أقلام وأراء

هشام ملحم يكتب الديمقراطية الأميركية في خطر

هشام ملحم *- 1/6/2021

المؤشرات عديدة ومقلقة وغير مسبوقة.

–  الجنرال مايكل فلين، مستشار الأمن القومي الأول للرئيس ترامب، يقول لجمهور من مؤيدي الرئيس السابق إنه لا يرى أي سبب يمنع حدوث انقلاب عسكري في الولايات المتحدة كما حدث في ميانمار قبل أشهر. وكان فلين في ديسمبر الماضي قد دعا دونالد ترامب إلى فرض حالة طوارئ لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية.

–  قبل ثلاثة أسابيع وقع 124 جنرال وأميرال متقاعد على رسالة كرروا فيها “الكذبة الكبرى” التي يروجها ترامب وأنصاره والتي تدعي أن ترامب، وليس جو بايدن، هو الذي فاز في الانتخابات. 

وادعى هؤلاء أن “البلاد في خطر” بسبب هجوم صاعق من قبل “كونغرس ديمقراطي ومن الإدارة الحالية”. 

ورأى موقعو الرسالة أن البلاد “جنحت بقوة باتجاه الاشتراكية، وطغيان حكومي ماركسي يجب التصدي له من خلال انتخاب مرشحين للكونغرس والرئاسة يقومون دائما بالدفاع عن جمهوريتنا الدستورية”. موقعو الرسالة أثاروا الشكوك حتى بقدرات الرئيس جو بايدن العقلية والجسدية…

–  الجمهوريون في ولاية أريزونا يقومون الآن –بعد خمسة أشهر من الانتخابات– بإعادة فرز الأصوات في إحدى أكبر المقاطعات في الولاية، على الرغم من أن نتائج التصويت قد تم التصديق عليها من المسؤولين عن الانتخابات ووافق عليها حاكم الولاية الجمهوري. 

ولكن منذ البداية ادعى ترامب ومحاميه رودي جولياني أن الانتخابات مزورة لأن أريزونا تصوت تقليديا للمرشح الجمهوري. وعلى الرغم من خسارة ترامب لحوالي 60 دعوى شككت في نتائج الانتخابات لا يزال الرئيس السابق وأنصاره يدعون أن بايدن “سرق” الرئاسة منه.

–  منذ خسارة ترامب للانتخابات، يقوم الجمهوريون في الولايات التي يسيطرون على مجالسها المحلية، ومن بينها، على سبيل المثال، جورجيا وتكساس وفلوريدا بإعادة صياغة قوانين الانتخابات وخلق عقبات إدارية وإجرائية تهدف إلى تقليص عدد المشاركين في الانتخابات وخاصة الأقليات، مثل تقليص ساعات التصويت، ومنع المسؤولين عن الانتخابات من إرسال بطاقات التصويت البريدي إلى جميع المواطنين، بل فقط للذين يطلبونها، ومنع نصب الخيم ومراكز الاقتراع المتنقلة المصممة لتسهيل انتخاب المسنين أو الناخبين الذين لا يملكون السيارات وإلزام الناخب بتقديم وثيقة تثبت جنسيته، وعدم الاكتفاء بلوائح الناخبين، الأمر الذي يحرم المسنين والفقراء من الأقليات الذين لا يملكون سيارات وبالتالي لا يحملون رخصة قيادة السيارة التي تستخدم في الولايات المتحدة في معظم الحالات لمعرفة هوية المواطن. 

وعلى الرغم من خسارة ترامب لحوالي 60 دعوى شككت في نتائج الانتخابات لا يزال الرئيس السابق وأنصاره يدعون أن بايدن “سرق” الرئاسة منه.

لا يوجد في الولايات المتحدة بطاقة هوية يحملها المواطن كما هو الحال في دول عديدة. هذه القوانين الانتخابية المحلية جاءت كرد فعل على انتخاب بايدن الذي حصل على نسب عالية في أوساط الأقليات.

– عطّل الجمهوريون في مجلس الشيوخ، يوم الجمعة الماضي، مشروع قانون يقضي بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظرفي بالظروف والتطورات التي أدت إلى اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير الماضي من قبل مئات المتطرفين من أنصار الرئيس السابق ترامب.

وكان يفترض أن تكون اللجنة مؤلفة من عدد متساو من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين وتتمتع بصلاحيات قانونية واسعة تشمل استدعاء الشهود وغيرها وتكون مماثلة للجنة التي حققت في هجمات سبتمبر 2001 الإرهابية. 

الجمهوريون برروا موقفهم بالادعاء أن تحقيقات الشرطة كافية، ولا داعي لتشكيل لجنة برلمانية مستقلة. الأسباب الحقيقة هي معارضة الرئيس السابق ترامب لأي تحقيق جدي لأنه سيظهر أنه هو الذي حرّض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول، لأن أكثرية المشرعين الجمهوريين يخشون من أن يستخدم الحزب الديمقراطي ومرشحيه للانتخابات النصفية في السنة المقبلة نتائج التحقيق في حملاتهم ضد منافسيهم الجمهوريين، ولأن الجمهوريين لا يريدون أن يخوضوا الانتخابات المقبلة في ظل شبح الرئيس السابق ترامب.

– تؤكد استطلاعات الرأي أن أكثرية الناخبين الجمهوريين لا يزالوا يعتقدون أن دونالد ترامب هو الفائز الحقيقي في الانتخابات الرئاسية، ويحّملون جو بايدن مسؤولية حدوث  انتخابات مزورة. 

وجاء في آخر استطلاع أجرته وكالة رويترز قبل أيام أن 53 بالمئة من الجمهوريين يقولون ان مرشحهم ترامب هو “الرئيس الحقيقي”.

– عقب اجتياح مبنى الكابيتول في يناير الماضي، لم يعد الحديث عن استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية من المسائل المحظورة في السجال بين الجمهوريين. قبل أيام حرّض النائب الجمهوري المتطرف مات غيتز أنصاره على استخدام العنف ضد الشركات الإلكترونية التي تمنع المحافظين المتطرفين من استخدام شبكات الاتصال الاجتماعي،( بسبب مواقفهم المتطرفة) بينما قامت زميلته مارجوري غرين التي تقوم معه الآن بجولة في عدد من الولايات، بمقارنة الحزب الديمقراطي “الاشتراكي” في الولايات المتحدة بالحزب الاشتراكي الوطني في ألمانيا النازية.

– خلال ولاية الرئيس ترامب ازداد عدد الأميركيين، وتحديدا الجمهوريين الذي يؤمنون بنظريات المؤامرة، وخاصة نظرية المؤامرة المعروفة باسم “QAnon” التي تتمحور حول شخصية رسمية ولكن هويتها سرية وتعرف باسم Q وتدعي أن الحكومة الأميركية ووسائل الإعلام والمؤسسات المالية خاضعة لسيطرة “مجموعة من عبدة الشيطان الذين يمارسون الجنس مع الأطفال ويتاجرون بهم في العالم”  ويرى المؤمنون بهذه النظرية أن هذه القوى تسعى إلى هزيمة دونالد ترامب الذي يتصدى لها.

ووفقا لبعض استطلاعات الرأى يصل عدد الجمهوريين الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة هذه إلى 23 في المئة. وفي أحد استطلاعات الرأي أيد 28 في المئة من الجمهوريين الطرح القائل بأن الوطنيين الحقيقيين قد يضطرون إلى استخدام العنف “لإنقاذ البلاد” من عبدة الشيطان.

في السابق كان الجمهوريون يفتخرون بحزبهم ويسمونه “حزب أبراهام لينكولن”  الذي حارب الولايات الكونفدرالية الجنوبية التي زجت البلاد في حرب أهلية للحفاظ على مؤسسة العبودية، والرئيس الذي عتق المستعبدين. حزب لينكولن اليوم أصبح في معظمه حزبا أبيضا ومسيحيا محافظا ومتشددا بامتياز. 

في الأسابيع الماضية تخلص الحزب من النائبة إليزابيث تشيني التي كانت تحتل المنصب الثالث في هيكل قيادة الحزب في مجلس النواب، لأنها لم تخضع للضغوط وتتوقف عن انتقاد الرئيس السابق واتهامه بالتحريض على اقتحام الكابيتول وترويجه “للكذبة الكبرى” حول سرقة بايدن للرئاسة. أحد أسباب إقالة تشيني من منصبها كان إصرار دونالد ترامب، الذي لا تزال قاعدة الحزب تلتف حوله، على معاقبتها.

ومن بين خمسين عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ، وافق ستة أعضاء فقط على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية مستقلة للنظر بجميع نواحي عملية اقتحام مبنى الكابيتول.

منذ نهاية الحرب الأهلية قبل أكثر من 150 سنة، والنظام السياسي الأميركي مبني على تناوب السلطة بشكل سلمي بين الحزبين الرئيسيين في البلاد: الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي.

ومنذ ستينات القرن الماضي كان الحزب الديمقراطي، ولا يزال، يشكل خيمة سياسية وأيديولوجية واسعة تضم تحتها قوى تقدمية ويسارية ومعتدلة، وأقليات عرقية ودينية، مثل الأميركيين من أصل أفريقي وأكثرية اليهود وغيرها من الأقليات ونقابات عمال وغيرها. 

في المقابل كان للحزب الجمهوري، حتى بروز ظاهرة رونالد ريغان المحافظة، خيمة سياسية ولكنها أصغر من خيمة الديمقراطيين، وكانت تضم أكثرية محافظة، وعلى يمينها جماعات متشددة ومتعصبة، ولكن أيضا فئة من الجمهوريين المعتدلين وخاصة في شمال شرق البلاد. الآن لم يعد هناك “طيف” سياسي أو أيديولوجي يستحق الذكر في الحزب الجمهوري. 

وما يمكن وصفه بالطيف السياسي في الحزب الجمهوري بعد أن سيطر عليه دونالد ترامب منذ 5 سنوات، يبدأ في اليمين ويجنح أكثر باتجاه التعصب السياسي والديني والشوفينية القومية التي ترى أن المواطنين البيض المتحدرين من المهاجرين من أوروبا الغربية والشمالية هم المؤهلون لحكم البلاد.

وهذه هي المرة الأولى في تاريخ البلاد، يتحول فيه حزب رئيسي له تاريخ سياسي هام إلى ما يشبه طائفة دينية لا تتحمل السجال العقلاني أو المسائلة المفتوحة أو تتسامح وتقبل بالتعددية السياسية أو الثقافية. 

وإذا لم يتم ردع أو احتواء تلك العناصر المتشددة والتي لا تنبذ مسبقا استخدام العنف لتحقيق أهدافها ومطالبها، فإن مستقبل نظام الحزبين في الولايات المتحدة في خطر. نظام الحزبين كان من بين أسس تقدم الولايات المتحدة إلى مرتبة الدولة العظمى. 

هذا النظام مهدد بالانهيار ومعه ربما مجمل التجربة الديمقراطية الأميركية العريقة التي على الرغم من بعض شوائبها (مثل التمييز العنصري) أدت إلى تحويل القرن العشرين إلى “القرن الأميركي”. 

هذه التجربة الديمقراطية الأميركية، تواجه مع بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين أهم امتحان لصلابتها وقدرتها على الحياة والتطور، منذ ستينات القرن الماضي.  

*كاتب وصحفي يغطي الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى