أقلام وأراء

هل سينجح نتنياهو في الاحتفاظ بالسلطة هذه المرة؟

سنية الحسيني ٨-٤-٢٠٢١م

بدأت الآن رحلة بنيامين نتنياهو الشاقة لتشكيل حكومة ائتلافية بقيادته، بعد تكليفه رسمياً بذلك حسب الأصول، يوم الثلاثاء الماضي، من قبل رؤوفين ريفلين الرئيس الإسرائيلي.
اختار الرئيس، الذي ستنتهي ولايته بعد أربعة شهور، نتنياهو لهذه المهمة، للمرة الخامسة على التوالي خلال ولايته، رغم إشارته إلى التهم التي تلاحق نتنياهو، حيث اعتبر أن ذلك الترشيح يتعارض مع الاعتبارات الأخلاقية.  وكانت المحكمة المركزية في القدس قد شهدت في اليوم السابق لهذا التكليف بدء مرحلة الإثباتات وتقديم الأدلة في محاكمة نتنياهو، بعد ١٦ شهرا من تقديم لائحة الاتهامات، حيث بدأت أول جلسات تلك المحاكمة في الرابع والعشرين من شهر أيار من العام الماضي. تنتظر نتنياهو هذه المرة عوائق، هي الأصعب على مدار تاريخه السياسي، تعترض مهمته في تشكيل الحكومة، فهل سينجح هذا السياسي المخضرم، في تجاوز أزمته إما بتشكيل الحكومة أو بإرغام إسرائيل على الذهاب إلى انتخابات خامسة، تضمن بقاءه على رأس السلطة حتى شهر تشرين الثاني المقبل؟ أم ستنفذ الأحزاب الأخرى وعودها بمنع الذهاب لانتخابات جديدة بأي ثمن، إما باعطائه فرصة تشكيل الحكومة أو نجاحها في تشكيلها من دونه؟  
يعطي القانون الإسرائيلي المرشح المكلف بتشكيل الحكومة ٢٨ يوماً لتشكيلها، ويمكن تمديد هذه المدة لأسبوعين اضافيين، بموافقة رئيس البلاد. يحتاج نتنياهو بالإضافة إلى ٥٢ صوتاً رجحت فرص تشكيله للحكومة، إلى تسعة أصوات إضافية، ولا يعتبر ذلك بالأمر اليسير، اذ تواجه نتنياهو عقبات جسام في سبيل تحقيق ذلك. ويدعم نتنياهو بالإضافة إلى أصوات حزب الليكود الثلاثين، جميع الأحزاب الدينية في إسرائيل (حزب شاس ويهدوت هتوراة والصهيونية الدينية)، والتي تمتلك مجتمعة ٢٢ مقعدًا في البرلمان. ويمكن أن ينضم إلى ائتلافه، كل من حزب يمينا بقيادة بينيت وحزب القائمة الموحدة بقيادة منصور عباس، حسب تصريحاتهما، ما يجعل كلاً من بينيت وعباس وبتسلئيل سنوتريتش زعيم حزب الصهيونية الدينية يتحكمون بمصير ائتلاف حكومة نتنياهو. ولا يكفي انضمام حزب يمينا وحده إلى ائتلاف نتنياهو الحكومي، لأن ذلك لن يمكنه من تجاوز عتبة الـ ٦١ مقعداً اللازمة لتشكيل الحكومة، لذلك يحتاج نتنياهو إلى التحالف مع القائمة العربية الموحدة، صاحبة الأربعة مقاعد. وتكمن المشكلة في أن تحالف نتنياهو مع منصور يهدد بخسارة تحالفه مع حزب الصهيونية الدينية، والذي يضمن له ستة مقاعد، ويرفض بشدة الانضمام إلى ائتلاف يضم حزباً عربياً، ما يجعل هذا الخيار مستبعداً أمام نتنياهو.
 وأما الخيار الثاني فيتمثل بسعي نتنياهو لإقناع عضوين على الأقل من حزب ساعر للعودة إلى الليكود، مقابل حقائب وزارية مهمة، حيث يكفي انضمام عضوين فقط لاستكمال هذا السيناريو، الا أن هذا السيناريو يبقى مستبعداً، فلم يبد أحد من حزب «أمل جديد» بعدُ استعدادَه لهذه الصفقة. هذه الحالة من التناقض ما بين حزبي اليهودية الصهيونية والقائمة الموحدة، والتي تعقد إمكانية تشكيل حكومة نتنياهو باجتماعهما معاً،  ساهم نتنياهو نفسه في ظهورها على الساحة السياسة لضرب أنداده. فقد ساهمو بظهور حزب الصهيونية الدينية ودعمه، عندما حث الأحزاب المنشقة عن الاتحاد الوطني وعوتسما يهوديت ونعوم لتشكيله. كما أن نتنياهو كان وراء التوترات التي لحقت بالقائمة المشتركة وأدت في النهاية إلى انقسامها، وظهور قائمة عباس ونجاحها.
إن عدم تحرك جدعون ساعر لدعم ترشيح لابيد في الكنيست لتشكيل الحكومة يوم الثلاثاء الماضي يثير الشك بموقفه الذي يتعارض مع تأكيداته بعدم نيته المشاركة في حكومة برئاسة نتنياهو. في المفاوضات السياسية حول تشكيل الحكومة، من المستبعد أن يظل الفرقاء على مواقفهم، فالمصالح وحدها هي التي تتحكم بالنتائج النهائية، اذ على الرغم من تأكيدات كل من ساعر رئيس حزب «أمل جديد» الذي يسيطر على ستة مقاعد في الكنيست، وبيني غايتس رئيس حزب أزرق أبيض الذي يحتكم على ثمانية مقاعد فيها، عدم نيتهما الانضمام إلى حكومة نتنياهو القادمة، الا أن غانتس قد تعهد بإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو في الانتخابات السابقة، ثم عاد وتحالف معه بعد ذلك، تماماً كما فعل عمير بيريتس الزعيم السابق لحزب العمل، والذي تعهد أيضاً باسقاط حكومة نتنياهو في السابق، ثم عاد وشارك في تلك الحكومة بعد ذلك.
ولكن ما قد يتناقض مع المقاربة السابقة هو أن مصلحة لابيد وغانتس تتجلى بإمكانية تشكيل حكومة ائتلافه، والتي اعتبرها بينيت أكثر ترجيحاً مقارنة بفرصة نتنياهو لتشكيل الحكومة، حيث يمكن أن يضم ائتلاف لابيد- بينيت أحزاب يمين الوسط واليسار، بالإضافة إلى إمكانية انضمام حزب يهودات هتوراة أيضاً اليها، خصوصاً بعد التوترات التي لحقت بعلاقته بالليكود خلال فترة الانتخابات الأخيرة. وقد عرض لابيد على بينيت، تشكيل حكومة ائتلافية بموجب اتفاق تناوب على رئاسة الحكومة، بحيث يشغل بينيت المنصب أولًا، بما يزيد من ترجيح ذلك السيناريو. ويمكن أن يتكون ائتلاف لابيد- بينيت من ٦٥ مقعداً، يضم ١٧ مقعدا لحزب يوجد مستقبل و٨ مقاعد لحزب أزرق أبيض و٧ مقاعد لحزب يمينا  ومثلها لحزب العمل ومثلها لحزب اسرائيل بيتنا و٦ مقاعد لحزب أمل جديد ومثلها لحزب ميرتس، و٧ مقاعد أخرى لحزب يهودوت هتوراة.  
صعوبات وتعقيدات كثيرة تواجه نتنياهو في مساعيه لتشكيل الحكومة، تجلت في حالة من العداء السياسي التي يواجهها من قبل أنداده على رأسهم ساعر، لرفضهم الانضمام لحكومة يقودها رئيس وزراء متهم بالفساد وتهم أخرى، هذا بالإضافة إلى حالة من عدم الثقة به، بعد انقلابه على اتفاق تناوب رئاسة الوزراء مع غانتس في الحكومة الائتلافية الأخيرة. وفي كل الحالات تبقى فرصة ائتلاف لابيد- بينيت لتشكيل الحكومة أقوى من فرص نتنياهو، ويبقى أمام نتنياهو محاولة لحفظ ماء وجهه امكانية تنازله عن تشكيل الحكومة وترشيح أحد أعضاء حزب الليكود، مقابل موافقة الكتل الانتخابية على ترشيحه لمنصب رئيس الدولة خلفا لريفلين التي ستنتهي ولايته قريباً، الا أن ذلك يتناقض مع موقفهم منه كرجل متهم بالفساد. فهل نشهد نهاية الحياة السياسية لنتنياهو قريباً؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى