أقلام وأراء

وائل نجم – في ترسيم حدود لبنان البحريّة

وائل نجم ١٢-٢-٢٠٢٢

جولة جديدة قام بها الوسيط الأميركي، أموس هوكشتاين، في عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” على المسؤولين في لبنان، حاملاً مقترحات لم يتم الإفصاح عنها بشكل رسمي ومباشر، غير أنّها تكشّفت عن اقتراح أميركي جديد، يقوم على مبدأ فصل الحقول النفطية والغازية عن بعضها، حتى لو أدّى ذلك إلى تجاوز بعض نقاط حدودية في عملية الترسيم. بمعنى آخر، حتى لو كان خط ترسيم الحدود بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة متعرّجاً، بحيث يعطي ما يُعتبر بحكم الجغرافيا حقلاً لبنانياً للبنان، حتى لو وقع جزء منه في المياه الفلسطينية المحتلة، والعكس صحيح بالنسبة لدولة الاحتلال.

في مفهوم سيادة الدول يُعدّ ذلك بمثابة التنازل عن سيادة الدولة أو عن حقّ سياديّ من سيادتها، إذ ما معنى أن تجرى عملية مقايضة تحت أي عنوان بين قطعة أرض وقطعة أرض أخرى، أو بين مجال بحري ومجال بحري آخر بين أيّ دولتين؟ قد يكون من حقّ أيّة دولة أن تأخذ القرار السيادي الذي تراه في مصلحتها ومصلحة شعبها، وهذا ليس عيباً ولا منكراً، ولكن ذلك، وفي الحالات الطبيعية، يحتاج إلى إجراءاتٍ، ويجب أن يمرّ ضمن آلياتٍ تكون واضحةً في دستور الدولة. بمعنى آخر، إنّ أي قرار من هذا القبيل يحتاج في بعض الدول إلى تعديلٍ دستوري، لأنّ الدستور يتحدث عن حدود الدولة، أو ربما يحتاج إلى استفتاء شعبي، لأنّ الشعب في الأنظمة الديمقراطية هو صاحب الحق والسلطة والسيادة. أو ربما يحتاج إلى آليات أخرى في الحكومة وفي المجلس النيابي وما سوى ذلك، حتى يصبح نافذاً، وهذا كلّه مطلوب، إذا أخذنا بعين الاعتبار مصلحة الدولة وشعبها، وأنّه لا عداوة بين دولتين رأت كلّ منهما أنّ لها مصلحة في مثل هذه الخطوة.

غير أنّ الوضع بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي مختلف تماماً، فحالة العداء ما زالت قائمة، ودولة الاحتلال ما تزال تحتلّ جزءاً من الأراضي اللبنانية في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، فضلاً عن الخلاف وتحفّظ لبنان على بعض نقاط الحدود البرّية، ودولة الاحتلال لا تعترف أصلاً بأيّة حدود، فضلاً عن التهديدات المتتالية والمتوالية للبنان. كما أنّ لبنان ما يزال يرفض أيّ تطبيع مع دولة الاحتلال، فضلاً عن أيّة مفاوضات بينهما بشكل مباشر على أيّ من النقاط الخلافية.

الواضح أنّ السلطة في لبنان تبحث عن مورد مالي في ظل الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها البلد، والتي ترفض فيها الدول المانحة تقديم أيّ دعم مالي للبنان منها أو من صندوق النقد الدولي أو من البنك الدولي، إلّا في حال أجرى لبنان إصلاحاتٍ قانونيةً واقتصاديةً وسياسيةً وغيرها تستجيب لمطالب تلك الدول والمؤسسات أو شروطهما. بمعنى آخر، ربما وجدت السلطة في لبنان في قبول المقترح الأميركي بالخط المتعرّج فرصة للحصول على تمويل من خلال تلك الصناديق أو الدول، أو حتى من الاستثمارات التي يمكن أن تجرى في حقول النفط والغاز، وبذلك تكون وجدت السبيل للتخفيف من أعباء الأزمة الاقتصادية الضاغطة، وتالياً التي تهدّد بقاءها في السلطة، غير أنّ السلطة اللبنانية التي تبحث عن حلّ لأزماتها تتهيّب التصريح والإعلان عن قبول مقترح الخط المتعرّج، لأنّ ذلك يُدخلها في متاهة التفريط بالحق السيادي للشعب من ناحية ومسألة التطبيع مع دولة الاحتلال من ناحية ثانية، في وقت ما تزال قوى رئيسية في البلد ترفض التطبيع لاعتبارات عديدة.

ويبدو أن الوسيط الأميركي هوكشتاين الذي عدّل من مقترح سلفه فريدريك هوف الذي اقترح سابقاً اقتسام المنطقة المتنازع عليها لصالح اقتراح الخط المتعرّج يحمل رؤية أميركية يريد من خلالها إيجاد صفقةٍ ما في مسألة الحقول النفطية والغازية في البحر المتوسط، بهدف تحرير أوروبا، بشكل أساسي، من حاجتها إلى الغاز الروسي، في ظلّ إدارة أميركية ترى أن الروس باتوا يشكلون رأس حربة في مواجهة النفوذ والدور الأميركيين على المسرح الدولي. ولطالما كانت أوروبا إلى جانب الولايات المتحدة في مثل هذه المحطات، وبالتالي، سيكون تحرير أوروبا من الحاجة إلى الغاز الروسي بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحيةٍ تتأمّن لأوروبا البدائل، ومن ناحية أخرى يشتدّ وقع أي حصار على روسيا.

وبالعودة إلى لبنان، تبحث السلطة عن حلول، حتى لو كان ذلك في قراراتٍ من هذا القبيل، لا يمكنها أن تمرّر هذه القرارات بشكل سهلٍ لاعتباراتٍ تتعلّق بالتدخلات الدولية في لبنان وحجم تأثيرها من ناحية، والاعتبارات الداخلية من ناحية ثانية، وموازين القوى من ناحية ثالثة. ولذلك، هذه المرّة، قد يكون اقتراح الخط المتعرّج لحلّ مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي أقرب من الخط المستقيم، ولكنّه لا يعني أنّه مضمون النتائج.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى