#شؤون مكافحة الاٍرهاب

واقع الإرهاب في أوروبا.. عمليات إرهابية متناقصة و قلق أمني متزايد

إعداد وحدة الدراسات و التقارير”8 – 7/8/2020

أصبح الإرهاب واقعا في أوروبا بمختلف تجلياته و أطره من تنظيمات إرهابية مهيكلة إلى الذئاب المنفردة و انتهاءا بخطر احتمال عودة المقاتلين الأجانب الذي كانوا ضمن تنظيم داعش الإرهابي. بالرغم من تكثيف الجهود السياسية و الأمنية بغرض احتواء العناصر الإرهابية داخل أوروبا، إلا أن الأمر أصبح معقدا بقدر الاختراقات التي نفذتها مختلف التنظيمات المتطرفة للتراب الأوروبي باستغلال قوانين أوروبية تتيح ممارسة الحريات المدنية و السياسية. الامر الذي جعل من المجتمع الأوروبي كما السلطات السياسية و الأمنية الأوروبية كذلك يعيشون “حالة الهوس الامني” من وقوع أي هجمة ارهابية.

أمن أوروبا في مواجهة الإرهاب.. المعادلة المعقدة في ظل المخاطر الأمنية المحلية – مكافحة الإرهاب

في العقدين الأخيرين تعرضت أوروبا إلى موجة من العمليات الإرهابية كانت نتيجتها ذلك التغيير  الحاصل و المستمر للاستراتيجيات الأمنية داخل القارة الأوروبية، و إعادة تعميق مفهوم الأمن الأوروبي الذي كان يشتمل فقط على التهديدات الأمنية الكلاسيكية ، ليضم حاليا ما يسمى في الدراسات الأمنية       ” التهديدات اللاتماثلية Asymetric Threats  ” كالتي ترتبط بالتنظيمات الإرهابية على أساس أنها ” فواعل غير دولاتية Non-State Actors “.

لذلك فإن أمن أوروبا أضحى واقعا تحت تهديدات متواصلة و “محتملة” حتى و إن لوحظ أن وتيرة الهجمات الإرهابية قد تضائلت في سنتي 2019 و 2020 ، لكن في مقابل ذلك فإن الواقع الأوروبي المجتمعي و السياسي و الأمني يظهر أن “القلق و الخوف” من حدوث هجمات ارهابية يبقى موجودا ، و هذا هو الهدف الذي تمكنت من تحقيقه مختلف التنظيمات الإرهابية حول العالم. فحالة الشك و الإرتياب التي سيطرت على المجتمعات الأوروبية فيما يتعلق بحدوث هجمة ارهابية مفاجئة في الشوارع يمكن ادراكها على أرض الواقع، و الترسانة البشرية لمختلف أجهزة الامن المنتشرة في الشوارع الأوروبية و عمليات الترصد و المراقبة المستمرة دليل على ذلك، و هذا ما يطرح اشكاليات أمنية أخرى داخل المجتمع الأوروبي لا سيما و أن مثل هذه الاجراءات تثير جدالا قانونيا و سياسيا في ” أوروبا الحريات الفردية و حقوق الإنسان”.

التغير الحاصل في الظاهرة الإرهابية داخل أوروبا أصبح واضحا و جليّا : في أواخر القرن العشرين (1990-1999) كانت العمليات الإرهابية التي تحدث في أوروبا مصدرها أفراد متطرفين أجانب تمكنوا من الوصول إلى الأراضي الأوروبية بهدف تنفيذ هجمات إرهابية ، و كان من بينهم ما سميّ في إطار الحرب الباردة آنذاك ” المجاهدون الأفغان ” الذين كانوا يقاتلون ضد الجيش الأحمرالسوفياتي في أفغانستان باسم “الجهاد” ، و عندما سقط الإتحاد السوفياتي و انتهت مهمة ” المجاهدين الأفغان “و عودتهم إلى بلدانهم الأصلية أو طلب اللجوء في بعض الدول الاوروبية ، أعادوا تفعيل أنشطتهم الإرهابية داخل أوروبا ضمن تنظيمات إرهابية دولية. لكن في السنوات الأخيرة فالمسألة تطورت إلى أن أصبح الإرهاب في أوروبا “محليا” و ذلك يرجع إلى عدة ظروف و أسباب من بينها :

الجيل الثاني و الثالث من المهاجرين: هذين الجيلين يعتبران من أبناء و أحفاد الجيل الأول من المهاجرين الذي قدم إلى أوروبا في التسعينيات بعد نهاية الحرب الباردة، و استقر في دول أوروبا الغربية ، ليصبح حاليا الجيل الثاني و الثالث من المهاجرين “مواطنين أوروبيين” لكن غير أصليين، و بحكم عوامل اجتماعية و ثقافية و دينية ، لم تكن التنشأة التي تلقاها المواطنون الأوروبيون غير الأصليين من مهاجري الجيل الثاني و الثالث كالتّي نشأ عليها المواطنون الأوروبيون الأصليون، فكانت نتيجة ذلك ظهور “مواطنين أوروبيين غير أصليين يحملون أفكارا متشددة و متطرفة ” تهيكلوا داخل تنظيمات ارهابية مقرها في أوروبا أو تتلقى تعليمات من تنظيمات ارهابية دولية، لتصبح بعد ذلك القارة الأوروبية نفسها “ميدانا للإرهاب المحلي”.

تغلغل الجمعيات و التنظيمات الدينية: مع ازدياد موجات الهجرة و اللجوء لأوروبا و التسهيلات السياسية و الإجتماعية التي تقدمها الدول الأوروبية تحت اطار “حقوق الإنسان و الحريات المدنية و السياسية” ، استغل الكثير من الأفراد هذه الحقوق بهدف إنشاء جمعيات و تنظيمات ذات أهداف خيرية و انسانية في ظاهرها، لكنها تحمل ايديولوجيا متشددة و تقوم بأنشطة كالدعاية و التدريب و التجنيد الإرهابي، و هذا ما تمكنت من كشفه أجهزة الأمن و الإستخبارات الأوروبية، مثل تفكيك و غلق جمعيات دينية و خيرية تبين أنها تابعت لحركة الإخوان المسلمين و حزب الله ، تتلقى إعانات و مساعدات مالية خارجية و تستغل الأراضي و القوانين الأوروبية من أجل تنفيذ أجندتها الإرهابية  -محليا- داخل التراب الأوروبي.

استراتيجية الذئاب المنفردة.. البديل الجديد للعناصر الإرهابية في أوروبا

تقليديا، ارتكزت الظاهرة الإرهابية في العالم على ما يسمى “التراتبية” داخل “تنظيم أو منظمة” ، بمعنى وجود هيكل تنظيمي تنتمي إليه العناصر الإرهابية و تأخذ الأوامر من القيادات العليا لهذا التنظيم. لكن عند ملاحظة سيرورة الظاهرة الإرهابية خاصة في أوروبا، يتبين أن العناصر الإرهابية قد غيرت من تكتيكاتها في تنفيذ الهجمات معتمدة على “استراتيجية الذئاب المنفردة” أو كما يسمى أيضا في الدراسات الأمنية و الإستخباراتية ” استراتيجية الفاعل الوحيد Lone Actor Strategy ” .

الجهود المبذولة من طرف أجهزة الأمن و الإستخبارات الأوروبية في “تفكيك” التنظيمات الإرهابية و الشبكات الفرعية التابغة لها، أجبر العناصر الإرهابية على “تغيير” تكتيكاتها في تنفيذ الهجمات، و إدراك هذه التنظيمات أن أصبحت محل “متابعة و ترصد و اختراق” من طرف أجهزة الأمن و الاستخبارات، أجبرها على تبني هذه الإستراتيجية ، بالرغم من أن لن تحقق ميدانيا أكبر عدد من الضحايا ، لكن الهدف منها هو : الإبقاء على حالة الرعب المجتمعي و الأمني في أوروبا و إعطاء رسائل مباشرة و غير مباشرة على أن الإرهاب لا يزال موجودا.

تأقلم الجماعات الإرهابية مع التقنيات التكنولوجية الحديثة

التطرف العنيف و الإرهاب قبل أن يترجم في الميدان على شكل أعمال عدوانية و هجمات دموية ، فإنه يكون “فكرة” قبل كل شيء ، و الجماعات الإرهابية مثل “تنظيم داعش” على سبيل المثال أدرك أن الفكرة تحتاج إلى وسائل و آليات من أجل توصيلها و بثها و التأثير من خلالها، و قد استغلت التنظيمات الإرهابية التقنيات التكنولوجية الحديثة بهدف “الدعاية و التجنيد” ، و قد ركزت هذه التنظيمات على ما يسمى في دراسات الإعلام السياسي “مفعول الصورة Image Effect” سواءا على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي أو على وسائل الإعلام المرئية و المسموعة.

قدرة التنظيمات الإرهابية على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة يبرز أن هذه التنظيمات لم تعد تقليدية في ممارسة أنشطتها، و إنما أصبحت تضم في صفوفها عناصر متمكنّة من التقنيات و التكنولوجيا الحديثة كسلاح دعائي يختلف عن السلاح العسكري التقليدي، كما أن هذه التنظيمات تمكنت من الولوج إلى ما يسمى “دارك نت Dark Net” يثبت أنها فعلا تنظيمات لا يجب أن يستهان بها من طرف أجهزة الأمن و الاستخبارات الأوروبية. الإرهاب في أوروبا أصبح محليا .. قائمة أبرز العمليات الإرهابية.

فالبرغم من المؤتمرات الماراطونية الأوروبية و الدولية و اللقاءات مع مدراء و مسؤولي الشركات التكنولوجية مثل فيسبوك و تويتر و يوتوب بهدف الحد من المحتوى المتطرف و العنيف و أيضا التضييق على المواطنين في الوصول إلى المحتوى الذي تنشره الجماعات الإرهابية، إلّا أن هذه الأخيرة تتمكن باستمرار من التهرب من مثل هذه الإلتزامات و ايجاد مخارج بديلة في سبيل الاستمرار بالترويج للمحتوى المتطرف و العنيف و ممارسة الدعاية الإرهابية، و تنظيم داعش الإرهابي دليل على ذلك من خلال قدرته في الاستمرار على ممارسة الدعاية على الانترنيت و بث مقاطع فيديو متطرفة و كذا بث نشريّاته و صحفه الإلكترونية.

تأثير فيروس كورونا على تناقص العمليات الإرهابية في أوروبا -مكافحة الإرهاب

ان دراسة و مقارنة أرقام العمليات و الهجمات الإرهابية التي حدثت في سنتي 2019 و 2020 يقودنا إلى ملاحظات مفادها أن العمليات الإرهابية في سنة 2020 انخفضت بالمقارنة مع العمليات الإرهابية التي حصلت سنة 2019. من المعروف أن جائحة فيروس كورونا بدأت تنتشر بشكل كبير مع دخول سنة  2020 وصولا إلى أوروبا ، و تبعتها إجراءات وقائية مشددة أهمها “الحجر الصحي”. لذلك يمكن وضع الفرضية التالية: كلما استمر فرض الحجر الصحي كلما انخفضت وتيرة العمليات الإرهابية.

المسألة التي وقعت في أوروبا في ظل جائحة فيروس كورونا هو قيام السطات السياسية و الأمنية بفرض قواعد مشددة للحجر الصحي، الأمر الذي أدى إلى إفراغ الشوارع بهدف احتواء الفيروس، و كان لمثل هذه الإجراءات أثر واضح على انخفاض العمليات الإرهابية و ذلك بناءا على الأسباب التالية:

غياب التجمعات البشرية: ان أيّ تنظيم إرهابي مهيكل أو ذئب منفرد هدفه من وراء القيام بهجمة إرهابية هو “قتل و جرح أكبر عدد من الضحايا” ، لكن إجراءات الحجر الصحي أتت ضد ما تهدف إليه العناصر الإرهابية، فعدم وجود تجمعات بشرية في الشوارع معناه أن أي عملية إرهابية ستكون ” دون جدوى” و هذا ما يمكن أن تعتبره العناصر الإرهابية بمثابة “إهدار للجهد و الوقت و اللوجيستيك”.

الرقابة الأمنية المشددة على اختراق الحجر الصحي: جنّدت أجهزة الأمن و الاستخبارات الأوروبية مختلف الإمكانيات البشرية كدوريات الشرطة مثلا، و امكانيات تقنية مثل كاميرات المراقبة ، بهدف مراقبة كل من يخرق الحجر الصحي، و لذلك فإن العناصر الإرهابية كانت تدرك جيدا هذه المسألة، و أن أي تحرك لعنصر إرهابي في ظل إجراءات الحجر الصحي “سيجلب الشك و الريبة” و قد تتدخل أجهزة الأمن في أي لحظة و تفشل العملية الإرهابية المحتملة، لذلك لم ترد العناصر الإرهابية أن “تخاطر” في تنفيذ هجماتها.

مستقبل الإرهاب و التطرف العنيف في أوروبا.. استمرار حالة القلق الأمني -مكافحة الإرهاب

ان الظاهرة الإرهابية بشرية بالدرجة الأولى و لا يمكن الجزم بالقضاء على الإرهاب و تجنبه بشكل كلي، و هذا راجع لعوامل سيكولوجية و اقتصادية و سياسية و أمنية و دولية معينة، لكن تزايد و تناقص نسبة العمليات الإرهابية يمكن احتوائه من خلال استراتيجيات تختلف باختلاف بيئة و ظروف كل دولة و السياقات الخارجية/ الإقليمية المحيطة بها.

من المحتمل أن تستمر حالة الهدوء و الإستقرارالأمني داخل أوروبا في النصف الثاني من سنة 2020 ، على اعتبار تواصل اجراءات الوقاية من فيروس كورونا و جهود الأجهزة الأمنية الأوروبية في فرض شروط التباعد الإجتماعي مما يوحي بوجود رقابة مستمرة على التجمعات البشرية و هذا ما يعطي انطباعا لدى العناصر الإرهابية بوجوب “الحذر و عدم التسرع” في تنفيذ أي هجكة عنيفة قد تفشل المهمة المرسومة.

أما فيما يتعلق بواقع الإرهاب في سنة 2021 ، فإن الامر مرتبط بالجدال الحاصل حول عودة المقاتلين الأجانب إلى أوروبا الذين كانوا ضمن صفوف تنظيم داعش الإرهابي، بمعنى أن السماح لأولئك العناصر بالعودة و استفادة بعضهم من اجراءات مخففة ، بالتالي قد يشكلون تهديدا مباشرا لأمن أوروبا و من المحتمل إفلاتهم من الرقابة و قد تكون النتيجة كارثية بحكم أنهم يمتلكون تدريبا و ممارسة ميدانية لسنوات في القتال و تنفيذ العمليات الإرهابية. مكافحة الإرهاب

كما أن حالة ” الإجهاد الأمني ” التي ستخرج منها أجهزة الأمن الأوروبية من جراء نشاطهم في احتواء جائحة فيروس كورونا، قد يؤثر بشكل كبير على أدائها في السنة المقبلة تجاه مسائل الإرهاب و التطرف ، على اعتبار أن مهام الأجهزة الأمنية في فرض اجراءات الحجر الصحي و دور الاستخبارات المكثف في الاستخبار و التحقيق حول واقع الجائحة و مآلاتها، أدى بها إلى حالة الإنهاك، ما قد يجعلها تغفل عن تحركات العناصر الإرهابية لتتمكن هذه الأخيرة من تنفيذ عملياتها.

في المقابل، ستبقى حالة “القلق الأمني” من حدوث هجمات إرهابية هي السمة الأساسية لسنة 2021 ، على أنها ستكون مرحلة “ما بعد كورونا Post-Coronavirus Era” ، و ما سيحدث من تغيرات سياسية واقتصادية و أمنية و حتى جيوبوليتيكة دولية، و قد تعمد التنظيمات الإرهابية إلى “صنع اسم” لها في أوروبا في إطار هذه المرحلة الجديدة لترسم بذلك هي أيضا أجندة جديدة تكون أداة للدعاية في أوروبا. تنظيم داعش مازال فاعلا على شبكة الأنترنيت و وسائل التواصل الاجتماعي .

التوصيات

– أجهزة الأمن و الاستخبارات الأوروبية ملزمة بالاستمرار في عمليات المراقبة و الترصد للشوارع و التجمعات البشرية دون إغفال عنصر المفاجأة الذي قد يحدثه ” ذئب منفرد”.

– أجهزة الأمن و الاستخبارات الأوروبية ملزمة بتكثيف الترصد و الاختراق لكل تنظيم أو جمعية ذات طابع ديني و تتبع أفرادها بشكل دقيق .

– أجهزة الأمن و الاستخبارات الأوروبية ملزمة خاصة بتطوير استراتيجيات “الإنذار المبكر” و “التنبؤ السريع” التي تهدف الى الوقلية من الهجمات الارهابية و احتوائها بشكل سريع و فعال.

*جميع حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى