هدى الحسيني: ترمب يخطط للعودة إلى أفغانستان من «قاعدة» أغلقها بايدن

هدى الحسيني 25-9-2025: ترمب يخطط للعودة إلى أفغانستان من «قاعدة» أغلقها بايدن
منذ الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان، عام 2021، ظلّت قاعدة باغرام الجوية عنواناً لجدل لا يهدأ في واشنطن والعواصم الغربية. هذه القاعدة، التي شيّدها السوفيات في خمسينات القرن الماضي، ثم تحولت لاحقاً إلى أكبر موقع عسكري أميركي خلال عقدين من الحرب، تعود اليوم إلى واجهة النقاش، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه يسعى لاستعادتها من حركة «طالبان». ترمب لمّح في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في تشيكرز شمال غربي لندن، إلى أنّ إدارته تجري اتصالات مع «طالبان» من أجل إعادة السيطرة الأميركية على القاعدة، مؤكداً أنها تظل «واحدة من أكبر القواعد في العالم»، ومشدداً على أن أهميتها الاستراتيجية تكمن في قربها من الحدود الصينية.
الأمر لم يكن جديداً في خطاب ترمب؛ فهو منذ حملته الانتخابية دأب على انتقاد قرار سلفه، جو بايدن، بالانسحاب من أفغانستان من دون الاحتفاظ بقاعدة باغرام كورقة ضغط استراتيجية.
وذهب إلى حد القول إن الانسحاب ترك الأسلحة الأميركية وقواعدها «هدية مجانية» في أيدي «طالبان». لكنه هذه المرة أعلن، للمرة الأولى، أن مفاوضات تدور مع الحركة حول إعادة تمركز أميركي محتمل، معتبراً أن لدى الولايات المتحدة أوراقاً يمكن أن تدفع «طالبان» للتجاوب، من دون أن يكشف طبيعتها.
أهمية قاعدة باغرام تتجاوز حدود أفغانستان؛ فالموقع يبعد ساعة طيراناً تقريباً عن مناطق حساسة في الصين، بينها ميدان تجاربها النووية في شينجيانغ، وهو ما يمنح واشنطن قدرة مراقبة غير مسبوقة. المقالات الغربية التي تناولت تصريحات ترمب ربطت مباشرة بين رغبته في استعادة القاعدة وسعيه إلى إبقاء الصين تحت عين المراقبة الأميركية؛ فقاعدة باغرام ليست مجرد مدرج طائرات يمتد على 3.6 كيلومتر ومصمَّم ليستوعب القاذفات العملاقة، بل كانت، خلال عقدين، مركز القيادة الأميركية وذراعها الطويلة للعمليات الجوية واللوجستية في المنطقة.
لكن «طالبان»، التي تحاول منذ عودتها إلى السلطة كسر عزلتها الدولية وتخفيف العقوبات المفروضة عليها، سارعت إلى رفض الفكرة علناً. المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد، شدد على أن قاعدة باغرام تحت سيطرة أفغانية بحتة، بينما كتب أحد نواب الوزراء شعراً على منصة «إكس» يذكّر الأميركيين بالهزيمة التي مُنوا بها على أبواب قاعدة باغرام.
وفي الوقت نفسه، لم تُغلق الحركة الباب كلياً؛ إذ ظهرت إشارات من مسؤولين آخرين توحي بإمكانية بناء علاقة سياسية أو اقتصادية مع واشنطن تقوم على المصالح المشتركة، وإن من دون أي عودة عسكرية مباشرة. هذا الموقف المزدوج يعكس حاجة «طالبان» الماسة إلى موارد اقتصادية واستثمارات خارجية، مقابل حرصها على إظهار أنها لم ولن تقبل بوجود عسكري أجنبي جديد.
التسريبات الإعلامية في الولايات المتحدة أوضحت أن إدارة ترمب تناقش منذ أشهر سيناريوهات إعادة السيطرة على القاعدة. بعض المصادر تحدثت عن أهداف متعددة: استخدام قاعدة باغرام نقطة ارتكاز لمراقبة الصين، ومركزاً محتملاً لمكافحة تنظيم «داعش» في أفغانستان، إضافة إلى الرغبة في الوصول إلى الموارد الطبيعية الغنية التي تختزنها الجبال الأفغانية من معادن نادرة وعناصر تدخل في الصناعات التكنولوجية. حتى إعادة فتح بعثة دبلوماسية أميركية في كابل طُرحت كأحد الاحتمالات إذا ما نجحت المفاوضات.
إلا أنّ هذه الحسابات تصطدم بعقبة سياسية أساسية، وهي: الاتفاق الذي وقّعه ترمب نفسه مع «طالبان» في 2020، والذي نصّ على الانسحاب الكامل للقوات الأميركية؛ ما يعني أن إعادة إدخال قوات جديدة ستبدو وكأنها تراجع عن التزامات سابقة، وهو ما قد يحرج واشنطن أمام حلفائها. إضافة إلى ذلك، فإن أي تحرك من هذا النوع سيُقرأ في بكين وموسكو على أنه محاولة مباشرة لتطويق الصين وتعزيز الوجود الأميركي قرب حدودها، ما يهدد بتصعيد التوترات الدولية.
موقف الحلفاء الغربيين بدوره اتسم بالقلق. فتصريحات ترمب حول الصين خلال مؤتمره مع ستارمر عُدّت إشارة إنذار؛ إذ يخشى الأوروبيون أن يتحول الملف الأفغاني إلى ساحة مواجهة إضافية بين واشنطن وبكين. القارة العجوز التي تستعد لتداعيات اقتصادية كبرى نتيجة الحرب في أوكرانيا ترى أن أي تصعيد جديد في آسيا الوسطى قد يفاقم الاضطرابات في الأسواق ويضعف التنسيق الغربي.
وبينما تبقى التصريحات الأميركية في إطار الرسائل السياسية، كان لافتاً أن وزارة الدفاع اكتفت بالقول إنها تراجع باستمرار «سيناريوهات الاستجابة المحتملة حول العالم»، من دون أن تؤكد وجود خطة فعلية لإعادة تمركز في أفغانستان. غير أن مجرد إحياء النقاش حول قاعدة باغرام يعكس إدراك واشنطن أن الانسحاب لم ينهِ التحديات، بل فتح الباب أمام منافسين استراتيجيين.
فقاعدة باغرام اليوم تقف في قلب مثلث معقد: «طالبان» التي تبحث عن شرعية ومكاسب اقتصادية من دون التفريط بما تعتبره نصراً تاريخياً. وواشنطن التي تريد تعويض ما تعتبره خسارة استراتيجية أمام الصين. وحلفاء غربيون يراقبون بحذر خشية انزلاق المنطقة إلى سباق نفوذ جديد. وفي خلفية المشهد، تبقى الصين التي تواصل تطوير ترسانتها النووية وتعزيز استثماراتها في آسيا الوسطى، ما يجعل أي عودة أميركية إلى قاعدة باغرام أكثر من مجرد مسألة أفغانية داخلية، بل حلقة جديدة في صراع القوى الكبرى على موازين القوة في القرن الحادي والعشرين.