#أقلام وأراء

وسم الفلسطينيين بالإرهاب لا ينقذ إسرائيل من وسم الأبارتايد

بقلم العميد: أحمد عيسى (المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي) 30-10-2021م

في قراره يوم الجمعة الماضي الموافق 22/10/2021، بإخراج ست منظمات حقوقية فلسطينية عن القانون وتصنيفها كمنظمات إرهابية، أعاد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس من حيث لا يدري مفهوم الأبارتايد إلى مركز الجدل والسجال العالمي في معركة الرواية والوعي الدائرة بين الفلسطينيين وإسرائيل في اللحظة الراهنة، معمقاً بذلك إقتران إسم إسرائيل بالأبارتايد، وموفراً في نفس الوقت قرينة إضافية لا تقبل الدحض على أن إسرائيل هي نظام إجرام وأبارتايد وتفرقة عنصرية، يتوجب على عقابها وعزلها وإسقاطها تماما كما كان مصير نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في مطلع تسعينات القرن الماضي.

المنظمات الست التي صنفها جانتس منظمات إرهابية، هي منظمات مهنية عريقة معروفة فلسطينياً وعالمياً وتحظى تقاريرها، لا سيما تقارير المؤسسات الحقوقية منها كمنظمة الحق والضمير والدفاع عن الأطفال بثقة المؤسسات الدولية الرسمية وغير الرسمية، لا سيما في ما يتعلق بإثبات أن إسرائيل هي دولة أبارتايد عنصرية، إذ إستأنست منظمات كمنظمة بيتسليم الإسرائيلية الحقوقية ومنظمة هيومان رايتس واتش العالمية بتقاريرها في التقارير الأخيرة التي أصدرتها هاتين المنظمتين ووسمت فيها إسرائيل بالعنصرية، علاوة على إستئناس محكمة الجنايات الدولية بتقارير هذه المؤسسات في قرارها القاضي بإعتبار أن المحكمة هي صاحبة الولاية بالنظر في جرائم إسرائيل في مناطق السلطة الفلسطينية أو دولة فلسطينين المحتلة.

ويقيناً كان هدف إخراج هذه المنظمات من دائرة الفعل والتأثير في حرب الرواية والوعي الدائرة بين الفلسطينيين وإسرائيل أحد محركات وأهداف قرار وزير الدفاع جانتس، لا سيما وأن هذا القرار يجسد إستراتيجية رئيس الوزراء نفتالي بينيت القاضية إلى بتقليص الصراع (Shrinking the Conflict) بين الفلسطينيين وإسرائيل إلى الحد الأدنى.     

وقد جائت الإنتقادات وردود الفعل الإسرائيلية والدولية الغاضبة على قرار وزير الدفاع مخيبة لآمال إسرائيل، الأمر الذي يكشف عن حقيقة أنه لم يعد بإمكان الرواية الإسرائيلية الصهيونية الإختباء خلف مفاهيم مثل الإرهاب لتبرير مواصلة إحتلالها لفلسطين وإستمرار تنكيلها بالشعب الفلسطيني، لا سيما وأن إسرائيل هي دولة أبارتايد وتطهير عرقي وفصل عنصري، الأمر الذي يجردها من مصداقية إتهام الآخرين بالإرهاب، خاصة وأن الإرهاب هو أحد مستويات وسمات الأبارتايد.

تجدر الإشارة هنا أنه ربما يكون اللوبي الصهيوني المدافع عن إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية قد نجح خلال العام الماضي في التأثير على كبرى بيوت الإعلام الأمريكية مثل صحيفة واشنطن بوست ونيويورك تايمز بعدم إبراز مفهوم الأربارتايد في تقاريرها عن إسرائيل، إلا أن هذا النجاح قد تبخر ولم يعد بإمكان المدافعين عن إسرائيل التأثير على هذه الصحف في أمريكا بعد قرار وزير الدفاع الإسرائيلي جانتس الأخير.

حيث أجبر قرار جانتس صحيفة نيويورك تايمز على إبراز بيان منظمة بيتسليم الإسرائيلية في تعقيبها على قرار جانتس قبل إبراز بيان الحكومة الإسرائيلية الرسمي، الأمر الذي بحد ذاته لا يخلو من دلالة، حيث ذكر البيان الأول “إن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست كما قدمت نفسها بأنها حكومة تغيير، بل هي إستمرار ومواصلة لنظام الأبارتايد”، فيما ذكر البيان الثاني “حكومة إسرائيل ترفض الإتهام أنها تدير نظام فصل عنصري في الضفة الغربية، بل على العكس تطبق الحكومة إجراءات لتحسين شروط حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

من جهتها منظمة الصوت اليهودي للسلام في أمريكا (JVP) وفي تغريدة لها على تويتر رداً على طلب وزارة الخارجية الأمريكية مزيداً من التوضيح حول قرار جانتس ذكرت “نحن بإمكاننا ان نوضح لك سيد بلينكن، فإسرائيل هي نظام أبارتايد مُستبد ويحاول دائما وبشكل منظم إخفاء هذه الحقيقة لتجنب الإنكشاف بأنها كذلك، الآن وبعد توضيح ذلك لكم فماذا أنت فاعل؟”

وفي سياق متصل يجادل الإعلامي اليهودي الأمريكي المعروف (فيل ويس) في مقالة تحليلية له نشرت بتاريخ 26/10/2021 على موقع موندوويس الأمريكي المشهور، “بأن المدافعين عن إسرائيل  قد دأبوا على وسم حملات نزع الشرعية عن إسرائيل كدولة لليهود باللاسامية، ولكن بات واضحاُ أن هؤلاء إنما يحاولون إخفاء حقيقة أن قراراً مثل قرار وصف منظمات المجتمع المدني الفلسطيني بالإرهاب هو السبب الرئيس المحرك لحملة نزع الشرعية عن إسرائيل”.

وللتدليل على صحة ما كتبه (ويس) كانت حركة صن رايز (Sunrise) الشبابية فرع واشنطن والتي تنادي بتوحيد صوت الشباب حول العالم للوقوف ضد إنتهاكات الدول الصناعية الكبرى للبيئة والمناخ، لا سيما وأن هذه الإنتهاكات قد اصبحت التهديد الأول للأمن القومي الأمريكي والبشرية جمعاء، وفقاً لإستراتيجية بايدن للأمن القومي الأمريكي، قد أعلنت إنسحابها من مسيرة دعم الحقوق التي كان مخططاً لها أن تجري في العاصمة واشنطن يوم السبت الموافق 23/10/2021، إحتجاجا على مشاركة ثلاث منظمات يهودية (المركز القومي لتجديد اليهودية، المجلس القومي للمرأة اليهودية، المجلس اليهودي القومي للشؤون العامة) معروفة ببنشاطها الفاعل لمصلحة إسرائيل في المسيرة.

وكانت منظمة صن رايز فرع واشنطن قد عللت إنسحابها من المسيرة في تغريدة للمنظمة على تويتر ذكر فيها  “تأسيساً على إلتزام المنظمة بمبدأ العدالة، والحكم الذاتي للشعوب، وسيادة السكان الأصلانيين، نرفض مشاركة المنظمات الصهيونية، كما نرفض مشاركة أي دولة تحاول فرض أيدلوجيتها الخاصة على أقلية من سكانها {…} وعلى ذلك نرى أن مواصلة إسرائيل إحتلالها للأرض الفلسطينية ومواصلتها قمع السكان الفلسطينيين بأساليب عنيفة يتعارض مع القيم والمبادئ التي ندافع عنها”، الأمر الذي يشير الى أن الصهيونية والتقدمية أمران لا يلتقيان، أي ليس بالإمكان أن تكون صهيوني وتقدمي في آن واحد.

وكان بيان حركة صن رايز فرع واشنطن قد أثار موجة واسعة من الغضب في أوساط المؤيدين لإسرائيل من الجاليات اليهودية الأمريكية، إذ كتبوا في تغريداتهم كرد على قرار وبيان حركة صن رايز “أن الصهيونية هي أحد  مكونات اليهوية”، الأمر الذي بدوره يعمق من الإختلاف السياسي والفكري الذي بدأ يظهر للعلن مؤخراً في أوساط الجاليات اليهودية الأمريكية حول الصهيونية وإسرائيل. 

وبناء على ما تقدم يجادل (فيل ويس) مرة أخرى أن محاولة إسرائيل وسم الفلسطينيين بالإرهاب لن تغيب القضية الفلسطينية عن المشهد، ولكن مقابل ذلك يضيف (ويس) أصبح مفهوم الأبارتايد وصف أصيل لإسرائيل، ويشكل مركز الجدل والنقاش في ساحة السجال الفكري والسياسي الأمريكي، الأمر الذي يفرض على المؤسسات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية متابعة ما يجري على الساحة الأمريكية من تطورات يبدو أنها متسارعة، وأخذ هذه التطورات بعين الإعتبار، لا سيما من قبل جيل الشباب الفلسطيني الذي قدره الآن وفي قادم الأيام تحمل مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني نحو مستقبل أفضل على كل فلسطين الإنتدابية وليس على جزء منها.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى