أقلام وأراء

هاني المصري يكتب – سياحة على شواطئ فلسطين : الأسباب والتداعيات

هاني المصري – 11/8/2020

سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، لكل من يرغب من أهل الضفة الغربية الدخول إلى مناطق 48 من دون تصاريح، عبر الحواجز والفتحات، لدرجة السماح لدخول العديد بسياراتهم، ما أدى إلى قيام عشرات الآلاف، وهناك من يقول مئات الآلاف، منهم من هو مدرج على قوائم المنع من دخول إسرائيل؛ بانتهاز هذه الفرصة ورؤية البلاد، والسباحة في البحر، والتنزه على الشاطئ وفي الأسواق، والكثير منهم يزور بلاد الأجداد والبحر للمرة الأولى، فمن حقهم أن يفعلوا ذلك من دون وضع ذلك في سياق آخر، حيث إن الضغط المتراكم جراء الإغلاق المتواصل منذ انتشار وباء كورونا جعل الفلسطينيين ينتهزون فرصة السماح لهم بالدخول للعبور والترويح عن أنفسهم.

تباينت الآراء لتفسير لقرار الاحتلال، فهناك من فسّره بأنه أضر بالاقتصاد الفلسطيني، وأدى لمساعدة الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني بحدة جراء جائحة كورونا، وذهب البعض إلى أن الهدف منه إقامة الدولة الواحدة، في حين قال آخرون إن الهدف الدفع بانتشار وباء كورونا لإضعاف الفلسطينيين واستنزافهم بقضايا بعيدًا عن الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والضم، بينما ذهب آخرون إلى أن الهدف أظهر صورة أخرى للإسرائيلي مختلفة عن صورة الجندي الذي يقف على الحواجز ويمنع الحركة ويعتقل الفلسطينيين ويعتدي عليهم ويطلق عليهم النار بسبب ومن دون سبب، وعن صورة المستعمر المستوطن الذي يصادر الأرض ويطرد سكانها ويعتدي عليهم وعلى وأملاكهم وسياراتهم ومساجدهم، ويجعل حياتهم جحيمًا لدفعهم إلى الهجرة الداخلية والخارجية.

وهناك من فسّر القرار بأن سلطات الاحتلال تريد أن تظهر العين الحمراء للسلطة التي تعارض رؤية ترامب والضم، وتظهر أنها صاحبة اليد العليا، وأنها رغم حاجتها إلى السلطة، فهي قادرة على الاستغناء عنها، وهناك من فسره بأنه نتيجة وانعكاس للقرار الذي اتخذته السلطة بإغلاق الضفة من مساء الخميس وحتى صباح الأحد من كل أسبوع. وانتهز ما حدث، وطالب السلطة بالتراجع عن قرارها الذي لم يحقق غرضه، ليس بسبب زحف الفلسطينيين إلى داخل فلسطين، وإنما جراء عدم قناعة الكثير من الفلسطينيين، إن لم نقل معظمهم، بجدوى الإغلاق في ظل انتشار الوباء بشكل واسع، وعدم قيام الحكومة بضمان تنفيذ الإجراءات الوقائية، وخصوصًا منع الأعراس وبيوت العزاء والتجمعات الوطنية وفي السوبر ماركت والأسواق والمناسبات الاجتماعية المختلفة. وساعد على عدم الالتزام أساسًا أن الغالبية العظمى من المصابين إصابتهم من دون أعراض أو أعراض طفيفة، ما دفع إلى تغليب عودة الحياة الاقتصادية على مكافحة الكورونا، لأن تأثير الوباء الاقتصادي أكبر من تأثير وباء كورونا.

الكثير من هذه الأسباب صحيح أو صحيح نسبيًا، مثل السبب الاقتصادي، ولكن تأثيره محدود نظرًا لحجم الاقتصاد الإسرائيلي مقارنة بالفائدة القليلة المتحققة من السياحة الفلسطينية، وذلك لأن معظم أهل الضفة الذين زاروا الداخل أحضروا طعامهم واحتياجاتهم معهم، وصرفوا القليل من الأموال في إسرائيل، ولكن الأسباب السابقة لا تكفي وحدها لتفسير ما حدث، لذا يمكن إضافة ما يأتي:

ما حدث لم يحدث للمرة الأولى، بل تكرر سابقًا مرات عدة وبصورة أكبر، فضلًا عن إصدار تصاريح لمئات الآلاف، وخصوصًا في شهر رمضان.

إنّ ما يفسر هذا القرار أولًا وقبل كل شيء أن الاحتلال يشعر بالأمن والأمان، فلم نشهد عمليات مقاومة في الداخل منذ فترة طويلة، بينما شهدنا عمليات محدودة ومتباعدة في الضفة، وعلى ما يبدو بأن تقديرات أجهزة الأمن الإسرائيلية بعدم وجود تهديدات وإنذارات؛ جعلها تخاطر بالسماح بدخول واسع للفلسطينيين، لأن المخاطرة محدودة، وبالتالي لا خطر من خوض التجربة .وإذا استمر الهدوء، يمكن أن تتوسع سياسة السماح بدخول الفلسطينيين، وخصوصًا أن انتشار كورونا متقارب ومتناسب ما بين الضفة وإسرائيل، فلا خشية من انتقال العدوى، فالحال من بعضه.

السبب الثاني، وهو وثيق الارتباط بالأول، ويتعلق بأن نتنياهو واليمين الإسرائيلي بكل ألوانه، وهو المسيطر بشكل حاسم على حكومات إسرائيل منذ فترة وحتى إشعار آخر، يعتمد خطة إقامة “إسرائيل الكبرى” اليهودية العنصرية، ويعارض قيام دولة فلسطينية حقيقية، وأكثر ما يطرحه معازل مقطعة الأوصال، رغم أن سيادة الدولة واحدة من النهر إلى البحر، ولكن من دون منح الجنسية للفلسطينيين، بل يفكر في كيفية سحبها ممن حصلوا عليها، كما يدل ما جاء في رؤية ترامب حول ضم سكان المثلث، للكيان الفلسطيني الذي يمكن أن يسمى “دولة”، وكيفية طرد المزيد من الفلسطينيين إلى الأردن وإلى غزة وسيناء بعد توسيعها، وإلى بلدان هجرة جديدة لتحقيق توسع إسرائيل عبر ضم 30% من الضفة، على طريق ضم الضفة برمتها لاحقًا إلى حين توفر الظرف المناسب.

وهنا لا يمكن كذلك تفسير الخطوة الإسرائيلية إلا في إطار نظرية السلام الاقتصادي التي طرحها نتنياهو منذ مدة طويلة، وتنظر للفلسطينيين كمشكلة يجب أن تحل كأفراد، وليسوا شعبًا له هوية وطنية وحقوق يجب أن تلبى، ويمكن أن تكون الخطوة المناسبة لإسرائيل توفير الحد الأدنى للحياة للفلسطينيين ضمن معادلة إبقائهم بين الحياة والموت، حتى لا ينفجروا في وجهها إذا تدهورت حياتهم بالكامل، وما يجري في قطاع غزة نموذج على ذلك، حيث الحصار الخانق والعدوان المستمر والتهديد بالعدوان الشامل، والسماح بنفس الوقت بتخفيف الحصار، ونقل الأموال القطرية عبر إسرائيل طالما التهدئة قائمة ضمن مخطط لاحتواء حركة حماس وبقية فصائل المقاومة على طريق تغييرها أو ضربها إذا لم تروض بالكامل.

إن الاحتلال يرسل رسالة مفادها أن الفلسطيني الجيد هو الذي يقبل أن يعيش كمواطن بلا حقوق، ومن الدرجة الثالثة أو الرابعة، مقابل أن يسمح له بالعمل والعيش، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

يمكن تفهم إقدام الفلسطينيين على زيارة الداخل الفلسطيني كلما توفرت الفرصة لذلك، سواء كان هناك إغلاق اقتصادي بسبب جائحة كورونا أم لا، فهذه بلادهم وديارهم وممتلكاتهم، وهناك البحر المحرومون منه، وبدلًا من معارضة الأمر، خصوصًا من بعض أصحاب بطاقات (VIP) و(BMC)، يجب نشر ثقافة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية، وتشجيع شراء البضائع الوطنية، والترويج للسياحة داخل الضفة والقطاع، عبر تحسين الخدمات والنوعية وشروط السلامة، وتقليل الأسعار، ورعاية ودعم المناطق السياحية والأثرية، وتشجيع السياحة الدينية، فالقدس والأقصى تحت الاحتلال وضمّت لإسرائيل .

إن حالة التوهان التي تشهدها الساحة الفلسطينية واستمرار الانقسام، واعتماد إستراتيجية البقاء والانتظار من دون رؤية وإستراتيجية موحدة، وغياب المؤسسات الوطنية الجامعة والفاعلة، وعدم التوحد على مشروع وطني متفق عليه يجسد القواسم المشتركة؛ كل ذلك يساعد على انفلات الوضع الأمني، وتدهور الاقتصاد، وانتشار السلاح والفوضى، وزيادة الهوة بين القيادة والقوى والحكومة والشعب، وتبادل الاتهامات بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الأهلي والمواطن على من يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع، وعن استمرار الانقسام وانتشار كورونا، والعمل في المستوطنات … إلخ.

وفي هذا السياق، تحاول الحكومة تحميل المواطن أو القطاع الخاص أو المجتمع الأهلي المسؤولية، بحجة غياب الوعي وتغليب المصالح الفردية والحسابات السياسية، والتنصل من المسؤولية، مع أن الكل يتحمل المسؤولية، ولكن تبقى المسؤول الأول عن كل شيء هي القيادة، والقوى الرئيسية، وخاصة الحكومة المكلفة، فهي التي تتحمل المسؤولية في السراء والضراء، وعند النجاح أو الفشل، وتملك القوة والصلاحيات والمال والأجهزة الأمنية، وتستطيع أن تعالج وتتصدى وتنشر الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى