شؤون إسرائيلية

هشام نفاع يكتب قضية التجسس المرتبطة بالشركة الإسرائيلية NSO : علم أسود !

عيدان رينغ (*) هشام نفاع *- 26/7/2021

تم نشر ما عُرف كـ “مشروع بيغاسوس” (1) بالتزامن في 17 وسيلة إعلام حول العالم. فقد كشفت منظمة العفو الدولية ومنظمة Forbidden Stories 

(قصص محظورة) أن هواتف حوالي 180 صحافياً وناشطاً في مجال حقوق الإنسان ونشطاء مناهضين للنظام في بلدانهم في جميع أنحاء العالم قد تم اختراقها باستخدام تكنولوجيا شركة NSO للتجسس والسايبر الإسرائيلية. وفقاً للنشر، شمل الاستخدام نشطاء في الهند والمملكة العربية السعودية والمكسيك والمجر (هنغاريا) وأذربيجان والإمارات العربية المتحدة وغيرها، حيث تم استخدام برنامج القرصنة “Pegasus” الخاص بشركة NSO لأغراض شملت التعقب والردع والمضايقة وفي بعض الحالات، وفقاً للاشتباه، تم استخدامه حتى القتل.

تفاصيل التحقيق مروعة ومخيفة، لكنها لا تختلف كثيراً في جوهرها عن تحقيق “نيويورك تايمز” الذي نُشر في وقت مبكر من العام 2017، والذي كشف كيف اخترق برنامج NSO أجهزة اتصال الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان الذين يعملون ضد الفساد الحكومي في بلادهم. في إثر ذلك التحقيق، كتبتُ هنا، في موقع “العين السابعة”، عن التعامل الذي انتهجته معظم وسائل الإعلام مع شركات سايبر مثل NSO. ففي حين يستخدم زبائنهم المثيرون للريبة المنتجات التي تطورها وتبيعها بملايين الدولارات لإيذاء الأبرياء وقمعهم، تتجاهل وسائل الإعلام ذلك بل حتى تكيل لها الإطراءات.

لقد تغير الكثير في السنوات الأربع التي مرّت منذ ذلك الحين. تحولت NSO من محبوبة الزوايا والأعمدة الصحافية التي تتناول التكنولوجيا المتقدمة (الهايتك) الى اسم مثير للجدل مرتبط بالأنشطة الإشكالية، وباتت تواجه التحقيقات والنقد الدولي التي تحيط العالم بنطاقها واتساعها. ومرة أخرى استيقظنا على عناوين الصحف في صحيفتي “يديعوت أحرونوت” و”هآرتس” حول النشاط الإجرامي لزبائن NSO، والتي ما زالت تنكر وتدّعي السذاجة بشأن عواقب أعمالها.

لكن التغيير الذي يلوح في الأجواء لا يعفي الإعلام الإسرائيلي من ضرورة إجراء حساب نفس وفحص داخلي. فقبل حوالي عام واحد تقريباً، في خضم وباء كورونا، أعطت “يديعوت أحرونوت” منبراً محترماً لـ “عمود تعليق” احتفالي من قبل الرئيس التنفيذي لشركة NSO شاليف خوليو، الذي كتب بحماس كبير لصالح توسيع سياسة الملاحقات الحكومية للحد من وباء كورونا. مع أو بدون علاقة لذلك، انطلقت مبادرة مجنونة من نفتالي بينيت (للتذكير: رئيس الحكومة الحالي) واقترحت أن تقوم NSO بتطوير تطبيق حكومي متسلّل ومتطفل من شأنه تحديد وتحليل طرق العدوى ومنع انتشار الوباء.

على الرغم من عمليات الكشف والتحقيقات الآخذة بالتراكم في الصحافة العالمية، وهنا في إسرائيل أيضاً، نلاحظ أنه لدى مراسلي مواضيع التكنولوجيا الناقدين مثل أميتاي زيف وعومر كبير وعوديد يارون، ما زال منتجو السايبر الهجومي يحظون بعلاقات عامة حكومية وتجارية وينظر إليهم على أنهم متألقون ومطلوبون، وليس كمصدري سلاح يمسون بالديمقراطية على نحو تام. هذه في الحقيقة ليست مجرد قصة شركة NSO. فهناك شركات إسرائيلية مثل سلبرايت وكنديرو وفريانت، تعمل في السوق نفسها. وتعمل شركات العلاقات العامة والتسويق التي يوظفونها بقوّة كي يحصل ذلك ويتحقق النجاح. ومؤخراً، بث الإعلامي غاي بينيس عبر برنامجه في “كيشت” فقرة مليئة بالإطراء والتحمّس حول الإجازة الصيفية المرموقة والمريحة التي حصل عليها موظفو NSO.

على الرغم من أنه كان واضحاً منذ فترة طويلة أن NSO وسلبرايت وكنديرو وما شابه ذلك من شركات، تبيع تقنيات متقدمة تُستخدم باستمرار وعلى نطاق واسع لانتهاك حقوق الإنسان واضطهاد الصحافيين في أكثر الأماكن سوءاً في العالم – المكسيك، على سبيل المثال، هي أخطر مكان في العالم بالنسبة للصحافيين اليوم – فإن المعاملة الحكومية والعامة لها ما زالت محتضنة وداعمة. اسألوا المحامي إيتاي ماك، الناشط الذي يقود بمفرده تقريباً النضال الجماهيري ضد استمرار ترخيص تصدير الأسلحة الممنوح لشركات السايبر هذه. فقد تم رفض الالتماسات القضائية التي قدمها بدون أية شفافية لائقة ولا نقاش عام، من خلال حجج تتيح الترخيص المستمر لبيع تقنيات إسرائيلية متقدمة لدول تمس بحقوق الإنسان.

إذا كانت الكشوفات الجديدة في الصحف الكبرى في العالم تثير اهتمام الجمهور حقاً، وإذا كان أعضاء الحكومة والكنيست مهتمين حقاً بـ “مكانة إسرائيل في العالم” والتورط الإسرائيلي في انتهاكات حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية في الدول النامية، فإنه لم يعد بإمكاننا تجاهل مساهمتنا الكبيرة كلنا في تطوير هذه التقنيات الخبيثة. هذه المعرفة تأتي وتنمو من الوحدة العسكرية 8200 وخريجيها (2). هذه معرفة تم تطويرها بشكل أساس من خلال ميزانيات الأمن الإسرائيلية ولأغراض مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن الإسرائيلي. من نواح كثيرة، هذه المعرفة هي ملك للجمهور.

لا يمكن أن تبدأ المناقشة والتغطية الإعلامية لمساهمة إسرائيل في انتهاكات حقوق الإنسان وأن تنتهي بعناوين كبيرة في أقسام الشؤون الخارجية أو التكنولوجيا، أو في مقال صاخب بقلم (المحلل الأمني) رونين بيرغمان في ملحق الجمعة للصحيفة. إنها ليست مجرد مسألة جشع وتنصل من المسؤولية لمبادرين تجاريين من خريجي وحدة 8200 بل هي منظومة كاملة، ذات جوانب أمنية وتنظيمية- قانونية وعامة، تشجع وتعزز هذا “النظام البيئي” السام والمسيء هنا في إسرائيل.

كثر الحديث في وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، عن المهرجان المالي الوفير لصناعات التكنولوجيا المتقدمة والانقطاع عن معظم مواطني إسرائيل. إذن ماذا سنقول عن انقطاع الصناعة السيبرانية الهجومية عن الجمهور؟ أجور ضخمة ومدخولات خيالية على حساب الإضرار بنشطاء حقوق الإنسان والصحافيين في دول تقع في أسفل سلم التنمية العالمي. منذ متى أصبحت هذه الصناعة والممارسة وجهة مرغوبة ومرموقة؟ هل هذه هي الصناعة التي نفخر بها؟

وفي السياق ذاته، يجدر التذكير بقضية ضابط المخابرات الذي توفي في السجن العسكري والتي تفجرت أخيراً، وكادت تختفي من جدول الأعمال العام. إنها تفيض بالعديد من الأسئلة في هذا السياق ولربما أنها خرجت أيضاً من نفس المكان. لقد ركز الخطاب الإعلامي، ربما بحق، على ملابسات وفاة الشاب في السجن، وتخلي الجيش عن أسرته، لكن ربما سيكون من المفيد طرح أسئلة حول البيئة المهنية التي تم تجنيده فيها وعمل فيها؟ إن التقارير عن المنافسة بين العاملين في وحدات التطوير داخل الوحدة العسكرية، والرغبة في إثارة انطباع ضباطهم وإظهار التفوق، والافتقار إلى الإشراف والمرافقة على الصعيدين المهني والنفسي في بيئات العمل الاستثنائية هذه، ليست عديمة العلاقة بالنقاش العام حول مسؤولية الصناعة السيبرانية الهجومية والرقابة المطلوبة عليها.

هؤلاء الشباب، الذين يحصلون في الوحدة 8200 على ترخيص ليكونوا تقريباً في مقام الرب لبضع سنوات، يخرجون من أبواب القاعدة العسكرية وينتقلون مباشرة إلى تلك الشركات التي تصنع أسلحة التجسس والاختراق الهجومية. فهل لديهم الأدوات والأسس الأخلاقية والعاطفية لفهم الدور الذي يلعبونه داخل هذه المنظومة؟ ما هي نوعية البيئة العسكرية التي تؤهل وتشكل هؤلاء الشباب وما هو دورها في نشوء البيئة التجارية التي سادت هنا في السنوات الأخيرة؟

إن الحجة الرئيسة التي تستخدمها NSO والشركات الأخرى فيما يتعلق بالادعاءات ضدها، هي أنهم لا يتحملون أية مسؤولية عن المنتوج من لحظة بيعه (3). بالنسبة لهم، فهو منتوج مصمم لمكافحة الجريمة والإرهاب ومساعدة ضحايا الكوارث أو الأزمات، وفي حال إساءة استخدامه، تقع المسؤولية على عاتق الزبائن وحدهم. ولكن عندما يتم بيع برامج تجسس معقدة لدول تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي، فما الذي يمكن توقعه؟

لقد نشرت NSO مؤخراً “تقرير شفافية” دعائي حيث تضمن أيضاً تقريراً عن قائمة سوداء للبلدان التي لا تتعامل معها اقتصادياً. لكن القائمة لم تتضمن أسماء تلك الدول ولا أسماء الدول التي كشفت التحقيقات الأخيرة الانتهاكات فيها، ولا أسماء الدول والشركات التي تعمل معها، مثل تلك التي تعرفنا عليها هذا الأسبوع. في بعضها، المكسيك على سبيل المثال، من الواضح بالفعل أنه من خلال الحكومة المحلية الفاسدة، تسربت التكنولوجيا إلى منظمات إجرامية محلية.

عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا الجديدة، فإن النوايا الصافية للمطوّر لا تحمل أهمية. في خاتمة المطاف، ولدت شبكة الإنترنت والشبكات الاجتماعية أيضاً بهدف تعزيز الأهداف النبيلة، ولكن اتضح أنها كانت قادرة ليس فقط على تشجيع الديمقراطية والمساواة بل استفاد منها الدكتاتوريون وتعززت بواسطتها الأخبار الملفقة. والاستنتاج الواضح هو أنه لا ينبغي السماح لشركات التكنولوجيا بأن تكون المشرف الخاص على نفسها. وفي حالة الشركات السيبرانية الهجومية الإسرائيلية، يبدو أن هذه الوظيفة غير ملائمة لوزارة الدفاع أيضاً.

إن تراكم التقارير والتحقيقات الاستقصائية من قبل معاهد البحوث ووسائل الإعلام الشهيرة في السنوات الأخيرة حول الاستخدام الخبيث لتقنيات مختلفة من قبل الحكومات الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم لانتهاك حقوق الإنسان، يجب أن يضيء العديد من الأضواء الحمراء، ليس فقط في وزارة الدفاع ولكن أيضاً في وزارة العدل ووزارة الخارجية ومكتب رئيس الحكومة.

لا يمكن أن يستمر هذا النمط من الإشراف وإصدار التصاريح للصناعة السيبرانية الهجومية، التي تتم في الخفاء تماماً. إنه نمط عفا عليه الزمن وغير متصل بواقع اليوم. والبساط الأحمر الذي يُفرش أمام هذه الشركات في وزارة الدفاع يجب أن يُسحب ويُستبدل بعلم أسود. إن دور وسائل الإعلام والمجتمع المدني والنظام القانوني الإسرائيلي يجب أن يتجسد في التأكد من حدوث ذلك وفي أسرع وقت ممكن.

(*) نشر هذا المقال في موقع “العين السابعة” الإلكتروني الإسرائيلي. وهذه ترجمة خاصة بملحق “المشهد الإسرائيلي”.

هوامش

(1). وفقاً لوكالات الأنباء العالمية، يعتقد الباحثون أن الإصدارات المبكرة من برنامج القرصنة التي كشفت لأول مرة العام 2016، استخدمت رسائل نصية مفخخة لتثبيتها على هواتف المستهدفين. ويجب أن ينقر المستهدف على الرابط الذي وصله في الرسالة حتى يتم تحميل برنامج التجسس، لكن لذلك حدّ في فرص التثبيت الناجح لا سيما مع تزايد حذر مستخدمي الهواتف من النقر على الروابط المشبوهة. أما الإصدارات الأحدث من “بيغاسوس” التي طورتها NSO فقد استغلت ثغرات في تطبيقات الهواتف النقالة واسعة الانتشار. وفي العام 2019، رفع تطبيق “واتساب” دعوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية قال فيها إنها استخدمت إحدى الثغرات المعروفة بـ”ثغرة يوم الصفر” في نظام التشغيل الخاص به لتثبيت برامج التجسس على نحو 1400 هاتف. وبمجرد الاتصال بالشخص المستهدف عبر “واتساب”، يمكن أن ينزل “بيغاسوس” سرا على هاتفه حتى لو لم يرد على المكالمة.

(2) وحدة 8200 هي فيلق وحدة الاستخبارات الإسرائيلية المسؤولة عن التجسس الإلكتروني عن طريق جمع إشارات وفك الشيفرة. التقدم الهائل الذي حققته إسرائيل في مجال صناعة التقنيات المتقدمة، وُظف بشكل كبير في تطوير وتوسيع عمليات التنصت التي تقوم بها الوحدة، وهناك دور بارز لشركات القطاع الخاص في دعم الوحدة باختراعات تعزز من قدرات التنصت (ويكيبيديا).

(3) زعمت NSO رداً على التقرير “إنه مليء بالافتراضات الخاطئة والنظريات غير المؤكدة”، وأضافت أن “البرنامج مخصص لاستخدام أجهزة المخابرات الرسمية وجهات إنفاذ القانون لمكافحة الإرهاب والجريمة”. وفقاً للصحافة الإسرائيلية، شكلت الحكومة طاقماً من مسؤولين كبار من عدة وزارات يقوده مجلس الأمن القومي للنظر في القضية، ونُقل عن مصدر حكومي أنه “من غير المرجح” إجراء مراجعة لصادرات الشركة. وأشار إلى تداعيات دبلوماسية محتملة بعد التقارير الإعلامية عن الاشتباه في سوء استخدام برنامج “بيغاسوس” في فرنسا والمكسيك والهند والمغرب والعراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى