام الحروب طويلة الأمد.
  • تغير ديموغرافي لصالح الفلسطينيين.
  • زعزعة الشرعية الأخلاقية للكيان عالميًا.

السيناريو 2: حرب كبرى تؤدي إلى الانهيار

يشير إليه جزء من التفسير القرآني لسورة الإسراء.

وتدعمه القراءة الجيوسياسية:

  • احتمال مواجهة إقليمية واسعة.
  • دخول قوى جديدة (إيران، لبنان، غزة).
  • ضغط عالمي يمنع استمرار الاحتلال.

السيناريو 3: تحوّل الكيان إلى دولة غير يهودية

إذا استمر النمو الديمغرافي الفلسطيني، فالمآل قد يكون:

  • دولة ثنائية القومية،
  • نهاية الصهيونية كأيديولوجيا،
  • تحول إسرائيل إلى كيان “إسرائيلي” وليس “يهوديًا”.

سادسًا: خلاصة مركّزة

  1. التوراة لا تضمن بقاء الكيان؛ بل تشترط الطاعة والأخلاق، وهو ما لا يتحقق في المشروع الصهيوني.
  2. القرآن يربط وجودهم في الأرض بشرط عدم الفساد، ويؤكد زوال العلو الأخير.
  3. الكيان اليوم يمثل العلو الثاني الأكبر الذي يسبق الانهيار.
  4. الصراع وجودي، والعدالة التاريخية تميل إلى صفّ الفلسطينيين.
  5. المستقبل الأقرب – نصيًا وتاريخيًا – هو أفول المشروع الصهيوني لا استقراره.

مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: دراسة تحليلية في النص والواقع

مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة نصيّة، تاريخية، ووظيفية

ملخص الدراسة

تبحث هذه الدراسة في مستقبل الكيان الصهيوني من خلال تحليل ثنائي يجمع بين النصّ الديني (التوراة والقرآن) والواقع التاريخي السياسي. تُظهر التوراة أن الوعد بالأرض مشروط بالطاعة الأخلاقية، بينما يُظهر القرآن أن تمكين بني إسرائيل مرتبط بالعدل وعدم الفساد، وأن العلوّ الأخير سينتهي بتفكك هيكلي. وتوضح الدراسة كيف أن المشروع الصهيوني الحداثي يمثل انفصالًا عن التفسير التوراتي التقليدي، وأن بنيته الوظيفية في النظام الدولي تجعله عرضة للتحول أو الزوال وفق معطيات متراكمة سياسية وديموغرافية واستراتيجية. تنتهي الدراسة باستنتاج يفيد أن مستقبل الكيان لا يقوم على نبوءة دينية بقدر ما يقوم على معادلات القوة، وأن التحولات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية تعيد رسم موقعه ووظيفته داخل الشرق الأوسط.

الكلمات المفتاحية:

إسرائيل، التوراة، القرآن، الوعد، العلو، الصهيونية، المستقبل، الوظيفة الاستراتيجية.

المقدمة

يُعدّ سؤال مستقبل الكيان الصهيوني من أكثر الأسئلة تعقيدًا وتشابكًا، لأن جذور هذا الكيان تتداخل فيها ثلاثة مستويات:

  1. المستوى اللاهوتي الذي يستند إلى نصوص العهد القديم.
  2. المستوى السياسي-الاستعماري المرتبط بدور القوى الغربية.
  3. المستوى القرآني الذي يقدم قراءة مختلفة لدور بني إسرائيل في التاريخ.

تهدف هذه الدراسة إلى بناء رؤية أكاديمية تجمع النص والتحليل التاريخي، وت compares بين البعدين التوراتي والقرآني. تعتمد الدراسة منهج المقارنة النصية، التحليل التاريخي، ومنهج “القراءة الوظيفية” لفهم موقع الكيان في النظام الدولي.

الفصل الأول: البعد التوراتي – فلسفة الوعد وحدود التوراة

  1. الوعد المشروط في التوراة

ترتبط علاقة بني إسرائيل بالأرض في التوراة بشرط الطاعة:

«إِنْ سَمِعْتُمْ لِأَحْكَامِي… أُعْطِيكُمْ مَطَرَ أَرْضِكُمْ» (التثنية 11) [1].

«وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا… أُبَدِّدُكُمْ فِي الشُّعُوبِ» (اللاويين 26) [2].

التوثيق:

[1] سفر التثنية – الأصحاح الحادي عشر.

[2] سفر اللاويين – الأصحاح السادس والعشرون.

تعليق أكاديمي:

تظهر هذه النصوص أن الوعد ليس أبديًا، بل مرتبط بالسلوك الأخلاقي. وهو ما يخالف خطاب الصهيونية السياسية الحديثة التي تفصل الدين عن الأخلاق، وتحوِّل الوعد إلى “حق عرقي” مطلق.

  1. العودة الثانية ونقد الصهيونية في الفكر اليهودي

يشير التلمود إلى “ثلاثة أقسام” تحظر العودة بالقوة قبل مجيء المسيح [3].

لذا فإن أغلب المدارس اليهودية التقليدية اعتبرت قيام دولة إسرائيل انحرافًا لاهوتيًا.

وقد انتقد كبار المفكرين اليهود المشروع الصهيوني مثل:

  • إسرائيل شاحاك [4].
  • يعقوب رابكين في كتابه “ضد الدولة اليهودية” [5].

التوثيق:

[3] التلمود البابلي، كيتوبوت 111 أ.

[4] Israel Shahak, Jewish Religion, Jewish History.

[5] Yakov Rabkin, A Threat from Within.

الفصل الثاني: البعد القرآني – بين الإفساد والعلو والزوال

  1. معيار التمكين القرآني

القرآن يحدد معيارًا عامًا للتمكين:

﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ﴾ (القصص: 83) [6].

ولا يعطي القرآن وعدًا سياسيًا لبني إسرائيل بعد الإفساد، بل يحصر علاقتهم بالأرض في إطار “السنن التاريخية”.

  1. الإفسادان والعلوّ الأخير

﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ…﴾ (الإسراء: 4) [7].

هذا النص يقدم خريطة زمنية:

  • إفساد أول انتهى بالسبي البابلي.
  • وإفساد ثانٍ عظيم يسبق زوالًا نهائيًا:

﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [8].

التوثيق:

[6] القرآن الكريم – سورة القصص.

[7] القرآن الكريم – سورة الإسراء.

[8] المرجع نفسه.

الفصل الثالث: التفاعل بين العقيدة والوظيفة الاستراتيجية للكيان

  1. الكيان كأداة غربية

تظهر وثائق غربية أن إسرائيل مشروع وظيفي قبل أن تكون مشروعًا دينيًا:

  • وثائق وزارة الخارجية البريطانية (1917) حول “الدور الاستراتيجي لإسرائيل” [9].
  • دراسات RAND الأمريكية حول “فاعلية إسرائيل في مراقبة الشرق الأوسط” [10].
  • تحليل نعوم تشومسكي لدور إسرائيل كـ“شرطي إقليمي” [11].
  1. العقيدة كخطاب تعبوي

الصهيونية تستعمل الدين كرمز، بينما تعتمد على:

  • القوة العسكرية،
  • التفوق التكنولوجي،
  • الدعم الغربي.

التوثيق:

[9] British Foreign Office Archives – 1917.

[10] RAND Corporation Reports – Middle East Stability.

[11] Noam Chomsky, Fateful Triangle.

الفصل الرابع: خرائط زمنية وتحليل مستقبلي

  1. الخريطة التاريخية
  • 70م: تدمير الهيكل.
  • 1897: تأسيس الصهيونية.
  • 1917: بلفور – توظيف سياسي.
  • 1948: قيام الكيان.
  • 1967: توسع إقليمي.
  • 2000–اليوم: تراجع الردع.
  1. سيناريوهات المستقبل

السيناريو 1: التفكك التدريجي

مدعوم بعوامل ديموغرافية وسياسية.

السيناريو 2: حرب كبرى تؤدي إلى الانهيار

يدعمه تحليل الإسراء.

السيناريو 3: الدولة ثنائية القومية

حسب تقارير Foreign Affairs [12].

التوثيق:

[12] Foreign Affairs – Israel’s Demographic Future.

الفصل الخامس: الاستنتاجات

  1. التوراة لا تمنح وعدًا أبديًا بل مشروطًا.
  2. القرآن يقدّم تصورًا سننيًا لا عرقيًا.
  3. المشروع الصهيوني سياسي قبل أن يكون دينيًا.
  4. العلو الحالي يمثل المرحلة الأخيرة قبل التحول.
  5. مؤشرات الواقع تؤكد هشاشة الكيان مستقبليًا.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى