أقلام وأراء

هل تسعى إسرائيل لتقويض مفاوضات فيينا النووية ؟

هشام ملحم *- 13/4/2021

قبل أيام من استئناف الأسبوع الثاني من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا، والتي تشارك فيها جميع الأطراف الموقعة على اتفاق 2015، فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا، وبعد أيام من إعلان واشنطن عن استعدادها لإلغاء بعض العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي “تتعارض” مع اتفاق 2015، وهو إعلان تزامن تقريبا مع إفراج إيران عن ناقلة نفط كورية جنوبية احتجزتها طهران لإرغام سيول على الإفراج عن 7 مليارات دولار من العائدات الإيرانية التي جمدتها كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على الأطراف التي تتعامل اقتصاديا مع إيران، تعرضت المنشأة النووية الإيرانية في نطنز لتفجير يعتقد أن مصدره إلكتروني وأدى إلى خراب كبير وفق التقارير الصحفية الأولية. وتزامن التفجير مع وصول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى إسرائيل.

المسؤولون الإيرانيون لم يكشفوا طبيعة الأضرار التي أدت إلى قطع التيار الكهربائي عن المنشأة، ولكن رئيس وكالة الطاقة النووية الإيرانية، علي أكبر صالحي، وصف الهجوم بأنه “إرهاب نووي” في إشارة ضمنية إلى إسرائيل. وتقوم إسرائيل منذ سنوات بشنّ هجمات إلكترونية ضد المنشآت النووية الإيرانية، بما فيها استهداف نطنز في 2010 عندما استخدمت فيروس إلكتروني عرف باسم Stuxnet طورته بالتعاون مع الولايات المتحدة، ودمرت حوالي ألف جهاز طرد مركزي وتسببت بنكسة كبيرة لبرنامج إيران النووي. كما شنّت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حملة اغتيالات للعلماء النوويين الإيرانيين كان آخرهم العالم البارز محسن فخري زاده، في نوفمبر 2020.

المسؤولون الإيرانيون ألمحوا إلى أن المسؤولين عن التفجير في نظنز يهدفون إلى عرقلة المفاوضات في فيينا. وسائل الإعلام الإسرائيلية نسبت إلى من وصفتهم بمصادر في الاستخبارات الغربية قولهم إن جهاز الموساد الإسرائيلي هو الذي شنّ الهجوم الإلكتروني ضد نطنز. المسؤولون الإسرائيليون، امتنعوا عن التعليق على الهجوم، وهو ما فعله المسؤولون في مجلس الأمن القومي الأميركي.

ونسبت صحيفة نيويورك تايمز إلى مسؤولين استخباراتيين قولهم إن التفجير الكبير تسبب بأضرار كبيرة بما فيها تدمير الجهاز الخاص الداخلي بتوليد الطاقة التي تسيّر أجهزة الطرد المركزي وتخصّب اليورانيوم. وأضاف المسؤولون أن التفجير ألحق أضرارا فادحة بقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم في المنشأة، وأن عملية إصلاح الأضرار واستئناف التخصيب قد تستغرق تسعة أشهر. وإذا كان هذا التقويم الأولي للأضرار صحيحا، فهذا يمثل نكسة لموقف إيران التفاوضي في فيينا، خاصة في ضوء انتهاكاتها لبنود اتفاق 2015 في السنتين الماضيتين، في مجالي كمية ونوعية تخصيب اليورانيوم التي فاقت بكثير النسب التي يسمح بها الاتفاق النووي، وفي مجال صناعة أجهزة الطرد المركزي المتطورة.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأميركي أوستن، “طهران اليوم تشكل خطرا استراتيجيا على العالم. وسوف نعمل مع حليفنا الولايات المتحدة لضمان أن يؤدي أي اتفاق نووي مع إيران) إلى حماية المصالح الحيوية للمجتمع الدولي، وأن يمنع أي سباق تسلح (نووي) وأن يساهم في أمن إسرائيل”.

ويأتي تفجير نطنز على خلفية تصعيد الهجمات التي تشنها إسرائيل ضد أهداف إيرانية مختلفة، كان آخرها استهداف سفينة يملكها الحرس الثوري الإيراني في مياه البحر الأحمر وقرب السواحل اليمنية والسعودية، في هجوم قال مسؤولون أميركيون إنه يهدف إلى عرقلة مفاوضات فيينا التي بدأت في اليوم ذاته، وفقا لصحيفة وال ستريت جورنال. وكانت الصحيفة ذاتها قد كشفت في الشهر الماضي أن إسرائيل تقوم منذ 18 شهرا بمهاجمة السفن الإيرانية التي تنقل النفط والأسلحة إلى سوريا.

هل يعني تزامن تفجير نطنز مع وصول وزير الدفاع الأميركي إلى إسرائيل، أن حكومة بنيامين نتانياهو أعلمت واشنطن مسبقا بالهجوم؟ لا توجد أي مؤشرات تؤكد مثل هذا التساؤل، بل يمكن القول إن خطوات واشنطن، وحتى إيران تبين رغبة الطرفين، المشروطة بالطبع، وتعليقاتهم الأولية على مضمون ونبرة مفاوضات الأسبوع الماضي، أنهما يرغبان بخلق الأجواء التي تؤدي إلى تخطي المفاوضات غير المباشرة في فيينا، إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران. ويمكن في هذا السياق وضع إعلان واشنطن عن استعدادها لإلغاء العقوبات التي فرضها الرئيس السابق ترامب ضد إيران والتي تتعارض مع الاتفاق النووي، وإفراج إيران عن ناقلة النفط الكورية الجنوبية واعتبارها خطوات تعبر عن النوايا الحسنة.

الرئيس بايدن، يدرك تماما عمق معارضة إسرائيل، وتحديدا رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو للاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما- بايدن مع إيران في سياق مفاوضات الخمسة زائد واحد عام 2015، وكيف استغل نتانياهو علاقاته القوية بالحزب الجمهوري الذي كان يسيطر آنذاك على الكونغرس والذي وفّر منبر الكونغرس لنتانياهو لكي يهاجم أي اتفاق نووي مع إيران يؤدي إلى رفع العقوبات عنها. وكان نتانياهو قد رحب بقرار الرئيس السابق ترامب الانسحاب من الاتفاق في 2018، وإعادة فرض العقوبات التي ألغاها أوباما بعد توقيع الاتفاق، والتي زاد عليها ترامب أكثر من 1500 عقوبة شملت مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية والمالية في إيران، بما فيها فرض العقوبات ضد المصرف المركزي الإيراني، والحرس الثوري، وغيرها من العقوبات التي كانت تهدف كما قال المسؤولون في إدارة ترامب إلى منع أي حكومة ديموقراطية في المستقبل من استئناف المفاوضات النووية مع إيران.

وتبين بعض قرارات وإجراءات بايدن في الشرق الأوسط أن العلاقات الأميركية –الإسرائيلية سوف تدخل في مرحلة فاترة، مقارنة بالعلاقات الودية والحميمة بين ترامب ونتانياهو، وهي إضافة إلى استئناف المفاوضات النووية مع إيران، استئناف الاتصالات السياسية مع الفلسطينيين واستئناف المساعدات المالية لهم، وتعليق صفقات الأسلحة للسعودية، ولدولة الإمارات العربية المتحدة التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بتشجيع من الرئيس ترامب. ويعتبر إحياء وتطوير الاتفاق النووي مع إيران ليشمل برنامجها الصاروخي، وسلوكها التخريبي في المنطقة، إضافة إلى إنهاء حرب اليمن، من أبرز أولويات بايدن في الشرق الأوسط.

من المؤكد أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن سوف يناقش هجوم نطنز مع بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع غانتس، ولكن ما هو غير مؤكد وغير معروف في هذا الوقت المبكر، هو كيف سيؤثر تفجير نطنز على موقف طهران من مفاوضات فيينا.

*كاتب وصحفي يغطي الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى