ترجمات أجنبية

واشنطن بوست: في أعقاب حرب أوكرانيا، الولايات المتحدة وحلفاؤها يلاحقون جواسيس روس

واشنطن بوست 17-2-2023، اعداد ب جريج ميلر وسعود مخنا: في أعقاب حرب أوكرانيا، الولايات المتحدة وحلفاؤها يلاحقون جواسيس روس

من بين الركاب النائمين في رحلة ليلية متجهة من ميامي إلى ميونيخ الشهر الماضي مسافران على طرفي نقيض في عملية مكافحة تجسس. في أحد المقاعد كان مواطنًا ألمانيًا سيتم القبض عليه فور وصوله، اتهم بالخيانة لمساعدة روسيا في تجنيد وإدارة جاسوس الكرملين في الرتب العليا من جهاز المخابرات الألماني. كان أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) جالسًا في مكان قريب كان قد صعد على متن الطائرة لمراقبة العميل المشتبه به، وفقًا لمسؤولي الأمن الغربيين، والتأكد من احتجازه من قبل السلطات الألمانية.

اعتقال المواطن الألماني آرثر إيلر الذي جمع مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) معلومات عنه أثناء إقامته في فلوريدا، واعتقل لدى وصوله إلى ميونيخ قادما من ميامي. وكانت مهمة إيلر هي تجنيد وإدارة خلية تجسس روسية في الصف الأعلى من المخابرات الألمانية. فبالتوازي مع الدعم العسكري الغربي لكييف والعقوبات الاقتصادية ضد موسكو، شنت الأجهزة الأمنية الأمريكية والأوروبية حربا سرية ضد شبكات وخلايا التجسس التي زرعتها روسيا داخل الدول الأوروبية. وجاءت العملية الألمانية التي شملت اعتقال مسؤول بارز في جهاز المخابرات الخارجية الألمانية (بي ان دي) بعد عمليات اعتقال والكشف عن عملاء روس في هولندا والنرويج والسويد والنمسا وبولندا وسلوفينيا.

وتعتبر الجهود بمثابة ضربة حاسمة ضد العملاء الروس وجاءت بعد طرد جماعي لأكثر من 400 مسؤول مخابرات من السفارات الروسية في أوروبا العام الماضي.

ويحذر المسؤولون الأمنيون الأوروبيون والأمريكيون أن روسيا لا تزال تحتفظ بقدرات استخباراتية قوية مع أن الحملات الأخيرة عليها تسببت بأضرار فادحة لم تحصل منذ الحرب الباردة.

ويقول المسؤولون إن العملية فاجأت موسكو وعطلت جهودها للتواصل مع عملائها والقيام بحملات تأثير ومعرفة التفكير الأوروبي حول مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا.

ولو كان هذا صحيحا، فإن الحملات ضد الجواسيس الروس هي واحدة من التداعيات التي فشل فلاديمير بوتين – العميل السابق في كي جي بي – في توقعها.

ويقول أنتي بيلاتري، مدير المخابرات الفنلندية الخارجية “أصبح العالم مختلفا الآن لأجهزة المخابرات الروسية”، وذلك بسبب طرد الدبلوماسيين وملاحقة الشبكات الروسية والجو العدائي لموسكو في أوروبا مما يعني أن قدرة الكرملين قد تراجعت بشكل كبير.

وحاولت روسيا التعويض عن النقص من خلال الحرب الجاسوسية الإلكترونية والاستفادة من عبور اللاجئين لتجديد خلاياها. إلا أن الجواسيس الجدد سيكونون بدون حماية السفارات الروسية العاملة.

وربما لم تكن لديهم التجربة والمصادر والتدريب مقارنة مع الدبلوماسيين الذين أصبحوا شخصيات غير مرغوب فيها. وكإشارة عن محاولات الروس اليائسة، حاولت موسكو إرسال الجواسيس الذين تم طردهم إلى أماكن أخرى من العواصم الأوروبية والتحقيق في نقاط الضعف بالتنسيق بين الخدمات الأمنية عبر القارة. وقال مسؤول غربي “ليس لدينا أي وهم من استمرار الروس بالمحاولة”. وقال المسؤول إن بلده شاركت المعلومات المتعلقة بالجواسيس الذين طردتهم مع بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن روسيا لم تنجح في إعادة أي منهم “حسب علمنا”.

لكن الحالة الألمانية أثارت القلق من قدرة روسيا الحصول على معلومات ثابتة وملفات من داخل واحدة من أكبر الأجهزة الاستخباراتية في أوروبا، مع أن برلين قللت من الضرر في حوار مع حلفائها. لكن الجاسوس المتهم استطاع الحصول على معلومات حساسة، حسب المسؤولين الأمنيين. وقبل اعتقال إيلر، اعتقلت السلطات غارستين لينك، 52 عاما، والذي عمل في داخل الجهاز الواسع وكان مسؤولا عن وحدة جمع المعلومات الفنية في بافاريا ومطلعا على الملفات الشخصية لموظفي بي أن دي إلى جانب استهداف شبكات المعلومات الدولية.

وكشفت ألمانيا عن الاختراق بمساعدة دولة غربية أخرى لم تكشف عن اسمها. وكان حصول روسيا على ملف حساس سببا في عملية ملاحقة بدأت في أيلول/سبتمبر وركزت على لينك. وكانت العملية مدعاة للحد من المشاركة الأمنية الأمريكية والبريطانية وحكومات أخرى مع برلين. وقال مسؤول أمني من شمال أوروبا إن كل دولة تقوم بتقييم الضرر الخاص بها و”تفكر، ما هي المعلومات التي تشاركنا فيها وما هي المعلومات المتوفرة للروس؟”.

وواجه الألمان سؤالا آخر حول وجود متعاون مع لينك، وركزوا في التحقيق على إيلر تاجر الأحجار الثمينة المولود في روسيا وعاش في بافاريا حيث قضى لينك معظم حياته. وذكرت الصحافة الألمانية أن لينك تعرف على إيلر بمناسبة اجتماعية عام 2021، شخصا من حزب البديل لألمانيا هو من قدمهما لبعضهما البعض، مما يطرح أسئلة حول دوافع لينك المتطرفة. واقتضى عمل إيلر سفره الدائم، عبر 110 رحلات العام الماضي- وزار روسيا أكثر من مرة.

ويقول مسؤول “تم تحديد إيلر على أنه الشخص المتعاون”، لكنه سافر في تشرين الثاني/نوفمبر إلى ميامي مع زوجته وابنته في إجازة طويلة لزيارة عائلتها هناك. وعاد في رحلة عمل في كانون الأول/ديسمبر. وعندما اعتقل لينك في 21 كانون الأول/ديسمبر، تلقى إيلر مكالمة من شخص في وحدة الاستخبارات الفدرالية (أف أس بي) حذره من أن حياته في خطر ونصحه بالسفر حالا إلى موسكو. لكنه عاد إلى فلوريدا لقضاء عيد الميلاد، وسمحت السلطات الألمانية له بالسفر “لأن المعلومات التي جمعناها لم تكن كافية لاعتقاله” حسب مسؤول أمني ألماني.

إلا أن التحقيق الذي أجراه أف بي آي غير كل هذا، وبعد معرفته بأن إيلر على علاقة باختراق بي أن دي، وضعه تحت المراقبة ونسق مع الألمان. إلا أن رحلات إيلر المستمرة توقفت في 12 كانون الثاني/يناير عندما اعترضه عميل أف بي آي وهو يحاول ركوب الطائرة من ميامي إلى ميونيخ. ووافق على التحقيق معه في مكان قريب من المطار، وتخلى عن أجهزته الإلكترونية، لابتوب وموبايل وقدم معلومات مدهشة عن صلته مع الشخص في بي أن دي وأنه حمل ملفات حساسة إلى روسيا وعاد بمغلفات محشوة بالمال، ربما للينك.

ولا يعرف إن كان إيلر هو من تطوع بتقديم المعلومات، أم أنه أجبر، لكن المطلعين على التحقيق يقولون إنه قدم نفسه كضحية تلاعب لينك. ورفض محاميه التعليق على التقرير. وبحسب الشخص قال إيلر إنه اعتقد أنه يعمل مع بي أن دي وأن تعاونه مع أف بي آي يعكس رغبته بالتعاون. واتصل عملاء أف بي أي مع زوجته وشقيقها. ويرفض المسؤولون الألمان والأمريكيون فكرة الضحية وأن إيلر هو من أخبر لينك حول التعاون للتجسس مع روسيا.

وقال مسؤول أمريكي بارز إن وزارة العدل فكرت في توجيه تهم لإيلر في الولايات المتحدة لكن التهم ليست قوية وقررت تسليمه لألمانيا حيث الأدلة ضده قوية هناك. وأمر بمغادرة أمريكا حيث قاده عميل أف بي آي لبوابة الخروج في مطار ميامي، ولم تعد إليه ممتلكاته، وكان بانتظاره في مطار ميونيخ بـ 21 كانون الثاني/يناير عملاء بي أن دي بأمر اعتقال. واتهم لينك بإساءة استخدام منصبه ومساعدة إيلر على اجتياز الحدود وفحص الملفات الأمنية، وأن هناك شخصا آخر ساعده بالخروج من مطار ميونيخ. وكشف التحقيق أن إيلر جلب معه 100.000 دولار للينك. لكن هناك ملامح من القضية لا تزال غامضة منها الرحلات المتكررة بين ميونيخ ونيويورك التي قام بها إيلر.

وقضية إيلر ولينك تدور حول أوروبيين عملوا لصالح روسيا، إلا أن السلطات الأمنية الأوروبية كشفت عن محاولات روسيا إرسال مواطنيها بشكل خفي وبدون علاقة مع المخابرات أو السفارات. ففي هولندا اكتشفت السلطات هناك شخصا يحمل جوازا برازيليا في مطار سخيبول بأمستردام جاء للعمل كمتدرب في المحكمة الجنائية الدولية. وفي الحقيقة كان ضابطا روسيا اسمه سيرغي شيركاسوف، والذي أرسلته المخابرات العسكرية الروسية قبل عقد إلى الخارج، وقضى سنوات في البرازيل وبنى شخصية جديدة وهي مولر فريريا، وحصل على شهادة من ترينتي كوليج في دبلن وأخرى من مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز قبل تأمينه قبولا للتدرب في المحكمة الجنائية.

وتم إرجاعه للبرازيل حيث سجن بتهمة التزوير، وتنفي روسيا أنه جاسوس وطالبت بعودته زاعمة أنه تاجر مخدرات مطلوب. وفي تشرين الأول/أكتوبر اعتقل روسي بتهمة التجسس بنفس ظروف شيركاسوف، حيث قدم ميخائيل ميكوشين نفسه على أنه خبير بالقطب الشمالي بجامعة في شمال النرويج. وظل في الخارج وهو يطور غطاء لشخصيته ولصالح المخابرات العسكرية الروسية.

إن مدى وسرعة الاعتقالات تعكس التعاون بين دول أوروبا في مرحلة ما بعد حرب أوكرانيا. وقال مسؤول غربي بارز “شباط/فبراير 2023 ليس مثل شباط/فبراير 2021 أو 2019” ولم يعد هنا تسامح في أوروبا. ويعكس التطور في ملاحقة الجواسيس الروس النشاط الأمريكي الذي أراد الاستفادة من مظاهر ضعف موسكو. وضخت سي آي إيه وأف بي آي ما لديها من معلومات للأجهزة الأوروبية من أجل ملاحقة شبكات التجسس الروسية، وهو ما شهدت بفضله مخابرات السويد والنرويج. ولا يعرف في النهاية حجم الجهود على النشاط التجسسي الروسي في أوروبا، فقد لاحظ المسؤولون في السويد وفنلندا غيابا لجهود موسكو في عرقلة طلبهما العضوية في الناتو.

The Washington Post:In wake of Ukraine war, U.S. and allies are hunting down Russian spies

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى