شؤون مكافحة الاٍرهاب

هشام النجار: تنظيم القاعدة يسعى إلى استعادة بريقه بحملة على الإعلاميين

هشام النجار ٢١-٧-٢٠٢٢م

يحاول القائمون على إعلام تنظيم القاعدة حاليًا الالتفاف على أزماته وانقساماته الداخلية من خلال إثارة قضايا مثيرة للجماهير بهدف استعادة الحضور المعنوي على الساحة الإعلامية.

لم يكن الإصدار الذي هدد فيه أحد عناصر التنظيم قبل أيام الكاتب والإعلامي المصري إبراهيم عيسى بالقتل بزعم تجرؤه على انتقاد الصحابي خالد ابن الوليد الأول من نوعه في هذا السياق، حيث سبقه تصدي قائد التنظيم أيمن الظواهري بنفسه لإظهار التعاطف مع فتاة هندية جرى اضطهادها بسبب حجابها.

وأصدر التنظيم المتطرف نشرة عنوانها “إلجام لئام الإعلام” للإيحاء بأنه عازم على الدخول في مواجهة حسم عنيفة قد تصل إلى مستوى التخطيط لاغتيال إعلاميين مصريين اعتادوا الاشتباك مع قضايا دينية إشكالية، في مقدمتهم إبراهيم عيسى مقدم برامج على فضائية القاهرة والناس المصرية، على ضوء ما يطرحه في برنامجه “مختلف عليه”.

قال القيادي بالقاعدة أواب الحسني “إن عيسى سعى إلى التشكيك في مصداقية إسلام خالد ابن الوليد والطعن في إخلاصه وصحبته للرسول والاستعانة بضيوف كفروا الصحابي والترويج إلى أنه تظاهر بالإسلام دهاءً ومكرًا”، مرفقًا صورة لعيسى وتتجه إلى قلبه رصاصة عليها عبارة “من لي بهذا الخبيث”.

كشفت فيديوهات الظواهري الأخيرة، بجانب الإصدار الخاص بتهديد إبراهيم عيسى بالقتل، أن القاعدة يعمد إلى الاشتباك إعلاميا مع ملفات ذات جاذبية جماهيرية وتمس العاطفة الدينية من أجل استعادة البعض من بريقه.

يفتقر القاعدة إلى ما كان يملكه من قضايا تعكس حضوره ونشاطه على الأرض وكان يقدم من خلالها نفسه كمدافع عن حقوق ومظالم المسلمين، ويجنح إلى طرح ملفات ثانوية مثل الإلحاد والحجاب والتصدي لبعض الإعلاميين للإبقاء على آلته الدعائية في حيز التأثير والرواج.

ولم يعد القاعدة، مثله في ذلك مثل داعش، قادرًا على بث مواد إعلامية مقنعة من أجل التجنيد والتلميع توحي بقوته على الأرض أو أنه في طريقه لاستعادة حضوره ولا يريد تأثير إخفاقه الميداني على نشاطه الإعلامي.

يتوخى إعلاميو القاعدة الجدد اختراق كتلة جماهيرية معتبرة تتحفظ على طريقة تعاطي بعض الإعلاميين مع قضايا دينية إشكالية معتقدة أن ذلك يُعد مسًا بثوابت الدين وليس من قبيل التجديد الديني أو تصحيح مفاهيم المتطرفين المغلوطة.

ويقفز هؤلاء على موجة الجدل الذي صاحب ردود الأفعال الغاضبة على تصريحات الإعلامي إبراهيم عيسى فيما يخص رحلة الإسراء والمعراج التي شكك في روايتها، واصلة ذلك بطروحات أخرى بشأن انتقاده لبعض الصحابة وغيرها من القضايا.

يعمل إعلاميو القاعدة الجدد على اكتساب صفة المتصدي لتيار التجديد الذي يعتبره البعض منفلتًا بعد استمرار رموزه في المشهد الإعلامي المصري وفشل مطالبات محاكمتهم بتهم ازدراء الأديان أو وقف برامجهم.

يتلاقى اللجوء إلى مثل هذه القضايا مع سقطات معالجة إعلام القاعدة لقضايا سياسية وأحداث عسكرية أظهرت التنظيم منسلخًا عن الواقع وغير مواكب للمستجدات ومفتقدًا للقدرة على مسايرة متغيراتها المتسارعة.

يعيب إعلام القاعدة الاعتماد على مواد مسجلة للظواهري يتم إقحام بعض الأحداث المعاصرة فيها بصوت راو آخر لتبدو جديدة، ما يشكك في فرضية بقاء الظواهري حيًا، علاوة على ما عكسه ضعف جهاز التنظيم الدعائي وفقدانه لأهم رموزه وناشطيه.

وتتعمد الإصدارات الإعلامية المختلفة عدم التطرق إلى الأحداث والأزمات التي تعصف بالقاعدة وبعموم الجهاديين في العالم، مفضلة الاشتباك مع قضايا جدلية تهم جمهورًا واسعًا في العالم الإسلامي، خارج جمهور الحركة الجهادية المعتاد والتقليدي.

يستغل إعلاميو القاعدة الجدد هذا الاشتباك مع قضايا إسلامية واسعة لإحراز تفوق مرحلي على إعلام داعش الذي أصابه ما أصاب إعلام القاعدة من ضعف نتيجة الافتقار إلى الرسائل القوية القادرة على الجذب والتجنيد، خاصة في صفوف الشباب السلفي صغير السن.

وفقدت آلة داعش الدعائية القوية بريقها القديم من خلال بث الخوف والرعب أو بيع أوهام السفر إلى دولة الخلافة الإسلامية، فلم يعد أي من ذلك حقيقيًا على الأرض بعد فقدانه الخلافة المكانية.

وكما فقد داعش كبار قادته الميدانيين خسر أيضًا إعلامه المؤثر الذي أحرز تفوقًا كبيرًا لبضع سنوات على إعلام القاعدة بإصدار فيديوهات ذات جودة عالية تنم عن احترافية ملفتة.

بعد خسارة داعش لما كان يزعم أنها أرض الخلافة تدهور جهازه الإعلامي وبات هو وجهاز القاعدة متساويين، من حيث الإنتاج المتواضع والانسلاخ عن الواقع وتقديم إصدارات قديمة، وتشغيل شباب يفتقرون إلى مهارات من سبقوهم في صناعة المحتوى وصياغة الرسائل الإعلامية.

يدرك إعلاميو القاعدة أنهم يشتركون مع نظرائهم الدواعش في الافتقار إلى القضايا الكبيرة والمهمة التي يمكن معالجتها والحديث عنها، فالأخير يفتقر إلى الكثير مما يتحدث عنه بشأن أحوال الخلافة المزعومة وإدارة شؤون الرعية والحملات العسكرية والسياسات الخارجية.

يريد القاعدة استعادة تفوقه الإعلامي الذي سبق ظهور جهاز داعش الإعلامي بالاشتباك مع قضايا جاذبة لجماهير من خارج الحالة الجهادية، مثل إظهار التحدي لإعلامي اعتاد إثارة الجدل في ملفات إشكالية.

ولا ينسى قادة القاعدة ما فعلته المجموعة المحترفة التي كانت مسؤولة عن إعلام داعش خلال سنوات هيمنته وانتشاره عندما عمدت إلى إظهار تنظيمها عبر مواد وإصدارات مرئية متربعًا على عرش الجماعات الجهادية ومتفوقًا على القاعدة، ما جعل “الخليفة” أبوبكر البغدادي في حينه يطلق عليهم وصف “فرسان الإعلام”.

يحاول النشاط الإعلامي للقاعدة تأكيد التنوع، على الرغم من بداية أفكاره، حيث يديره أشخاص أقل مهارة، سد ثغرة تراجع حضوره الميداني وعدم قيامه بتنفيذ عمليات تترجم منهجه في الحالة الجهادية العالمية واللجوء إلى تكثيف النشاط على شبكة الإنترنت ليتمكن من البقاء والنمو.

لا يقتصر الاهتمام على شبكة الإنترنت وبث إصدارات مرئية وشرائط فيديو موجهة، إنما أيضًا هناك حركة نشطة لنشر الكتب والمجلات والمقالات، لا تختلف موضوعاتها كثيرًا عن الإصدارات المرئية المتعلقة بالدعوة وطرق الوصول إلى محبة الله ومحاربة الإلحاد والعلمانية، وتتوسع في تناول قضايا حركية أكثر التصاقًا بالنواحي الفكرية والصراعات الجدلية.

تناولت بعض الموضوعات الفساد في جماعة الإخوان وحروب الجيل الرابع وتجنيد الميليشيات والمرتزقة وفضائل قتال الخوارج وشذرات من تاريخ القاعدة وتاريخ الجهاد الجزائري وغيرها.

لجأ القاعدة إلى نشر هذا المحتوى المتنوع بين إصدارات الكتب والمقالات والإصدارات المرئية بهدف نشر محتوى دعائي قادر على التجنيد دون لفت الأنظار، وتعويض فقدانه لحضوره الرئيسي من خلال دعايته الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتشارك القنوات الموالية للقاعدة في الترويج لشرائط الفيديو والكتب والمقالات على منصاتها المختلفة على تليغرام وروكيت شات وشيرب واير، وهي منصات تحظى بمتابعين كثر وعدد مستخدمين كبير.

تشير متابعة أداء إعلاميي القاعدة الجدد إلى افتقارهم إلى مهارات صناعة المحتوى القوي المتماسك، وهو ما وضح من الطرح التقليدي الذي رد به شرعي القاعدة على الإعلامي المصري إبراهيم عيسى في إصدار “إلجام لئام الإعلام” لكن لا تنقصهم القدرة على تنويع الرسائل واختراق كتلة جماهيرية حرجة خارج الحالة الجهادية.

يحرص القاعدة على إحراز التفوق إعلاميًا على داعش مرتين. مرة بالاشتباك مع قضايا جديدة تحظى بجماهيرية أوسع، وأخرى بتصدير قادته في المشهد الإعلامي، وهي معضلة يعاني منها تنظيم الدولة.

تمكن الأول في السابق عبر مؤسسه وقائده أسامة بن لادن وظهور إعلامي مكثف ونوعي من أن يُضفي هالة معنوية من التوقير والقداسة الزائفة عليه داخل الأوساط الجهادية إلى درجة أن داعش نفسه اضطر إلى مديح بن لادن في إعلامه، وفّرق بينه وبين الظواهري الذي وصفه بـ”المدلس المنحرف عن طريق القاعدة الذي رسمه بن لادن”.

لا يستطيع داعش مجاراة القاعدة لاعتبارات أمنية، وبعد ظهور أبوبكر البغدادي في تسجيلات صوتية وتسجيل مرئي وحيد في أبريل 2019 لم يظهر أحد من قادته وخلفائه المزعومين.

ويرمي القاعدة من وراء الحضور الإعلامي المتنوع إلى أن يظهر متفوقًا على داعش وإحياء إرث بن لادن وإعادة الترابط لشبكته الدولية مترامية الأطراف، ونفي ما راج مؤخرًا حول أيمن الظواهري من أنه بات ضعيفًا وغير مؤثر وفاقد للتواصل مع فروع التنظيم حول العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى