أقلام وأراء

هشام ملحم يكتب –  بايدن لاحتواء العنف الاسرائيلي-الفلسطيني وليس لإنهائه

هشام ملحم *- 18/5/2021

مع بداية الأسبوع الثاني من الاشتباكات بين إسرائيل وحركة حماس، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين وخاصة في غزة، يواصل الرئيس الأميركي، جو بايدن، تعامله مع الأزمة، وكأنها لا تتطلب منه اهتماما شخصيا وثابتا وملحّا، يشمل إصراره على وقف سريع لإطلاق النار، والبدء بمعالجة جدية للأسباب التي أوصلت الطرفين إلى التسبب بأسوأ مواجهة دموية منذ 2014، مثل إلغاء إجراءات إجلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس. استمرار القتال، يعني انتشار رقعته أكثر فأكثر إلى الضفة الغربية، وداخل إسرائيل، واحتمال حدوث أعمال قتل جماعي تدفع بطرف واحد إو بالطرفين معا إلى اجتياز نقطة اللاعودة، واستمرار حمام الدم لفترة لم يتوقعها أو يخطط لها أي طرف. 

أوضح الرئيس بايدن منذ انتخابه أن أولوياته الملحّة داخلية بامتياز: مكافحة فيروس كورونا، إحياء الاقتصاد الأميركي، إعادة بناء البنية التحتية، ومواجهة تحدي التغيير البيئي. بايدن بدا وكأنه يريد تأجيل معالجة القضايا والتحديات الخارجية إلى أن يحقق بعض الإنجازات الداخلية التي يمكن أن تعزز من قدرته على مواجهة التحديات الخارجية الملحة، وأبرزها مواجهة النفوذ الاقتصادي والاستراتيجي المتنامي للصين، وهو تحد لا يستطيع بايدن أن ينجح فيه إلا إذا أعاد العافية والحيوية للاقتصاد الأميركي. وحتى قبل انتخابه، أوضح بايدن ان أبرز أولوياته في الشرق الأوسط هو إحياء وتطوير الاتفاق النووي مع إيران. ولم يكن صدفة أن بايدن عين مبعوثين أميركيين للبحث عن حلول لأزمات اليمن والقرن الأفريقي والمفاوضات مع إيران والأزمة الليبية، ولكنه لم يعين مبعوثا لإحياء “عملية السلام” المجمدة منذ سنوات، على الرغم من أن بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن وغيرهم من المسؤولين المعنيين بالمنطقة يكررون في كل مناسبة قولهم إنهم يؤمنون “بحل الدولتين” للنزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل. لا بل أن بايدن لم يعين حتى الآن سفيرا أميركيا في إسرائيل، كما لم يعين قنصلا أميركيا في القدس للتعامل مع الفلسطينيين.

القتال سوف ينتهي خلال أيام أو أسابيع، بعد وساطات وتدخل من قبل الولايات المتحدة وأطراف إقليمية أخرى، مثل مصر وقطر والأردن وبعد أن تعلن كل من إسرائيل وحماس انتصارهما، والبدء للتحضير للجولة الثانية. هذا هو “نمط” الاشتباكات بين إسرائيل وحماس.  خلال المواجهات المماثلة في السابق، كانت الولايات المتحدة تتحدث عن استئناف المساعي السلمية والمفاوضات بعد وقف إطلاق النار. هذه المرة، الطموح الأميركي لا يتعدى تهدئة الوضع ميدانيا وأمنيا. ويأمل المسؤولون الأميركيون في اتصالاتهم مع الأطراف الإقليمية إشراك الأردن في إيجاد حل ينهي مسألة إخلاء العائلات الفلسطينية من القدس الشرقية نظرا للدور الأردني التقليدي في المدينة، وإشراك مصر في توفير الحوافز (أو الضغوط) على القطاع، وإشراك قطر في المساهمة المالية في إعادة بناء ما دمره القصف الإسرائيلي من بنية تحتية ومرافق عامة في غزة.

حتى الآن، اعتمد بايدن الموقف الأميركي التقليدي: دعم الهجمات العسكرية الإسرائيلية تحت شعار “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” والتركيز على انتقاد إطلاق حماس للصواريخ بشكل عشوائي ضد المدن الإسرائيلية، وتوفير الغطاء الديبلوماسي لإسرائيل في الأمم المتحدة وإعطاء الجيش الإسرائيلي الوقت المطلوب لتحقيق أهدافه العسكرية مثل القضاء على قادة حماس أو تدمير بنيتها التحتية العسكرية من مصانع الصواريخ إلى الأنفاق وغيرها، قبل الضغط من إجل وقف إطلاق النار.

موقف بايدن هذا عرضّه إلى انتقادات غير معهودة من الجناح التقدمي واليساري في قاعدة الحزب الديمقراطي وممثلي هذه القوى في مجلسي النواب والشيوخ. وفي الأيام الماضية طالب أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ ومن بينهم بيرني ساندرز، وكريس فان هولن، وإليزابيث وارن، من الرئيس بايدن اعتماد سياسة متوازنة أكثر مثل مطالبة إسرائيل بإلغاء قرار إجلاء الفلسطينيين من حي الشيخ جراح، واحترام حقوقهم الشرعية. السناتور ساندرز وصف سياسات حكومة نتياهو “بالعنصرية”. ووجه 12 عضوا يهوديا في مجلس النواب رسالة إلى الرئيس بايدن أدانوا فيها هجمات حماس العشوائية، ولكنهم انتقدوا بشدة أيضا ممارسات الحكومة الإسرائيلية، بما فيها عنف الشرطة ضد الفلسطينيين في القدس.

ليس من المتوقع أن ترغم هذه الانتقادات الرئيس بايدن على تعديل موقفه، بعدم التورط بشكل جدي وثابت وطويل الأمد لإحياء المفاوضات السلمية، ولكن بايدن لا يستطيع أيضا أن يتجاهل هذه الأصوات، ولذلك سوف يحاول، عبر الاتصالات الهاتفية، وتجنيد الدول الإقليمية،  وإيفاد الدبلوماسي القدير هادي عمر، للتحدث مع الطرفين، ولكن في نفس الوقت تفادي اتخاذ مبادرات كبيرة أو حتى إرسال وزير الخارجية ، أو نائب الرئيس إلى المنطقة، كما كان يحدث في السابق، بما في ذلك المهام التي قام بها جو بايدن في المنطقة عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما.

لوحظ أن الرئيس بايدن والوزير بلينكن خلال تصريحاتهما أو اتصالاتهما مع الإسرائيليين والفلسطينيين، ركزا على أن الشعبين يجب أن يتمتعا “بمقاييس متساوية في مجالات الحرية، والأمن والازدهار والديمقراطية”. ولكنهما لو يوضحا كيف يمكن ترجمة هذه التمنيات أو الطموحات عمليا فيما يخص الفلسطينيين. ويعتقد أنه بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار، يمكن أن تحاول إدارة بايدن اقناع أي حكومة إسرائيلية جديدة، بإلغاء قرار إجلاء العائلات الفلسطينية من القدس، وربما المطالبة بوقف الأعمال الاستفزازية للمستوطنين في القدس الشرقية والضفة الغربية بما في ذلك المستوطنات التي لا يعتبرها حتى القانون الإسرائيلي “شرعية” وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى احتواء العنف، ولكن دون توفير أفق لتسوية سياسية، يقول المطلعون على تفكير الرئيس بايدن ومستشاريه أن شروطها غير متوفرة. ويرى بعض المحللين أن الأطراف الثلاثة المعنية مباشرة بالنزاع أو بأي حل سياسي، أي إسرائيل، وحماس والسلطة الفلسطينية، غير مستعدة أو غير قادرة على اتخاذ القرارات الجذرية التي يتطلبها أي حل. فقد شهدت إسرائيل 4 انتخابات برلمانية خلال سنتين، وربما ستنظم انتخابات خامسة لحل المأزق السياسي الراهن والذي حال دون تشكيل حكومة جديدة. الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي قرر إجراء انتخابات جديدة، الأولى منذ 17 سنة، عاد وقرر إلغائها، ما أثار سخط حماس، وربما ساهم في تشجيعها على اللجوء إلى التصعيد العسكري باسم حماية حقوق الفلسطينيين في القدس، ولإظهار عجز السلطة في رام الله.  هذه السلطة ضعيفة ومهمشة، وهذا ما أظهرته المعارك الحالية أكثر من أي وقت آخر. 

حركة حماس لا تريد التفاوض مع إسرائيل، ولا إسرائيل تريد التفاوض مع حماس. ولتردد الرئيس بايدن في الانخراط في أي مفاوضات جدية لحل القضايا الخلافية الجوهرية بين الطرفين، أسباب تتخطى أولوياته الداخلية والخارجية الأخرى، وأبرزها معرفته الشخصية بنتانياهو وعباس، حيث يقول المقربون منه إنه لا يثق بهما، ولا يريد أن يقامر برصيده السياسي في بداية ولايته في مفاوضات يدرك مسبقا أن فرص نجاحها معدومة.

وفقا لبيانات البيت الأبيض، أثار بايدن مع نتانياهو، الظاهرة الجديدة التي فاجأت وأقلقت القيادة الإسرائيلية، أي الاشتباكات الدموية غير المعهودة التي شهدتها مدن إسرائيلية بين المواطنين العرب واليهود، وأعمال الشغب وحرق الممتلكات التي صاحبتها. انتشار أعمال الشغب التي قامت، ولا تزال تقوم بها جماعات من الشباب اليهود والعرب، دفع ببعض السياسيين إلى التحذير من أن إسرائيل تواجه “أزمة وجودية”. بعض المعلقين الإسرائيليين والأميركيين رأوا أن ما شهده الداخل الإسرائيلي، هو أخطر بكثير – في المدى البعيد – من أي مواجهة عسكرية مع حماس.

سياسات نتنياهو والأحزاب القومية والدينية المتطرفة ساهمت خلال حكم نتانياهو الطويل في تعميق الاستقطابات بين العرب واليهود في إسرائيل. المفارقة أن سياسات نتانياهو الشوفينية، جاءت في الوقت الذي كان يحقق فيه المواطنين العرب في إسرائيل تقدما ملحوظا في مختلف القطاعات التقنية والعلمية والطبية، مع ما جلبه هذا التقدم من تحسن الأوضاع الاقتصادية والسياسية لهذه الشريحة من العرب في إسرائيل، بما في ذلك دورهم المتنامي في البرلمان الإسرائيلي ككتلة لم يعد بإمكان القوى السياسية الأخرى تجاهلها عند تشكيل أي حكومة. 

لا أحد يعرف – بما في ذلك القيادات الإسرائيلية – ما هي المضاعفات البعيدة المدى السياسية والاجتماعية لهذا “العنف الأهلي” الذي شهدته إسرائيل خلال الأسبوع الماضي، وكيف سيؤثر على مستقبل سياسيين إسرائيليين متشددين مثل نتانياهو وغيره. ما هو واضح أن هذه الظاهرة هزت المجتمع الإسرائيلي في العمق. ما هو غير واضح، في هذا الوقت المبكر هو كيف ستتعامل الطبقة السياسية الإسرائيلية، ومؤسسات المجتمع المدني، بما في ذلك مراكز الأبحاث وأوساط الأكاديميين مع هذه الظاهرة، وهل يمكن أن تؤدي إلى مراجعات نقدية، أو إعادة نظر ببعض المسلمات القديمة التي أوصلت إسرائيل إلى هذا المأزق. هذه الأسئلة سوف تبحث عن أجوبة لوقت طويل.

*كاتب وصحفي يغطي الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط منذ 35 سنة .0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى