شؤون إسرائيلية

هشام نفاع يكتب – علماء وخبراء يحذّرون الحكومة الإسرائيلية من مخاطر وتبعات عدم خفض مصادر الطاقة الملوّثة !

هشام نفاع *- 1/2/2021

تشهد أروقة سياسية وأكاديمية وبحثيّة إسرائيلية جدلا في الفترة الأخيرة، لا يصل إلى المنصات الإعلامية الأولى، كالمتوقع، لأنه غير مرتبط بالقضايا المتسارعة أو الراهنة أو التي تطلق عناوين ملؤها الإثارة، وذلك لأنه يتناول مسائل البيئة وجودتها وعلى نحو خاص ضرورة خفض استخدام مصادر الطاقة الملوّثة.

ذكر موقع “شكوف” للتحقيقات والتقارير الصحافية المستقلة، أنه منذ حوالي أكثر من شهر، صاغت وزارة حماية البيئة، برئاسة الوزيرة غيلا غملئيل (الليكود)، قراراً تتلخص نقاطه الرئيسة في: خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في إسرائيل بنسبة 85% (مقارنة بالمستويات التي تم قياسها في العام 2015) والانتقال إلى إنتاج ما يزيد عن 95% من الكهرباء في إسرائيل من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2050؛ فرض ضريبة الكربون (ضريبة ستُفرض على أي ملوث بناءً على كمية الكربون المنبعثة، على أساس أن الأضرار وتكاليف انبعاثات الكربون غير مسعرة)؛ رفع نسبة إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة إلى 40% بحلول العام 2030، بدلاً من الهدف السابق لوزارة الطاقة – 30% من الطاقات المتجددة بحلول العام 2030.

وأخيراً، القسم الذي أثار معارضة شديدة من وزارة الطاقة والمالية وهو: مطالبة الوزارات الحكومية بالتحقق من أن أي استثمار في البنية التحتية يزيد عن 100 مليون شيكل لن يؤدي إلى المس بتقدّم الحكومة ككلّ نحو تحقيق “الهدف الوطني” للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول العام 2050. يشار هنا إلى أنه وفقاً لتقرير مراقب الدولة، خريف 2020، فإن 47% من الوزارات الحكومية لم تبلغ وزارة الطاقة عن شكل وتوزيعة استهلاكها للطاقة، كما يقتضي القانون والأنظمة القانونية.

ذكر هذا التقرير أيضاً أنه وفقاً لهدف تنجيع الطاقة المحدد في العام 2008، كان يفترض أن يتم تحقيق تنجيع الطاقة في العام 2020 من خلال تقليل استهلاك الكهرباء المتوقع في العام المنصرم بنسبة 20%. ولكن لم يتم تحقيق هذا الهدف بالكامل بحيث تم تخفيض الاستهلاك الفعلي للكهرباء في العام 2020 مقارنةً بالاستهلاك المتوقع، لكنه ظل أعلى من المستهدف. وبهذه الطريقة كان التخفيض الفعلي 7.5% فقط.

لم يتم تقديم الاقتراح الذي أعدته وزارة الطاقة رسمياً إلى الوزارات الحكومية ذات الصلة حتى يتمكنوا من تقديم اعتراضات رسمية، إلا أنه في مناقشات متقدمة.

وفي هذه الأثناء كتب العلماء والخبراء في رسالتهم إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو: نحن العلماء من المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية، الخبراء المتخصصين في البحث والتدريس في مختلف جوانب أزمة المناخ، ندعوك والحكومة برئاستك للعمل والموافقة دون تأخير على استراتيجية للتعامل مع أزمة المناخ والانتقال إلى اقتصاد منخفض انبعاثات غاز الاحتباس الحراري. يجب على الحكومة الإسرائيلية، مثل سائر الدول المتنورة في العالم، التي لا تهتم فقط بمستقبل كوكب الأرض ولكن أيضاً باقتصادها، أن تتبنى رؤية لاقتصاد لا يعتمد على الوقود الأحفوري ويعمل وفقاً لمبادئ التنمية المستدامة.

ويضيف العلماء: لقد قامت وزارة حماية البيئة مؤخراً بصياغة نسخة من “مقترح صناّع القرار”، والذي يحدد رؤية وأهدافاً للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. نحن نعتقد أنه يقع على الحكومة الإسرائيلية التزام أخلاقي وحاجة وطنية للتعامل مع أزمة المناخ، فضلاً عن التزامها الدولي بموجب اتفاقيات المناخ (“اتفاقية باريس”). وسنضيف إلى ذلك أيضاً بيانكم، رئيس حكومة إسرائيل، نيابة عن الحكومة الإسرائيلية، في 12 كانون الأول 2020: “إسرائيل ملتزمة بالانتقال الكامل من الوقود الأحفوري إلى الطاقات المتجددة بحلول العام 2050”.

72% من السكان يعتقدون أن البشرية في خطر بسبب تغيرات المناخ

وفقاً لدراسة استقصائية بمبادرة وتنفيذ المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والتي فحصت لأول مرة المواقف العامة في إسرائيل حول ظاهرة الاحتباس الحراري، وجد أن العديد من القطاعات السكانية تطالب بوضع هذه القضية على رأس سلم الأولويات، إذ أن 72% من السكان يعتقدون أن البشرية في خطر بسبب تغيرات المناخ والاحتباس الحراري. وأكدت الدراسة: سيكون الضحايا الرئيسيون هم السكان الضعفاء. يجب على المسؤولين الحكوميين وصناع القرار في إسرائيل اعتماد خطة لتحسين استعداد الاقتصاد لمواجهة أزمة المناخ، والتي ستخلق أيضاً آفاقاً متعلقة بالنمو والتشغيل وفرص العمل، من خلال الاستثمارات الخضراء في البنية التحتية.

بين النتائج الرئيسية للدراسة أن 89% من المستطلعين يعتقدون أن على الحكومة الإسرائيلية العمل لتحسين استعداد الاقتصاد لمواجهة أزمة المناخ. ويعتقد 24% أنه يجب العمل بشكل أساس على تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد، وصرح 21% أنهم يهدفون بشكل أساس إلى تحسين البنية التحتية للنقل، وتوزيع الباقي بأجزاء متساوية على مناطق البناء الأخضر، لتحسين المساحات العامة في المدن وخفض تكاليف الطاقة.

لكن هناك فجوة كبيرة بين التصريحات الشفهية وأفعال وزارة الطاقة التي يتولاها يوفال شتاينيتس (الليكود). ووفقاً لتقرير “شكوف” فإن وزير الطاقة لا يفوّت أية فرصة للفخر بـ”الغاز الطبيعي” بينما يتجاهل حقيقة أنه مصدر طاقة ملوث. فالغاز الطبيعي وقود أحفوري بجميع المفاهيم والمقاييس، ويتسبب استخدامه في تفاقم أزمة المناخ، وفي بعض الجوانب تفوق آثاره المضرة حتى أكثر من حرق الفحم.

حالياً، تعارض وزارتا الطاقة والمالية جميع الأقسام المهمة في اقتراح وزارة حماية البيئة للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. إنهما تعارضان تحديد هدف 40% من الطاقة المتجددة، وتعارضان فرض ضريبة الكربون على أساس أن: “السياسة الضريبية لدولة إسرائيل تخضع للسلطة الحصرية لوزارة المالية”. كذلك، تعارضان مطلب فرض التزام على الوزارات الحكومية بإخضاع جميع المشاريع لشرط ضمان تقدم الحكومة نحو تحقيق هدف الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

جزء من المشكلة يكمن فيما يمكن تسميته “صراعات على السلطة والصلاحيات”، إذ تقول وزارتا الطاقة والمالية إن “تحديد الفحص الأولي لأي خطة استثمار حكومية فيما يتعلق بتأثيرها على تحقيق الأهداف من المرجحأن يضعف عملية صنع القرار الحالية في الدولة”. بينما في الواقع، معظم ادعاءات وزارة المالية هي أن وزارة حماية البيئة لم تُشرك وزارة الطاقة بشكل صحيح في العملية (تزعم وزارة البيئة أن هذا غير صحيح)، وأن الاقتراح غير مدعّم بالحقائق والبيانات الكافية.

لكن هذا ليس هو الموضوع على الإطلاق – يقول “شكوف” – لأنه بينما تتصادم الوزارات الحكومية مع بعضها البعض نواصل جميعاً المعاناة من عواقب الاعتماد على الطاقات الملوثة. فاقتراح وزارة حماية البيئة ليس اقتراحاً يؤثر على مجموعة سكانية واحدة أو اثنتين فقط في الدولة. هذا الاقتراح وثيق الصلة ومهم بالنسبة لنا جميعاً – مواطنون، وصناعيون، ورجال ونساء في قطاع الأعمال، والعالم بأسره، الذي يتحرك لمواجهة أزمة المناخ. قد يؤثر هذا على الهواء الذي نتنفسه، والمناخ العالمي الذي نشعر جميعاً بتقلباته على أساس يومي، وقدرة العالم على الاستمرار في الوجود.

من المتوقع أن يزداد الضغط الدولي على إسرائيل خلال أسابيع قليلة

تطالب رسالة العلماء والخبراء الحكومة بالانعقاد والموافقة الفورية على قرار الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون كخطوة أولى وضرورية على طريق إعداد الاقتصاد لأزمة المناخ. ويشددون: لقد أدركت الإنسانية خطورة أزمة المناخ، وبالتالي ففي “مؤتمر باريس” تعهدت دول العالم، بما في ذلك دولة إسرائيل، بصياغة أهداف وخطط استراتيجية بحلول نهاية العام 2020 للانتقال إلى اقتصادات تخفف وحتى تزيل انبعاث غازات الاحتباس الحراري. حتى الآن، التزمت أكثر من 100 دولة بالتحول إلى اقتصادات خالية من الانبعاثات، ولكن إسرائيل هي واحدة من الدول القليلة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي لم تحدد بعد أهدافاً واستراتيجية لاقتصاد منخفض الكربون.

وهم يؤكدون: “هذا التأخير من قبل الحكومة لا يضر فقط بمصالحها الاقتصادية والبيئية، بل يعرض للخطر أيضاً مكانة إسرائيل كدولة متطورة ومتقدمة”. وفي باب “المخاطر الدولية” يرون أنه: من المتوقع أن يزداد الضغط الدولي على إسرائيل في غضون أسابيع قليلة حيث من المتوقع أن توافق إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن على خطتها الطموحة للمناخ، والتي تنص على أنه بحلول العام 2035 سيكون قطاع الكهرباء في الولايات المتحدة يعتمد تماما على الطاقات المتجددة، وبحلول العام 2050 سيكون الاقتصاد بأكمله كذلك. قادة الاتحاد الأوروبي يعلنون خفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول العام 2030! كذلك، يخطط الاتحاد الأوروبي لاستثمار تريليون يورو في العقد الحالي لتطوير اقتصاد أخضر، بينما تتضمن خطة بايدن مواجهة مصادر غازات الاحتباس الحراري الأميركية بحلول العام 2050 بواسطة استثمارات بحوالي 2 تريليون دولار، وفرض استثمار بقيمة 3 تريليونات دولار من قبل القطاع الخاص لنفس الغرض. من المهم أيضاً ملاحظة أنه في ضوء كل هذا سيكون من الصعب على المصدرين الإسرائيليين التعامل مع الأسواق المستهدفة الأوروبية والأميركية من دون تقليل مصادر الطاقة الملوثة، بسبب النظام الضريبي المخطط لتلك الأسواق.

أما في إطار ما يصفونه بـ”المخاطر الوطنية”، فيقول العلماء: من المتوقع أن تكون أزمة المناخ وعواقبها (موجات الحر والبرد، والتغير في وتائر المطر والجفاف والفيضانات وتفشي الأمراض وغيرها) أكثر حدة في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تقع البلاد، لأن هذه منطقة حساسة وهشّة بشكل خاص. ومن المتوقع أن تؤدي الفيضانات المتكررة وارتفاع مستوى سطح البحر إلى تدمير واسع النطاق للمباني والبنية التحتية، وإلحاق أضرار بالممتلكات، وإلحاق أضرار جسيمة بالمحاصيل الزراعية، وحدوث انتشار سريع للأمراض والآفات، وحرائق الغابات وغيرها، إلى حد لم نكن نعرفه من قبل، وهذا إلى جانب خطر الانقراض المتسارع للأنواع النباتية والحيوانية.

الانتقال إلى اقتصاد أخضر يزيد فرص العمل ويرفع مستوى المعيشة

تتطلب مخاطر وتهديدات أزمة المناخ على إسرائيل وكذلك الفرص الاقتصادية نتيجة لنمو الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر والابتكار وريادة الأعمال القائمة على العلم والتكنولوجيا، أن تعمل الحكومة منذ الآن، كما يقول العلماء في إطار حث الحكومة على الانتباه للفائدة الاقتصادية الناجمة عن الذهاب في مسلك يراعي البيئة. ويشيرون: تظهر التجربة العالمية أنه مقابل كل وظيفة يتم خصمها من صناعة الوقود الأحفوري، يتم فتح 2-3 وظائف في صناعة الطاقة المتجددة. كما أن وقف الإعانات الحكومية الكبيرة لقطاع صناعة الوقود الأحفوري الملوّث، وخفض تكلفة المعيشة الناجم عن استخدام طاقة شمسية كأرخص مصدر لإنتاج الكهرباء اليوم، وتقليل تكاليف الإصابة بالأمراض الناجمة عن تلوث الهواء، كلها ستساهم أيضاً في ازدهار اقتصادي إسرائيل، أي أن مردود هذا التحوّل مكفول مسبقاً.

يقول العلماء في تطرقهم إلى مقترح وزارة البيئة: يجب عدم حرمان الدولة من هذه السيرورات العالمية الأساسية. في العامين الماضيين، قادت وزارة حماية البيئة عملية متعددة القطاعات لصياغة رؤية واستراتيجية وطنية لاقتصاد منخفض الكربون، وهي عملية شملت، من بين آخرين، ممثلي الوزارات التي تعارضها الآن مثل وزارتي المالية والطاقة، بالإضافة إلى العديد من ممثلي الأوساط الأكاديمية. وقد حددت خلاصات هذه العملية لأول مرة، مساراً مهماً للغاية يسعى لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في إسرائيل بحلول العام 2050، والذي ينبغي أن يكون بمثابة أساس لاستراتيجية الحكومة. ومع ذلك، من المهم أيضاً ملاحظة أن الإجماع العلمي العالمي المعبر عنه في أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ للعام 2019، يوضح أن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون لا يكفي وأنه يجب على الدول في جميع أنحاء العالم أن تصل إلى اقتصادات خالية من الانبعاثات الملوثة بحلول العام 2050، وقد تعهدت معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بهذا بالفعل، وعملياً معظم دول العالم أيضاً.

وهم يختتمون رسالتهم بالقول: نحن، الذين نتعامل مع قضية المناخ على أساس مستمر، نرى أهمية كبيرة في ترسيخ الأهداف والاستراتيجيات لاقتصاد منخفض الكربون، بما في ذلك في إطار التشريعات المناخية العينية. هذا التشريع سيوفر للمخططين والمستثمرين والمصانع والشركات الاستقرار طويل الأمد المطلوب لغاية تنفيذ التخطيط والاستثمارات وصولا إلى اقتصاد خالٍ من الوقود الأحفوري والاستخدام الفعال والمستدام للمواد الخام والموارد. هذا الاستقرار حيوي بشكل خاص في مواجهة عدم الاستقرار السياسي ومصاعب إقرار وتوزيع الميزانية. نحن نشدد على أهمية دور المؤسسات الأكاديمية والمجتمع العلمي في إسرائيل في صياغة خطط تنفيذ وتحديث الأهداف الوطنية للتعامل مع تغير المناخ. نتطلع إلى مواصلة التعاون مع الاستفادة من المزايا والخبرات الفريدة التي تكمن في صفوف الأوساط الأكاديمية. ونظراً لخطورة أزمة المناخ، نعتقد أنه يجب على الحكومة التحرك والموافقة بشكل عاجل على اقتراح متخذي القرار الذي صاغته وزارة حماية البيئة، على الرغم من أننا في خضم حملة انتخابية. لا يمكن تأخير الاستجابة الواعية والأخلاقية والحازمة لمواجهة أزمة المناخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى