أقلام وأراء

هواجس فتحاوية وملاحظات صريحة لا يجوز أن تُغضب أحدا

بقلم المحامي زياد أبو زياد *- 4/4/2021

أحاول المحافظة على نفس المسافة من القوائم الفتحاوية الثلاث رغم أني كنت أتمنى لو لم تكن هناك خلافات وانقسامات في الحركة لأنني موقن بأنه لا توجد خلافات ايديولوجية أو فكرية وراء هذه الخلافات بل دوافع واعتبارات شخصية تم تجييرها وإلباسها ثوب الخلاف الحركي. فالأخ محمد دحلان كان من المقربين من الرئيس محمود عباس وهو الذي أسند اليه منصب وزير الداخلية ومنصب مستشار الأمن القومي وهو الذي فتح أمامه الآفاق الإقليمية والدولية. فالاختلاف مع محمد دحلان ليس خلافا ً في شأن من شؤون الحركة ، وكان الأولى أن تبقى هذه الخلافات خارج نطاق الحركة لا أن تكون الحركة مطية لها ، وأن تُحل أي خلافات حركية ضمن مؤسسات الحركة ووفقا ً لنظامها الداخلي.

والأخ الدكتور ناصر القدوة لم يستقيظ صباح ذات يوم ويكتشف أن هناك خلافا ً عقائديا ً بينه وبين قيادة الحركة بل كان في صلب الحركة وعضوا ً في لجنتها المركزية. ومع ذلك فإن من الواضح أنه كان هناك نفور شخصي بينه وبين عدد من قياديي الحركة خلق لديه الانطباع بأنه لا يُحظى بالتقدير الذي يستحق ولا تُسند اليه المواقع التي يعتقد بأنه أحق بها من غيره وأن هناك نية للتنكيل بمؤسسة ياسر عرفات التي يقف على رأسسها ، وأن رأيه السياسي لا يؤخذ بالحسبان مع أنه هو أدرى بالشأن السياسي الدولي من غيره بحكم خبرته وسعة اطلاعه ، فبدأ يتذمر من طريقة إدارة الشأن السياسي رغم أنه كان عضوا في اللجنة المركزية وكانت لديه الفرصة التامة لمحاولة التأثير في مجريات الأمور من داخل القلعة. فاستقال من اللجنة المركزية في الماضي ولم تُقبل استقالته وظل يراوح مكانه الى أن جاءت الانتخابات فظن أنها يمكن أن تُشكل رافعة تعيد إليه دوره في الحركة وتضعه في مركز قوة يمكنه من مواجهة الضغوط التي تمارس عليه وعلى مؤسسته. وللحق أقول بأن د. ناصر القدوة هو قيمة وقامة وذخر للحركة لا يجوز ولا يمكن التفريط به. وأستطيع المجازفة بالقول بأن الخلاف مع الدكتور ناصر هو أيضا ً خلاف شخصي سواء معه أو مع ما يمثله باعتباره آخر من تبقى من سلالة القائد الراحل ياسر عرفات.

وأما الأخ مروان البرغوثي فهو مناضل وقائد وقع في الأسر ويشعر بالمرارة لإحساسه بأن رفاقه تخلوا عنه ولم يستغلوا الفرص التي سنحت لتحريره من الأسر ولم يعملوا ما فيه الكفاية لإطلاق سراحه. وهذا بحد ذاته يجعل الخلاف مع مروان هو خلاف شخصي لا صلة له بمباديء الحركة أو فكرها. وكل من جرب الأسر يعرف حالة الشفافية التي يعيشها الأسير والحساسية المفرطة لديه تجاه أي إحساس بالخذلان أو التخلي عنه من قبل القائد الذي أرسله الى أرض المعركة أو من قبل الأهل أو الرفاق، حتى لو كان ذلك الإحساس مبني على وهم لا صلة له بالواقع.

خلافات فتح شخصية لا صلة لها بالحركة

ما أريد قوله هو أن الخلافات التي أدت الى تقدم فتح للانتخابات بثلاث قوائم ليست خلافات فكرية أو سياسية أو أيديولوجية بل خلافات شخصية تم تحميل الحركة أوزارها. ولذلك فقد كنت وما زلت أنادي الى تصفية الخلافات الشخصية وتكريس خطاب الطمأنة وبناء الثقة وإعادة لملمة صفوف الحركة مع انه ليس من السهل لملمة صفوف حركة جماهيرية عريضة بحجم حركة فتح. وإنصافا ً للحقيقة فإن هناك إحساس لدى العديد من كوادر الحركة بأن منهج التفرد في اتخاذ القرارات هو المهيمن في رأس الهرم وأن ليست هناك شخصيات قيادية في رأس الهرم تُشكل كوابح لذلك التفرد ، وحتى إن وجد بعضها فصوتهم غير مسموع.

ولأن الاختلافات ليست حركية بل شخصية فقد اعتذرت لإحدى هذه القوائم الثلاث عن أن أكون بين مرشحيها وأوضحت بأنني أعتذر فقط لأنني لا أرغب أن أكون طرفا ً في أي صراع شخصي داخل الحركة.

وعلى صعيد آخر فقد تواصل معي الأخ القائد مروان البرغوثي في مطلع الشهر الماضي وسألني عن رأيي في الانتخابات وماذا أنصحه وقد قلت له بكل وضوح أن الانتخابات التشريعية ليست معركته وأنني أنصحه أن لا يخوضها وأن ينتظر لما هو أكبر منها في المستقبل القريب. ولكن يبدو أن ضغوطا ً مورست عليه من خارج السجن ، واستغلت حقيقة وجوده في السجن وعدم قدرته على الإلمام بكل حيثيات الأمور وأتخاذ القرار الملائم فأقحمته في هذه المعركة ، مستندة الى ما يُقال بأن أحد القرارات بقانون وضعت شروطا ً للترشح للرئاسة تحول دون ترشح مروان إن لم تكن له قائمة تتبناه في المجلس التشريعي.

وفي واقع الأمر فإن مروان ليس في أي قائمة من القوائم الإنتخابية ولذا لا يمكن تحميله مسؤولية وجود مثل تلك القائمة علما ً بأنه لا يزال هناك متسع من الوقت للانسحابات من الترشح وهذا الأمر ما زال متاحا ً أمام القائمتين الفتحاويتين المنافستين للقائمة الأم ولكن هذا الأمر يبدو مستبعدا ً اللهم إلا إذا انسحب أشخاص من القوائم ، وضمن فترة محددة قادمة.

وعلى أية حال فإنني أستطيع أن أقول بأن مشاركة ثلاث قوائم فتحاوية لا تعني بالضرورة هزيمة لحركة فتح بل ربما تكون فرصة لاستيعاب كل الألوان الفتحاوية التي لا تتفق مع أداء القيادة الحالية للحركة وبالتالي فإن عودة المكونات الثلاث الى البيت الفتحاوي بعد الانتخابات ستشكل كتلة كبيرة تليق بفتح وبرصيدها الشعبي الجماهيري، وهذا هو أمل ورغبة كل فتحاوي.

قد تكون هناك جماعات منتمية للحركة لا تتفق مع قيادتها أو تشعر بأنها لم تحظ بالاهتمام الكافي من قيادة الحركة وأنها ستعبر عن نفسها من خلال الكتلتين الآخرتين ولكنني أستطيع المجازفة والقول بأن قائمة فتح الأم ، تلك الحركة التي يترأسها الأخ محمود عباس ستبقى هي القوة الرئيسية وستحظى بالعدد الأكبر من المقاعد من بين الكتل الثلاث. فالقائمة الأم هي البيت المعنوي لأبناء الحركة وهي التي تُحظى بدعم التنظيم ، وهي موئل الشرعية الحركية الفتحاوية ، وهي التي تسيطر على مرافق السلطة بما في ذلك الأجهزة الأمنية وامتداداتها على الأرض.

ملاحظات صريحة لا تُغضب أحدا

وهنا لا بد من بعض الملاحظات التي أقولها بدافع الحرص والغيرة على الحركة.

أعتقد أولا ، أنه كان من الخطأ ترشح عدد من أعضاء اللجنة المركزية على قائمة المجلس التشريعي ، فالموقع القيادي في اللجنة المركزية هو في رأيي أهم من عضوية مجلس تشريعي محكوم بوضع شاذ لا يمكن أن نكذب على أنفسنا ونسميه دولة إضافة الى أن علينا أن ننبذ منهج الاستحواذ على كل المناصب من خلال عدد قليل من الأشخاص. فالمفروض أن يكتفي الواحد بموقع واحد وأن يترك المواقع الأخرى للآخرين تعزيزا ً لمبدأ القيادة الجماعية وتخليا ً عن مبدأ حكم الفرد الواحد الذي يحمل كل ألقاب الحكم المدني والعسكري كما هو الحال في بعض الدول العربية المجاورة.

كما أنه كان بالإمكان اختيار شخصيات أفضل ومؤهلة أكثر من العديد ممن تضمنتهم قائمة الحركة. فلدى الحركة العديد من الكفاءات الشبابية الجامعية ذات الخبرة والسمعة الحسنة لم تتح لهم الفرصة على قائمة الحركة.

والملاحظة الثانية هي أن القدس لم تحظ بتمثيل مناسب في قائمة الحركة ولم تتضمن القائمة أيا من الشخصيات المقدسية الناشطة ذات الخبرة السياسية والمؤهلة أكاديميا ً للإسهام في أداء المجلس القانوني والسياسي الذي يعتبر من أبرز ملامح مهام المجلس القادم.

والملاحظة الثالثة ، هي أنه إذا استمر الحال كما هوعليه وخاضت كل القوائم المعركة الانتخابية فإن من الواجب أن تقوم الدعاية الانتخابية على أساس البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأن تبتعد كل البعد عن التعرض لأشخاص المرشحين بالإتهامات والتجريح والتخوين والردح . وأتمنى أن تكون أمامنا معركة انتخابية أخلاقية شريفة ونظيفة.

والملاحظة الثالثة هي أن هناك أخبار بأن قائمة فتح الأم تحاول إقناع بعض القوائم الصغيرة التي لا فرصة لها باجتياز نسبة الحسم والفوز بمقاعد في التشريعي أن تنسحب. وأقول بأنه إذا صح هذا فإنني أرجو أن لا تكون هناك مقايضات بتوزيع مناصب وحقائب وامتيازات على من ينسحب من الترشح. لأن مثل ذلك هو ابتزاز من جهة وتفريط من جهة أخرى.

وفي الختام أقول ، فلتكن بوصلة الكتل الفتحاوية الثلاث هي أن رفاق الأمس لن يكونوا أعداء الغد… وأن في البيت الفتحاوي متسع للجميع … وأن التحديات التي تواجه شعبنا والتي سقط من أجلها آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين هي أكبر من أي شخص في الحركة…وأن الدم ما بصير مية…واللي شرب من بير ما بيرمي فيه حجر.

المحامي زياد أبو زياد – وزير سابق ومحرر مجلة “فلسطين- إسرائيل” الفصلية الصادرة بالإنجليزية- القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى