أقلام وأراء

هل ستشهد إسرائيل انتخابات خامسة ؟

ماجد كيالي *- 9/4/2021

رغم تضعضع مكانة نتنياهو إلا أنه يبقى الشخص الذي يتزعم الحزب الذي يمتلك ربع مقاعد الكنيست الحالي والذي يملك القدرة على المناورة مع مختلف الأطراف أكثر من باقي منافسيه.

وصّف إبراهام بورغ (رئيس الكنيست وأحد قادة حزب العمل، سابقا) الانتخابات الإسرائيلية، التي جرت أواخر الشهر الماضي، باعتبارها “أكثر انتخابات عرفتها إسرائيل في السنوات الأخيرة ضجراً وأهمية.. مضجرة لأننا تعلمنا في المدرسة أن الانتخابات تجري كل 4 سنوات. لم يحضّرنا أحد لديمقراطية فائقة ـ تُجرى فيها 4 انتخابات خلال عامين. وشديدة الأهمية – لأن الخارطة السياسية، ولأول مرة منذ سنوات، شفافة بصورة لا مثيل لها”. (هآرتس، 2021/3/21) بيد أن إسرائيل تقف اليوم على عتبة الذهاب نحو انتخابات أخرى، خامسة، لاسيما مع إعلان الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين تكليف بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء وزعيم حزب “ليكود”، المتهم بالفساد (تزوير ورشوة وخيانة الأمانة) بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لحيازة حزبه على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، ولأنه حاز على توصيات من أكبر عدد من الأحزاب.

وكانت الانتخابات الإسرائيلية لـ”الكنيست 24 مارس الماضي” هي الرابعة من نوعها خلال العامين السابقين (في أبريل وسبتمبر لعام 2019، وفي مارس للعامين 2020 و2021). بيد أن اللافت في تلك التي جرت مؤخرا، أنها كانت مملّة (كما قال بورغ)، وأنها لم تحظ باهتمام دولي أو إقليمي، على نحو ما كان يجري سابقا، إضافة إلى أنها لم تكن ذات دلالات بالنسبة إلى السياسة الخارجية، بالنظر لهيمنة اليمين (القومي والديني) على السياسة الإسرائيلية، بحكم انحسار مكانة اليسار أو يسار الوسط في المجتمع الإسرائيلي، منذ عقدين. أما موضوعاتها فقد تمحورت حول سلوك نتنياهو، المتهم بالفساد، مع موضوعات داخلية أخرى مثل الصراع بين العلمانيين والمتدينين، والقضايا الاقتصادية والمعيشية.

ومعلوم أن مسلسل الانتخابات الأربعة بدأ مع حلّ حكومة بنيامين نتنياهو (ديسمبر 2018) بسبب الخلافات داخل الائتلاف الحكومي، وكان بطل تلك اللحظة أفيغدور ليبرمان (زعيم حزب إسرائيل بيتنا لليهود الروس)، إلا أن نتائج الانتخابات الثلاثة التالية، التي جرت على التوالي في أبريل 2019، ثم في سبتمبر 2019، وبعدها في مارس 2020، لم تمكن نتنياهو من تأمين أغلبية مريحة لائتلاف يميني صرف بقيادته، يمنحه استقرارا حكوميا، يمكنه من إنهاء ولايته (أربعة أعوام)، ويسهّل له استصدار قانون يجنّبه أو يحصّنه من محاكمة بتهم الفساد الموجهة له رسمياً، وهو الأمر الذي يتكرر اليوم للمرة الرابعة.

وقد يجدر التذكير هنا بأن نتنياهو بات بمكانة رئيس الحكومة الأطول في هذا المنصب، حتى إزاء دافيد بن غوريون، الزعيم الإسرائيلي، المؤسس، والأشهر، وأول رئيس لحكومات إسرائيل، إذ تسلم نتنياهو هذا المنصب في حقبتين، الأولى في منتصف التسعينات (1996 – 1999)، والثانية، منذ عام 2009، بمجموع قدره 15 عاما (مقابل 13 عاما لبن غوريون)، شكل خلالها الحكومة سبع مرات (حتى الآن).

“ما يجري لا يدل على تضعضع استقرار إسرائيل على ما يعتقد البعض، وإنما يدل على استقرار نظامها السياسي، بدليل قدرتها على تنظيم انتخابات المرة تلو المرة “.

ما يعزز احتمال التوجه نحو انتخابات جديدة قريبا حقيقةُ أن نتائج الانتخابات لم تختلف كثيرا عن سابقاتها، سواء لجهة انزياح المجتمع الإسرائيلي لصالح قوى اليمين القومي والديني، أو لجهة حصول حزب ليكود بزعامة نتنياهو على ربع عدد مقاعد الكنيست، كما لجهة بروز منافسين يمينيين (ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، ونفتالي بينيت زعيم حزب “يميناه”، وجدعون ساعر زعيم حزب “أمل جديد”)، ما يصعّب على نتنياهو تشكيل ائتلاف حكومي، أو الحصول على ائتلاف مستقر، ووجود منافس آخر هو يائير ليبيد زعيم حزب “يوجد مستقبل” المحسوب على تيار الوسط (17 مقعدا). ففي تلك الانتخابات لم تستطع كتلة اليمين القومي والديني المتمحورة حول نتنياهو الوصول إلى حد الـ61 مقعدا، إذ تراجعت حصة ليكود من مقاعد الكنيست من 36 مقعدا في الكنيست السابق إلى 30 مقعدا في الكنيست الحالي، على رغم أن أحزاب كتلة اليمين حصلت على 72 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، في حين كانت حصلت في انتخابات أبريل (2019) على 60 مقعدا، وفي سبتمبر (2019) على 63 مقعداً، وفي مارس (2020) على 65 مقعدا، لكن مع وجود منافسين من الكتلة اليمينية باتت حظوظ نتنياهو بالاستمرار بولايته صعبة.

وتضم أحزاب الكتلة اليمينية (القومية والدينية) كل من: ليكود، شاس (لليهود الشرقيين)، يهوديت هاتوراه (لليهود الغربيين)، يميناه (قومي ديني)، إسرائيل بيتنا (لليهود الروس)، الصهيونية المتطرفة، أمل جديد (منشق عن ليكود)، وقد حازت كلها على 72 مقعدا، في حين تضم أحزاب الوسط ويسار الوسط كلاّ من: يوجد مستقبل، أزرق أبيض، العمل، ميريتس (38 مقعدا)، وثمة 10 مقاعد للقائمتين العربيتين.

بيد أنه ورغم تضعضع مكانة نتنياهو إلا أنه يبقى كالشخص الذي يتزعم الحزب الذي يمتلك ربع مقاعد الكنيست الحالي، والذي يملك القدرة على المناورة مع مختلف الأطراف، أكثر من غيره، من منافسيه، لاسيما أن كل واحد من تلك الأطراف مازال يحرص على تجنب الاستناد إلى أصوات العرب لتعزيز مكانته إزاء الآخرين، في محاولة لتجنب تجربة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، الذي تمكن من تشكيل الحكومة في أوائل التسعينات بالاعتماد على الصوت العربي، وضمنه في التصويت وقتها على اتفاق أوسلو (1993).

هكذا، ووفقا لتلك المعطيات، وتبعا للتجارب الثلاث الماضية، يبدو من الصعب على نتنياهو تشكيل حكومة جديدة، وربما الاحتمال الأكبر هو التوجه نحو انتخابات جديدة (خامسة) للكنيست.

أما عن السيناريوهات التي يمكن أن تحدث فرقا، أو تغييرا سياسيا في إسرائيل، وفي المعادلات الحزبية القائمة حاليا، فهي يمكن أن تنجم، على الأرجح، عن أحد الاحتمالات الثلاثة الآتية: أولا، إخراج نتنياهو من حزبه ليكود، أو تقديمه للمحاكمة، نتيجة الاتهامات الموجهة له، أو بإيجاد مخرج له عبر ترشيحه إلى منصب رئيس الدولة (بحسب التسريبات الجارية مؤخرا) لتحصينه من أي اتهامات ومحاكمات. ثانيا، تغيير كل من حزبي “يميناه” و”إسرائيل بيتنا” لنمط تحالفاتهما، سواء لصالح ليكود أو لصالح حزب أزرق ـ أبيض، مع علمنا أن فشل نتنياهو، سواء في المرة الأولى أو في الثانية، إنما يعود إلى سبب بسيط مفاده أن حزب “إسرائيل بيتنا” كان يضع فيتو على المشاركة في حكومة تتواجد فيها الأحزاب الدينية (شاس مع 9 مقاعد، ويهوديت هاتوراه مع 7 مقاعد)، ويصر على تشكيل حكومة “وحدة وطنية”، من الحزبين الكبيرين والأحزاب القومية اليمينية، أي من دون الأحزاب الدينية ومن دون العرب. ثالثا، تغيير النظام الانتخابي، واستعادة فكرة انتخاب رئيس الحكومة عبر صناديق الاقتراع مباشرة، وهو ما دعا إليه نتنياهو ذاته مؤخرا. رابعا، وتتعلق بأن الاحتمالية الوحيدة لتمكين يائير ليبيد من تشكيل حكومة تكمن في انحياز حزبي “يميناه” و”إسرائيل بيتنا” (13 مقعدا للإثنين) لتحالف يضم كلاّ من أحزاب “يوجد مستقبل” و”العمل” و”ميريتس” (38 مقعدا)، لكن مشكلة هذا الائتلاف أنه يحتاج أصوات أعضاء الكنيست العرب (10 مقاعد) الأمر الذي يبدو غير مقبول بالمرة من الأحزاب اليمينية.

لهذه الأسباب كلها يبدو أن إسرائيل ستتجه في كل الأحوال نحو تنظيم انتخابات جديدة للكنيست، إذ حتى لو تم تشكيل حكومة، فهي لن تستمر إلا لفترة مؤقتة، لكن ما يجري لا يدل على تضعضع استقرار إسرائيل على ما يعتقد البعض، وإنما يدل على استقرار نظامها السياسي، بدليل قدرتها على تنظيم انتخابات المرة تلو المرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى