أقلام وأراء

وليد فارس: أميركا تعلن “الإخوان” منظمة إرهابية؟

وليد فارس 26-11-2025: أميركا تعلن “الإخوان” منظمة إرهابية؟

أعلنت وسائل إعلامية أميركية محافظة مؤخراً، وأكدتها الناطقة باسم البيت الأبيض، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سوف يضع جماعة “الإخوان المسلمين” على لوائح الإرهاب الأميركية لأول مرة في التاريخ مع كل النتائج الممكنة. وشكل هذا الخبر محفزاً لنقاش جديد حول الجماعة ولموقف واشنطن منها. وأهم الأسئلة التي سوف تُطرح في الجدل الأميركي السياسي حول “الإخوان” ستدور حول تاريخ العلاقة الإخوانية – الأميركية، تأثير 11 سبتمبر (أيلول)، ما جرى في الجامعات حيالها، موقف إدارتي باراك أوباما و دونالد ترمب، وآلية القرار الجديد ومستقبله وفعاليته.

بشكل عام، مرت العلاقات التاريخية بين واشنطن وتنظيم “الإخوان المسلمين” في المنطقة بمراحل متعددة ومختلفة في محتواها منذ 1928. فالمرحلة الأولى كانت تمر عبر بريطانيا التي غطت إمبراطوريتها معظم مناطق الانتشار “الإخواني” في المنطقة، وتكثف وجود الكوادر القيادية منهم في لندن وجامعاتها، ومن هذه القواعد الأكاديمية البريطانية انتقلت إلى جامعات الولايات المتحدة منذ الستينات. خلال الحرب الباردة، تقاطعت المصالح الأميركية الاستراتيجية مع الإسلاميين العرب ضد الاتحاد السوفياتي، فقام تنسيق بين الاستخبارات المركزية و”الإخوان” بموازاة التحالف بين الإدارات الأميركية والدول العربية المحافظة على مدى عقود. فكان التنسيق الاستخباراتي الأميركي – الإخواني الموجه ضد الشيوعيين النافذة التي دخلت منها الجماعات الإخوانية والإسلامية إلى أميركا بدءاً من دوائر الأبحاث إلى الجامعات منذ أواخر الستينات. هكذا خرقت الجماعة المجتمع الأميركي بنجاح، ولا سيما أن أميركا كانت بحاجة إلى “المجاهدين الأفغان” ضد السوفيات، و”الإخوان” ضد البعث السوري والتقدميين في المنطقة.

أما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في 1991، وعبر مشاركتها في المؤتمر العالمي للحركات الإسلامية الذي نظمه الدكتور حسن الترابي، منظر “التيار الإخواني” في الخرطوم، قررت قيادة الجماعة أن تفتح جبهة اختراق الغرب عامة وأميركا خاصة للتأثير والتحكم بالسياسة الخارجية الأميركية لصالح التيار الإسلامي. والمفارقة أن التيار التكفيري القتالي، وهو أيضاً من إنتاج “الإخوان” أيديولوجياً، قرر منذ مؤتمر الخرطوم أن يوجه ناره مباشرة باتجاه الداخل الأميركي، فقام بعمليات إرهابية في نيويورك في 1993 وضد أهداف أميركية في شرق أفريقيا في 1998، وبعدها ضد الفرقاطة USS Cole وغيرها حتى ضربات 11 سبتمبر 2001، مما أدى إلى ردة فعل أميركية قوية ضد التكفيريين والقاعدة. ولكن استمرت العلاقة الطبيعية مع “الإخوان” حتى 2001 وانطلاقة الحرب على الإرهاب، فبدأت حملة شعبية محافظة ضدهم في أميركا، ولكن إدارتي بوش الأب وكلينتون وحتى إدارة جورج بوش الابن لم تتجاوز الحدود ولم تصنف “الإخوان” كجماعة إرهابية في واشنطن على الرغم من محاولات عديدة للكونغرس.

إلا أن الأمور انقلبت بعد دخول أوباما وفريقه إلى البيت الأبيض، حيث تم دعم الجماعة بقوة وفتح الأبواب أمامها داخل البيروقراطية ودعمها في المنطقة، ووصل ذلك إلى حد دعم مشروع “الإخوان” في قلب الأنظمة لصالحها منذ ما يسمي بـ “الربيع العربي”. إلا أن إدارة أوباما ساندت الجماعة ضد الحكومات العربية المعتدلة في مصر وليبيا وتونس والأردن والخليج حتى 2017. الرئيس ترمب وعد بوضعها على لوائح الإرهاب خلال حملته في 2016، إلا أن اللوبي الإخواني تحالف مع بيروقراطية أوباما ومنعوا إدراجها على اللوائح لأربع سنوات. وتحت إدارة بايدن عادت الشراكة مع الإخوان، وعبرهم جرى تقارب مع “طالبان” وغيرهم في المنطقة. وبالطبع، ورثة الرئيس أوباما منعوا أي إدراج لأربع سنوات إضافية.

أما بوصول ترمب للمرة الثانية إلى البيت الأبيض في بداية العام، فحصل تغيير جزئي في مسألة “الإخوان”. إذ إن المظاهرات المؤيدة لـ “حماس” في طول وعرض الولايات المتحدة أدت إلى انفجار تيار غاضب من جماعات “الوك” المتحالفة مع الإسلاميين في الجامعات والشوارع، وشكل ذلك ضغطاً كبيراً على الإدارة لتتحرك. إضافة إلى ذلك، شكّلت أحداث الساحل السوري صدمة في أوساط المسيحيين الإنجيليين في أميركا الذين طالبوا البيت الأبيض باقتلاع الراديكالية التكفيرية، تبعتها أصوات من القساوسة البروتستانت اعترضت على ما يجري في جنوب نيجيريا. وزادت أحداث أمنية في أوروبا، لا سيما ألمانيا وهولندا وفرنسا وبريطانيا، من غضب الشارع الأوروبي، فوضعت النمسا “الإخوان” على لائحة الإرهاب، وتحرك البرلمان الأوروبي بالاتجاه نفسه، مما شجع إدارة ترمب على إصدار قرار ما بهذا الاتجاه. وما أقنع البيت الأبيض بهكذا تحرك أن دولاً عربية كانت قد وضعت الجماعة على لوائحها منذ سنوات كمصر والسعودية والإمارات والبحرين وشرق ليبيا. أضف إلى ذلك أن روسيا أيضاً منعت نشاطات الجماعة.

قرارات ترمب التنفيذية لم تكن شاملة، ولكن الإدارة في قراراتها لتصنيف “الإخوان المسلمين” سمت فروع مصر والأردن ولبنان ككيانات مستهدفة، وقالت مصادرها إن هذه القرارات هي بداية الغيث. بالطبع هناك أسئلة كثيرة قد طُرحت حول هذه القرارات: هل ستكون شاملة، فعلية، دائمة؟ هل ستطال كيانات أخرى؟ وهل سوف تطبق داخل الولايات المتحدة؟ بعض الولايات باتت الآن في موقع وضع الجماعات على لائحة الإرهاب ضمن حدودها كما فعلت تكساس. والحبل قد يكون على الجرار. ولكن المسألة ستكون طويلة و”المقاومات الإخوانية” عديدة. سنتتبع الملف في مقالات قادمة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى