شوؤن دولية

هل تتفادى أميركا والصّين الحرب قبل 2030؟

جورج عيسى *- 5/6/2021

لا يبدو مجيء جو بايدن إلى الرئاسة الأميركيّة علامة إيجابيّة بالنسبة إلى العلاقات الأميركيّة – الصينيّة. خلال الحملات الانتخابية، اتّهم الجمهوريّون بايدن بأنّه ضعيف تجاه الصين بسبب علاقات العمل التي “تدبّرها” لابنه هناك حين كان نائباً للرئيس. حتى ولو كانت تلك الاتّهامات صحيحة، فالعلاقات الصينيّة – الأميركيّة أكثر تعقيداً من أيّ روابط شخصيّة محتملة بين رئيسي البلدين. بإمكان العلاقات الأميركيّة – الروسيّة في ولاية ترامب أن تقدّم مرآة عن تلك التي تجمع الولايات المتحدة والصين اليوم.

قيل الكثير عن اختراق روسيّ لحملة ترامب، وعن امتلاك موسكو معلومات يمكن أن تقوّض من خلالها مسيرة الرئيس، وبالتالي الرئاسة الأميركيّة. انتهى الأمر بأن شهدت الدولتان توتّرات هي الأسوأ منذ نهاية الحرب الباردة، باعتراف المسؤولين في واشنطن وموسكو معاً. أشاد ترامب كثيراً بنظيره فلاديمير بوتين، لكنّ ذلك لم يمنع تبادل العقوبات وطرد الدبلوماسيّين بين الدولتين. فالعلاقات بين الدول أكبر من مجرّد نظرة عامّة متبادلة بين رؤسائها. وهذا ما ينطبق أيضاً على علاقة واشنطن ببيجينغ.

علاوة على ذلك، تغيّر العالم كثيراً منذ نهاية ولاية أوباما. مع صعود الصين السياسيّ والاقتصاديّ بالتزامن مع ضعف نسبيّ، ولو موقّتاً، للولايات المتّحدة، ظهر خصوصاً في تعاملها مع جائحة “كورونا” وحوادث السادس من يناير (كانون الثاني)، تقترب الدولتان من الاصطدام الكبير. واللافت أنّ هناك العديد من بؤر التوتّر التي يمكنها أن تشعل الصراع بأسرع ممّا يتوقّع العالم:

“كورونا”… عود على بدء

عاودت نظريّة “التسرّب المخبريّ” من “معهد ووهان لعلوم الفيروسات” الانتشار بشدّة في الأسابيع القليلة الماضية. كان العالم قد ظنّ أنّ تلك الفرضيّة مجرّد نظريّة مؤامراتيّة روّجها جمهوريّون ومؤيّدون لترامب كي يبرّروا إخفاق بلادهم في مواجهة الجائحة. في بداية عهدها، أمرت الإدارة الجديدة بإغلاق التحقيقات التي أطلقتها الإدارة السابقة حول الموضوع. انقلب المشهد مع إعادة توجيه بايدن أوامره للمجتمع الأمنيّ الأميركيّ كي يتوسّع في التحقيقات بناءً على معلومات استخباريّة جديدة تظهر أنّ ثلاثة خبراء في ذلك المعهد عانوا عوارض مرضيّة شديدة شبيهة بعوارض “كورونا” في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. إنّ توجيه واشنطن أصابع الاتّهام إلى بيجينغ بأنّها تجاهلت أو تساهلت في الإجراءات الأمنيّة أو طمست الحقيقة، سيؤدّي إلى الإضرار بصورة الصين الدوليّة. وهذا ما قد لا تقبل به بيجينغ، خصوصاً أنّ هناك نظرة سلبيّة متزايدة تجاه الصين، في الولايات المتحدة والعالم على حدّ سواء.

أخطر بؤرة توتّر

إذا تمكّن البلدان من تخطّي ملفّ مصدر “كورونا” من دون إيصال التوتّر إلى حدود خطرة، فقد لا يسعف الحظ الطرفين للتراجع عن الحرب في الوقت المناسب، بسبب جزيرة تايوان التي تصبح “أخطر بؤرة اشتعال في العالم” بحسب تحليل البعض. منذ سنة 2016، ازدادت التوتّرات بين الصين وتايوان مع انتخاب الأخيرة تساي إينغ – وين رئيسة للجزيرة ممثّلة الحزب التقدّمي الديموقراطيّ الذي يميل إلى إعلان الاستقلال عن الصين. ورفضت تساي سنة 2019 مبدأ “دولة واحدة بنظامين” الذي تقدّمت به بيجينغ من أجل إعادة توحيد الجزيرة بالبرّ الرئيسيّ. واقترح الزعيم الصيني السابق دينغ شياو بينغ هذا المبدأ الذي يعترف بالسيادة الصينيّة على البرّ الرئيسيّ والجزيرة ويأخذ بالاعتبار الظروف الخاصّة بتايوان، حيث يحقّ لسكّان الجزيرة الاحتفاظ بنمط العيش والإنتاج الرأسماليّين، بينما يمارس البرّ الرئيسيّ النظام الاشتراكيّ. وفي 2004، أقرّت الصين قانوناً مناهضاً للانفصال ينصّ على حقّ الصين باستخدام “وسائل غير سلمية” ضدّ تايوان إذا حاولت “الانفصال” عن الصين. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، أرسلت واشنطن أرفع مسؤول في وزارة الخارجيّة خلال عقود إلى الجزيرة. انتقدت بيجينغ اللقاء بشدّة وأجرت تدريبات بالذخيرة الحيّة في الممرّ المائيّ الذي يفصل البرّ الرئيسيّ عن تايوان.

العقائد

قد تكون تايوان السبب المباشر الذي يشعل فتيل الحرب بين الجبّارين. لكنّ السبب غير المباشر أو الإطار العام المحفّز للصراع يكمن في النظرة الأيديولوجية المتبادلة بين الطرفين. منذ نهاية الحرب الباردة، ظنّ الأميركيّون أنّ الديموقراطيّة والنموّ الاقتصاديّ متلازمان، وأنّه لا يمكن لأيّ دولة الازدهار ما دامت غير ديموقراطيّة. هذا المعتقد كان أساسه إلى حدّ كبير الأفكار الواردة في كتاب “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” لفرنسيس فوكوياما. برزت الصين عملاقاً اقتصاديّاً متصاعداً على الرغم من أنّها دولة الحزب الواحد. وها هي الولايات المتحدة، كرأسماليّة ليبراليّة، تشعر بالنموّ السريع لرأسماليّة الدولة، بحيث قد تسبقها نهاية العقد الحاليّ. بالمقابل، يقارب الصينيّون مسار الولايات المتّحدة من جهة كونه مساراً تنازليّاً مبنيّاً على “حتميّة تاريخيّة”. كلّ مظاهر ضمور القوّة الأميركيّة من الاستقطاب الاجتماعيّ الحادّ، مروراً بتحوّل السياسات الداخليّة إلى استعراضات للتسلية، وصولاً إلى تراجع الاستثمارات الفدراليّة في البنى التحتيّة والتكنولوجيا، هي مظاهر انحطاط لا رجوع عنه للدولة الأميركيّة، أو هكذا يراها الصينيّون. في ظلّ هذا الصراع الفكريّ، تحظى الدولتان بالعديد من العوامل القابلة لإشعال فتيل الحرب بناءً على خوف الأميركيّين من حلول الصينيّين محلّهم خلال السنوات القليلة المقبلة، أو بناءً على رغبة صينيّة بـ”تسريع مسار التاريخ”.

“عقد العيش بخطر”… مقترحات للحلّ

على الرغم من كلّ هذه الاعتبارات وغيرها، اقترح رئيس الوزراء الأستراليّ السابق كيفن رود في مجلّة “فورين أفيرز” إيجاد إطار لإدارة التنافس الاستراتيجيّ من أجل منع الحرب. يعتقد أنّ العقد الحاليّ هو “عقد العيش بخطر”، حيث لا بديل للدولتين من الاعتراف بأهمية إدارة التنافس من دون خرق الخطوط الحمراء لكلّ منهما. ويطالب رود بامتناع كلا الطرفين عن شنّ هجمات سيبيرانية متبادلة، وعودة واشنطن إلى احترام سياسة “الصين الواحدة” بصرامة، خصوصاً عبر وقف الزيارات الرسميّة الرفيعة المستوى “الاستفزازية وغير الضرورية” إلى تايبيه. وطلب من الصين أيضاً وقف نمطها “الاستفزازيّ” من التدريبات العسكرية في مضيق تايوان، ووقف عسكرة أي جزيرة إضافية في بحر الصين الجنوبي، واحترام حرية الملاحة بما يمكّن واشنطن وحلفاءها من تخفيف عمليّاتهم العسكريّة في ذلك البحر.

وتابع رود أنّ الدولتين ستظلّان متمتّعتين بإمكانية الوصول المتبادل الى أسواقهما تحت طائلة فرض عقوبات على الطرف الذي ينتهك هذا الحقّ، إضافة إلى حقوق التنافس حول أسواق الاستثمارات والتكنولوجيا والرساميل، وحقّ الترويج لنموذجيهما في الحكم. وكما حصل إبّان الحرب الباردة، بإمكان واشنطن والصين أيضاً إيجاد مواضيع ذات اهتمام مشترك، مثل حظر الانتشار النوويّ، ووضع آليّة لتطوير الذكاء الاصطناعيّ العسكريّ، والتعاون بشأن البرامج النوويّة في كوريا الشماليّة وإيران. ويساعد تنسيق جهودهما لمواجهة الكوارث الطبيعيّة في إعادة بناء الثقة تدريجياً. يعتقد رود أنّ نجاح إدارة التنافس سيتظهّر جزئياً في 2030 إذا تفادى الطرفان حرباً في مضيق تايوان، أو هجوماً سيبيرانيّاً أو نجحا في تنسيق جهودهما لمواجهة الجائحة المقبلة.

المؤشّرات غير مشجّعة

لغاية اليوم، لا يبدو أنّ هناك تطوّراً إيجابيّاً في العلاقات الثنائيّة. على العكس من ذلك، ثمّة إيحاء بأنّ بايدن مستمرّ في بعض سياسات سلفه تجاه الصين، إن لم يكن ذاهباً إلى التصعيد أكثر. وهذا ما حصل عبر توقيعه منذ ساعات قليلة على أمر تنفيذيّ يحظّر على الأميركيّين امتلاك أو تداول أي أوراق ماليّة مرتبطة بـ59 شركة صينيّة. علماً أنّ لائحة الحظر التي أطلقها ترامب قبل أن يمدّد بايدن مفعولها كانت ترتبط بالتعامل مع 31 شركة صينية فقط. وأوضح البيت الأبيض أنّ تمديد الحظر وتوسيعه مردّه إلى “التهديدات غير الطبيعية والخارجة عن المألوف” التي تفرضها تكنولوجيا المراقبة الصينيّة.

وفي آذار (مارس)، قال بايدن إنّه لن يسمح في ولايته بأن تتخطّى الصين الولايات المتحدة من حيث النموّ الاقتصاديّ والقوّة العسكريّة، مضيفاً أنّه لا يسعى إلى المواجهة لكن بشرط التزام بيجينغ التنافس العادل والقوانين الدولية وحقوق الإنسان. وتحدّث عن أنّه من خلال إمضاء ساعات من الوقت كنائب لأوباما مع الرئيس الصينيّ شي جينبينغ، كوّن فكرة بأنّ شي مقتنع بكون الأوتوقراطيّة، لا الديموقراطيّة، هي مفتاح المستقبل. وبطبيعة الحال، لم تساعد الصين كثيراً في فتح صفحة جديدة مع الإدارة الحاليّة مع الأسلوب الخشن الذي تحدّث به ممثّلاها مع الأميركيّين خلال اجتماع أنكوراج الشهير في ألاسكا منذ أكثر من شهرين. قد يكون هناك المزيد من الوقت أمام الطرفين لاستدراك مسارهما نحو الاصطدام خلال السنوات القليلة المقبلة. لكنّ المؤشّرات الحاليّة غير مشجّعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى