أقلام وأراء

هاني عوكل يكتب – «كورونا» يهدد البيت الفلسطيني

هاني عوكل – 19/3/2021

ليس الاحتلال الإسرائيلي وحده من يتربص بالشعب الفلسطيني ويهدده في لقمة عيشه وحياته ومستقبل وجوده، وإنما أضيف إلى قائمة التحديات فيروس كورونا الذي ينتشر في الضفة الغربية وقطاع غزة، في الوقت الذي يعاني فيه القطاع الصحي من ضغوط كبيرة تشمل عدم توفر الإمكانيات الطبية للحد من انتشار الفيروس.

القيادة الفلسطينية بما فيها الفصائل التي اجتمعت مؤخراً في حوار القاهرة الذي عقد بجولته الثانية، اتفقت على إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد بتاريخ 22 أيار المقبل وكذلك الرئاسية بعد التاريخ السابق بشهرين وتسعة أيام، غير أن الكثير من التحديات ربما قد يعرقل هذا المسار.

عدا العلاقات الفصائلية المرتبكة منذ الانقسام الداخلي بعد الانتخابات التشريعية العام 2006، وعدا إشكالات الاحتلال الذي يعرقل إجراء الانتخابات، فإن «كورونا» يقف حائلاً دون المضي قدماً بالعملية الانتخابية في موعدها المحدد، استناداً إلى الأرقام المتوفرة بشأن زيادة عدد المصابين بالفيروس في الأيام القليلة الماضية.

لا يعني الحديث عن «كوفيد – 19» تسجيل موقف بشأن عدم إجراء الانتخابات أو تأجيلها في أفضل الأحوال، والأهم من كل ذلك التركيز على مدى جاهزية السلطة الفلسطينية والأجهزة الطبية والمؤسسات ذات العلاقة لمنع انتشار الفيروس، خصوصاً أن فلسطين المحتلة تشهد كثافة سكانية عالية قياساً بالمساحة الجغرافية.

الإصابات بالفيروس في فلسطين المحتلة تكاد تصل إلى ربع مليون شخص، وسجلت أعداد الوفيات ارتفاعاً في الأيام الماضية، حيث وصل العدد الإجمالي إلى 2590 حالة وفاة حسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية، وهو ما يشكل نسبة 1.1% من إجمالي الإصابات.

مكمن الخطر لا يتصل بالمصابين الذين ظهرت عليهم الأعراض وأجروا فحوصات كشفت عن وضعهم الصحي فحسب، وإنما الكارثة مرتبطة بمن يمتلكون مناعة قوية ولا تظهر عليهم أي أعراض ولم يجروا أي فحوصات، ويجهلون إن كانوا مصابين بالفيروس أم لا.

هؤلاء بالتأكيد سيصيبون من حولهم ومن حول حولهم، وستتدحرج هذه الكرة إلى أن تتفاقم الأوضاع الصحية كما هي الآن، ما وجب معه فرض المزيد من الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي «كورونا»، بالإضافة إلى شح إمدادات الحصول على اللقاحات لتحقيق ما تسمى مناعة القطيع.

ثمة حالات وفاة يومية تقيد في سجلات وزارة الصحة، وكذلك حالات إصابة بالفيروس تتجاوز الألفي شخص في اليوم الواحد، ودون التحوط من مقتضيات التباعد الاجتماعي وإلغاء حفلات الأفراح والتجمعات العائلية والمآتم، وكذلك تخفيف عدد العملاء وزوار المؤسسات الحكومية والخاصة، فإن الإصابات قد تتزايد مع الأسف.

ارتفاع أعدد المصابين يشي بأن الكثير من المواطنين لا يلتزمون بالإجراءات الوقائية لمنع الإصابة بالفيروس، وقد يعيق هذا الاستهتار بجهد المؤسسات الطبية التي تحرص على تقديم العلاج اللازم لمنع تطور وتدهور الحالة الصحية للمصابين، في حين أن الإجراءات الحكومية لإعادة فرض الإغلاق ومنع التجوال غير كافية إذا لم يكن هناك وعي شعبي جامع إزاء خطورة الفيروس ومدى سرعة انتشاره.

يكفي أن الاحتلال الإسرائيلي يتقصد استهداف الفلسطيني بكافة الأساليب لإنقاص الخزان الديمغرافي البشري على أرضه، سواء بالقتل أو التخويف والترحيل القسري، و»كورونا» يفعل ذلك أيضاً ويهدد كل بيت فلسطيني، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى مواطنيها في معركتهم مع الحياة ومقاومة الاحتلال.

الحكمة تتطلب من كافة المواطنين عدم الاستخفاف بالفيروس، واتخاذ أقصى درجات المسؤولية والحذر، إلى أن يتوفر اللقاح وتتحقق نسبة معقولة من مناعة القطيع، ومع ذلك عدم الاعتقاد بأن اللقاح هو الدواء الشافي الذي ينهي هذه الأزمة الوبائية غير العابرة.

نعم هي أزمة غير عابرة، لأن «كورونا» مع الأسف باقٍ والأولوية تتطلب التكيف معه، كما هو الحال مع معظم الفيروسات الموجودة والمنتشرة على الأرض، لذلك فإن مسألة الوعي بالصحة عموماً هي مسألة حياة أو موت بطيء أو سريع، طالما أن الناس منصرفة عن الاهتمام بأحوالها الصحية.

كلما أحسنا في إدارة ملف «كورونا» بما يخدم منع تفشي الفيروس، كنا الأقدر على تجاوز الصعاب ومن بينها محطة الانتخابات التشريعية والرئاسية طالما توفرت الإرادة الجمعية للمضي في هذه المحطة المهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني.

معالجة ملف الانتخابات تتطلب كما هو واضح مواصلة النقاش الفصائلي لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، وعدم الاستهانة بالفيروس الذي يمكنه أن يُعطّل المؤسسات ويشل الحياة السياسية والاقتصادية إلى الله أعلم.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى