واشنطن بوست: يرجّح مقتل شيرين أبو عاقلة برصاص إسرائيلي

واشنطن بوست ١٣-٦-٢٠٢٢م، اعداد ميغ كيلي وستيف هندريكس، ومراسلة الفيديو سارة كهلان،
في التحقيق، الذي أعدّته قالوا فيه إن علي السمودي، الصحافي في “الجزيرة”، بدأ بثه الحي على فبسبوك صباح 11 أيار/مايو: “نحن على أبواب مخيم جنين”، و”يسمع صوت مواجهات شديدة”. قال السمودي في شريط الفيديو، الذي سجّل في الساعة السادسة صباحاً. وبعد نصف ساعة شعرَ السمودي بهدوء كاف جعله، ومَن معه مِن الصحافيين، يتحرك ببطء باتجاه قافلة من العربات الإسرائيلية شاركت في مداهمات الصباح.
كان من بين الصحافيين شيرين أبو عاقلة، الصحافية الفلسطينية- الأمريكية التي غطّت عددا لا يحصى من العمليات المشابهة في مسيرة امتدت لعقود مع قناة “الجزيرة”، كما قال زملاؤها. وكانت الصحافية ترتدي خوذة وسترة مكتوب عليها بحروف بيضاء واضحة “صحافة”. وظلوا في المكان مدة 10 دقائق للتأكد من تحديد الجنود الإسرائيليين لهم بأنهم صحافيون، كما قال السمودي لاحقاً لواشنطن بوست. قال السمودي “كنا متأكدين من عدم وجود مسلحين فلسطينيين ولا تبادل بإطلاق النار أو مواجهات مع الإسرائيليين”. ثم تحرك الصحافيون إلى الشارع وباتجاه العربات الإسرائيلية. و”كان هناك هدوء شامل، وبدون صوت رصاص أبداً” وفجأة بدأ وابل من الرصاص، أصابت واحدة السمودي وأخرى ضربت وقتلت أبو عاقلة، حيث حاول زملاؤها البحث عن غطاء من الرصاص.
ويتذكر السمودي أن الرصاصة انطلقت من عربة عسكرية. وقالت الصحيفة إنها فحصت عددا من لقطات الفيديو والمنشورات على منصات التواصل الاجتماعي وصور الحادث، وقامت بجولتي تفتيش للمنطقة، وطلبت من محللين مستقلين في تحليل أصوات الرصاص المساهمة برأيهم. وكل هذا يقترح أن جنديا في القافلة العسكرية الإسرائيلية أطلق النار وقتل أبو عاقلة.
وقال الجيش الإسرائيلي أن جنديا من جنوده ربما أطلق الرصاصة، لكنه قال إن أي رصاصة قد تكون القاتلة، وإنها جاءت من مسلح فلسطيني كان الصحافيون يقفون بينه والقوات الإسرائيلية، وربما أطلقت بطريقة غير مقصودة. ولم يظهر الجيش الإسرائيلي أية أدلة عن وجود مسلح، ولا تدعم أشرطة الفيديو مزاعم الجيش عن مواجهات مسلحة في الدقائق التي سبقت القتل. بل وتظهر كل الأدلة والروايات وشهود العيان الذين قابلتهم الصحيفة أنه لم يكن هناك إطلاق النار وقت القتل. وتقول الصحيفة إن التحليل الصوتي لإطلاق النار الذي قتل أبو عاقلة، يؤشر إلى شخص واحد أطلق النار من مسافة قريبة تطابق المسافة بين الصحافيين وقافلة الجيش الإسرائيلي. وبناء على شريط فيديو صورته “واشنطن بوست” فقد كان وجود الصحافيين، بمن فيهم أبو عاقلة، واضحا للجنود الذين كان يمكنهم تحديد هويتهم على بعد 182 مترا (597 قدما). وكان أحد الجنود ينظر في التلسكوب، حسب بيان الجيش لاحقا.
ويظهر بث حي على تيك توك قبل دقائق من عملية إطلاق النار، هدوءا نسبيا يتحرك فيه الناس. وسمع صوت إطلاق نار بعيد في بعض الأحيان، ولم تكن هناك إشارات عن مواجهات.
وفي رد من الجيش الإسرائيلي على أسئلة الصحيفة، وملخص لنتائج تحقيقها، قال، في بيان، إنه “سيواصل التحقيق بطريقة مسؤولة في الحادث من أجل التوصل لحقيقة ما حدث في هذا الحادث التراجيدي.
والرصاصة مهمة في التوصل للنتيجة ومصدر إطلاق النار الذي قتل أبو عاقلة. وهي مصدر مهم للتوصل إلى نتيجة قائمة على دليل. ويواصل الفلسطينيون رفض عرض الجيش الإسرائيلي إجراء تشخيص مشترك للرصاصة وبحضور أمريكي”. وكرر البيان مزاعم رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال أفيف كوخافي من أن الجيش يحقق فيما إن كانت الرصاصة صدرت من الجيش أم من مسلح فلسطيني، و”هناك شيء واحد يمكن تأكيده على وجه اليقين: لم يطلق أي جندي عمدا النار على الصحافية. وحققنا في هذا، وهذه هي النتيجة ولا يوجد غيرها”. ولم يقل الجيش الإسرائيلي كيف توصّل للنتيجة وعدم رؤية جنوده للصحافيين. وأحال متحدث باسم الجيش الصحيفة لتصريحات سابقة للعقيد أريك مويل، الذي قال، في مقابلة تلفزيونية، إن هناك “فرصة جيدة” لقتل أبو عاقلة من إطلاق نار فلسطيني، و”أكبر برصاصة من خمس رصاصات” أطلقها جندي إسرائيلي في ذلك اليوم. ولم يقدم أية أدلة عن هذا التأكيد. ولم يرد الجيش على أسئلة الصحيفة إن كانت هناك إمكانية لإثبات ما يقوله عبر لقطات التقطتها طائرة مسيرة أو كاميرا مركبة في العربة العسكرية.
عندما أصيبت شيرين
وكانت أبو عاقلة قد أرسلت بعد السادسة صباحا رسالة إلكترونية إلى مكتب المراسلين في “الجزيرة” قالت فيها: “قوات الاحتلال تداهم مخيم جنين وتحاصر حي الجابريات”، في إشارة لعمليتين قام بهما الجيش الإسرائيلي. وقالت إنها ستقدم مزيدا من المعلومات للقناة حالة وصولها المخيم.
وفي الوقت الذي وصلت فيه الساعة السادسة والربع كان هناك صحافيون قد تجمعوا حول الدوار المفضي للمخيم، بمن فيهم شذا حنايشة والسمودي. وتذكرت حنايشة: “كان الطريق الرئيسي يشهد حياة شبه عادية، وكانت هناك سيارات مارة محملة بركاب في طريقهم للعمل، وكانت هناك حركة سير عادية”.
وبدأ سليم عواد، 27 عاما، المقيم في جنين بثا حيّا على تيك توك في الساعة 6:24 صباحا. وفي فيديو حصلت عليه الصحيفة، أخبر شخص عواد أن الجنود الإسرائيليين متمركزين في جنوب- غرب. وفي نفس الوقت ظهر الصحافيون وهم يرتدون الخوذ والستر الواقية التي تعلمهم بأنهم صحافيون. وسمع عواد وهو يقول “سأقوم بتصويرهم”، أي الجنود، وهو يمشي متجاوزا الصحافيين. وعندما اقترب من التقاطع سمع إطلاق 3 رصاصات عن بعد. وبعد دقيقتين تقريبا وجه الكاميرا جنوبا لتكشف العربات الإسرائيلية التي تبعد 182 مترا (597 قدما) حسب تحليل الصحيفة. وقال “هذا هو الجيش الإسرائيلي”. وكانت العربات في نفس المكان والتشكيل كما في الصور التي التقطتها كاميرات العربات، والتي كشف عنها الجيش لاحقا. وعلى مدى الثلاث دقائق اللاحقة، سجلت الكاميرا صوت رصاص متقطع عن بعد، ولكن المشهد كان هادئا نسبيا، وبدا الأشخاص الذين تجمعوا هادئين ويتحركون ويمزحون. وفي حدود 6.31 صباحا بدأ الصحافيون يتحركون باتجاه العربات الإسرائيلية. وقال السمودي لاحقا للصحيفة “قررنا التحرك في ذلك الطريق وببطء والاقتراب من الجيش وتغطية الأخبار”. وفي الفيديو، بعد أقل من 30 دقيقة، بعد تحرّك الصحافيين باتجاه الجيش انطلقت ست رصاصات، وتفرق الأشخاص الذين يسجلون الحادث. وفي فيديو آخر حصلت عليه الصحيفة، بدا السمودي وهو يتحرك بسرعة، ولكن بحذر، وباتجاه سيارة فضية ركنت عند التقاطع. وعندما وصل الطريق انطلقت سبع رصاصات جديدة. وعند ذلك حاولت المجموعة الابتعاد عن الزاوية. وسمع شخص وهو يقول “من أصيب؟” وصرخت حنايشة طالبة إسعاف لأن أبو عاقلة أصيبت بالرصاص. وسمع صوت رصاص جديد. صرخ آخر “شيرين، إسعاف إسعاف، خليك مكانك لا تتحركي لا تتحركي”، وتحركت الكاميرا لتظهر حنايشة وهي تزحف خلف الشجرة قرب أبو عاقلة التي كانت على الأرض. وحاول عدد من الرجال الوصول إلى الصحافيتين عبر قطع الطريق ولمدة دقيقة، ثم حدث إطلاق رابع للنار وبشكل سريع. وتسلق واحد استطاع العبور جدارا مهدما لكي يصل إلى أبو عاقلة وحنايشة. وعندما أمسك بيد أبو عاقلة انطلقت رصاصة أخرى فهرب نحو الجدار وجلس منحنيا، وقاد حنايشة بعيدا عن المشهد وعاد إلى الجدار المهدوم قبل أن يساعد في حملة أبو عاقلة من خلف الشجرة ووضعها في مقعد خلفي لسيارة.
السلطة الفلسطينية
طلب من خبير الأصوات، والذي استشاره مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) لأكثر من عقد، ستيفن بيك، تحليل صوت النار الذي سمع في التسجيلين المنفصلين. ووجد بيك أن وابل الرصاص في التسجيلين، وعدد الرصاص المطلق 13، أنها أطلقت من مسافة ما بين 175- 195 مترا (574- 650 قدما)، وبعيدا عن الكاميرات التي سجلت المشهد، وهي نفس المسافة تقريبا بين الصحافيين والجنود. ويقول إن موجات الرصاص التي انطلقت تقترح وبشكل مدهش ومتناسق أن شخصا واحدا هو من “ضغط على زناد البندقية لإطلاق الرصاص العابر للصوت وبأكبر سرعة”، في إشارة للرصاص الذي يتحرك بسرعة أكبر من الصوت. ورغم وجود تباين بين الموجتين إلا أن بيك يرى أن التباين يتعلق بشخص يقوم بتغيير تصويبه، ولكن لا يغير هذا التناسق في الموجتين. ومن المحتمل أن أبوعاقلة قتلت بواحدة من رشقات الرصاص الأولى أو الثانية. وسمعت حنايشة التي كانت قريبة من أبو عاقلة وهي تصرخ طالبة إسعاف بعد الرشقة الثانية. وقالت للصحيفة إن طلبها هو من أجل أبو عاقلة. وفي تحليل الصحيفة للصوت يكشف أن الرشقات تظهر الرصاصات وأنها أطلقت باتجاه قريب من الصحافيين. لكن التحليل لم يحدد مصدر الطلقات.
وتقول السلطة الوطنية، التي تملك الرصاصة، إنها 5.56 اكس ميلميتر. وقال بيك إنه استخدم عددا من الأسلحة التي أطلقت العيار في تحليله، لكنه لم يجد اختلافا كبيرا بينها لتحديد المسافة بين أبو عاقلة والرامي. وكانت هناك رشقتان متتابعتان للرصاص بعد تلك التي قتلت أبو عاقلة، ولكن لا يمكن تحديد مصدرهما، كما يقول الخبراء. وقال بيك إن الرشقات لـ 12 رصاصة تكشف أن الرامي كان في مكان مختلف عن أول رشقتين. وقدر بيك المسافة بينهما بحوالي 10-30 مترا (32- 90 قدما) عن الصحافيين. وربما كان مطلق الرصاص يهدف إلى ضرب شيء أبعد لأن الرشقات كانت أبعد عن أول رشقتين. وقال بيك “توقيع إطلاق النار والصدى والتوقيت مختلف عن تلك الرشقات التي من المحتمل أنها قتلت الصحافية مما يعني أن مكان إطلاق النار كان مختلفا وأقرب”. و “بدون معرفة بطبيعة الطلقة فإن التحديد الدقيق لبعد الرامي مستحيل”. وقامت الصحيفة بإجراء تحقيق آخر قام على نموذج فيزيائي على الكمبيوتر، وأعدّه باحثون في جامعة كارنيغي ميلون وجد أيضا أن الرصاصتين اللتين أطلقتا في البداية كانتا من على بعد 233 مترا أي بزيادة 46 مترا من كاميرا العربة، وهو ما يقترب من تحليل بيك. ولم يحدد البرنامج إن كانت أول رصاصتين نجمتا عن رام أو اثنين، لكن المسافة بين القناص والكاميرا بقيت متناسبة. ومثل بيك، استخدم الباحثون عددا من الأسلحة في تحليلهم للرصاصة التي استخدمت في عملية القتل. وقال الباحثون في كارنيغي ميلون إن هناك إمكانية لقناص ثان في الطلقة الثالثة والرابعة، لكنهم لم يستطيعوا تحديد المسافة عن الصحافيين نظرا لرداءة الفيديو.
لم نذهب لنموت
وفي التحقيق الذي أعلنت عنه السلطة الوطنية، قال النائب العام الفلسطيني أكرم الخطيب إن أبو عاقلة قتلت برصاص جندي إسرائيلي. وفي بيان صحافي الشهر الماضي، قال إن القناص “ضرب مباشرة وعمدا” وإن النتيجة قامت على حقيقة ضرب السمودي وأبو عاقلة في الجزء الأعلى من الجسد، وأن الرصاص استمر بعدما أصيبا. وقال إن قرار عدم تسليم الرصاصة، أو حتى صورة عنها للإسرائيليين جاء “لحرمانهم من كذبة جديدة ورواية جديدة”. وقال الجيش الإسرائيلي إن التحقيق مستمر، وأنه توصل إلى نتيجة بعدم وجود جريمة جنائية. وأشارت الصحيفة لتغير الرواية الإسرائيلية حول حادث القتل، من لوم مسلح فلسطيني إلى تحقيق في إمكانية أن القاتل هو جندي إسرائيلي، ومن ثم نشر شريط فيديو يكشف مسلحا فلسطينيا يصوب بندقيته باتجاه ما. ولكن المصادر المفتوحة مثل بيتسيلم وجدت أن مكان المسلح بعيد عن المكان الذي قتلت فيه أبو عاقلة. وتراجعت إسرائيل عن روايتها من أن مسلحا فلسطينيا “قد يكون” مسؤولا عن القتل. وقالت إنها تقوم بالتحقيق في عدة سيناريوهات، منها مقتل أبو عاقلة برصاصة طائشة أثناء إطلاق الفلسطينيين من أماكن عدة على عربات إسرائيلية. وفي الأدلة المرئية التي راجعتها الصحيفة لم يظهر فيها مسلحون فلسطينيون، ولم تكن أبو عاقلة في مرمى نارهم لو وجدوا. وفي شريط معلم برقم 6، والتقط قبل 14 دقيقة من مقتل أبو عاقلة وصور وسجل بعيدا عن مكان قتلها. أما شريطا الفيديو، ويظهران مسلحين فلسطينيين، رقم 7، فسجلا بعد مقتل أبو عاقلة بـ 10 دقائق، ولم تستطع الصحيفة تحديد الوقت للطلقات التي سمعت في شريط 7. كما أن الأصوات المسموعة في شريط 5 لا تطابق تلك التي سمعت عندما قتلت أبو عاقلة، مما يعني أن الشريط ربما سجل في وقت آخر، ولم تستطع الصحيفة أيضا تحديد الوقت. وفي السيناريو الآخر، أن جنديا إسرائيليا كان يصوب على مسلح فلسطيني كان متمركزا في مسافة 200 متر (656 قدما)، وأن رصاصة قتلت أبو عاقلة.
وقامت الصحيفة بتحليل ما توفر من لقطات ومكان القافلة الإسرائيلية التي امتدت على مسافة 182 – 243 مترا (597- 797 قدما) بعيدا عن الصحافيين، بمن فيهم أبو عاقلة، حيث رفض الجيش الإسرائيلي التأكيد أن كانت القافلة التي حددتها الصحيفة هي نفسها محل التحقيق. وفي بيانه قال الجيش إن مسلحا أطلق “وابلا من الرصاص” باتجاه القافلة قبل أن يرد الجيش، لكن الصحيفة لم تعثر في تحليلها على أدلة عن مواجهة قبل مقتل أبو عاقلة.
وهناك شريط فيديو صوّر منتصف المسافة بين العربات الإسرائيلية وأبو عاقلة. ولم تستطع الصحيفة تحديد من صوره أو متى.
وقال السمودي “ذهبت لتغطية الأخبار” و”الأخبار مهما كانت ليست أثمن من حياتي، وعندما أقوم باتخاذ الاحتياطات فهي من أجل حياتي”، وتضم الاحتياطات التأكد من عدم وجود شيء يعرض الصحافيين للنار، مسلحين أو شباناً يرمون الحجارة على الإسرائيليين. ودعا السمودي الذي خرج من المستشفى، ولا يزال يتعافى من الرصاص الجيش الإسرائيلي، إلى نشر أي لقطات لديه صورها أثناء المداهمة “ذهبنا لتغطية الأخبار لا لنموت”.
واشنطن بوست