#أقلام وأراء

هاني المصري يكتب المشاركة في الانتخابات البلدية بالضفة وإجراؤها بالقطاع واجب‎‎

هاني المصري 4-10-2021م
لا شك أن كل ما ورد من تصريحات وبيانات لحركة حماس والفصائل والمجتمع المدني والشخصيات العامة والكتاب في معارضة إجراء انتخابات محلية جزئية، صحيح، كونه تهربًا من السعي لاتفاق على مقاربة شاملة، ومخالفًا للقانون الذي تضمن ضرورة إجراء الانتخابات في جميع الهيئات والمجالس البلدية والقروية مرة واحدة، وفي يوم واحد، وليس تجزئة ذلك إلا إذا توفر عذر، أما العذر الذي لجأت إليه السلطة فهو أقبح من ذنب، فالكورونا ليست عذرًا مقبولًا، فلا يمكن محاربة هذا الوباء بنجاعة أكبر إذا جرت الانتخابات على مراحل.

تعود الأسباب الحقيقية لتجزئة الانتخابات إلى محاولة استعادة جزء من الشرعية المفقودة، وإرضاء المجتمع الدولي، وخصوصًا أوروبا، وكسب الوقت لعل السلطة، وتحديدًا حركة فتح، تستعيد شعبيتها المفقودة، واستخدام المرحلة الأولى كاختبار إذا فاز مرشحوها تمضي في إجراء المرحلة الثانية، ومن المعروف أن الانتخابات في المدن الكبرى تشهد منافسة حامية وفرص مرشحي “فتح” فيها أقل من غيرها، وإذا لم تفز لن يمنع تحديد يوم إجرائها تأجيل المرحلة الثانية، إذا جاءت النتائج غير ما تشتهي السفن، مثلما حصل مع الانتخابات العامة.

وهذا الفوز متوقع، لأن المجالس والهيئات المحلية والقروية والبلدية في مناطق (ج) الخاضعة للاحتلال، مدنيًا وأمنيًا، عادة ما يفوز بها مرشحو السلطة والعائلات، خصوصًا إذا قاطعتها “حماس” والعديد العديد منها تفوز القوائم فيها بالتزكية. فمثلًا في انتخابات 2017 جرت انتخابات تنافسية في 159 هيئة مقابل 199 هيئة ترشحت فيها قائمة واحدة فازت بالتزكية، وفي انتخابات 2012 جرت انتخابات تنافسية في 123 هيئة مقابل 215 ترشحت فيها قائمة واحدة فازت بالتزكية، وغالبًا كانت القائمة الفائزة بالتزكية تابعة لحركة فتح.

صحيح أن الانتخابات يجب أن تكون شاملة، محلية وعامة ودورية وتجري بانتظام، وهذا ما يجب مواصلة العمل على تحقيقه، ولكن ليس من الصحيح القول إن الانتخابات المحلية ليس وقتها بسبب وجود أولويات أخرى، فتكمن أهمية الانتخابات في أن تُجرى في مواعيدها بشكل دوري ومنتظم، وهي تجاوزت موعدها بعد المرسوم الرئاسي الذي أجل كل الانتخابات لمدة ستة أشهر للتركيز على الانتخابات التشريعية والرئاسية واستكمال المجلس الوطني التي أُجلت بعد ذلك إلى أجل غير مسمى خشية من نتائجها، وليس بسبب رفض إسرائيل لإجرائها في القدس وفقًا لبروتوكول أوسلو، الذي لا يضمن – كما يزعم – السيادة الفلسطينية عليها، بل يكرس السيادة الإسرائيلية من خلال تحديد مراكز الاقتراع بعدد صغير من مراكز البريد، وحد أقصى للمقترعين، ومنع لجنة الانتخابات المركزية من الإشراف على الانتخابات.

الحوار حول المشاركة في الانتخابات المحلية أو مقاطعتها، من معارضي قرار التجزئة وجيه، مع خطأ عدم المشاركة في أي انتخابات محلية، يتوفر، ولو الحد الأدنى، من حريتها ونزاهتها واحترام نتائجها، كونها تعطي الفرصة للناخب للاختيار، ولمساءلة الهيئات المحلية ومحاسبتها، خصوصًا أن تدخلات الاحتلال فيها أقل – فضباط الاحتلال يهددون مرشحين للانتخابات المحلية إما عبر الاستدعاء أو الاتصال بهم لمنعهم من الترشح، فيما يعتقلون البعض قبل الترشح وبعد الفوز – من تدخلاته في الانتخابات العامة.

يشار إلى أن نسبة المشاركة في الهيئات المحلية بلغت في آخر دورتين حوالي 54%، وهي ترتفع في القرى والبلديات الصغيرة، فيما تقل في البلديات الكبرى، مثل نابلس والخليل والبيرة ورام الله، إذ وصلت النسبة في الانتخابات الأخيرة إلى 21% في نابلس، و29% في البيرة، و34% في الخليل، و39% في رام الله، فيما وصلت في بعض الهيئات المحلية الصغيرة إلى أكثر من 70 و80%.

وإذا كان من الطبيعي أن ترفض “حماس” الطريقة الانفرادية باتخاذ قرار الانتخابات المجتزأة للتغطية على تأجيل الانتخابات العامة، بما في ذلك رفض إجرائها في قطاع غزة، خصوصًا في ضوء الخلاف على المحاكم المختصة بالحكم في قضايا الانتخابات، إلا أنها مطالبة بوصفها السلطة القائمة هناك باتخاذ قرار بإجرائها مرة واحدة وفقًا للقانون، لأن رفض ومنع إجراء الانتخابات المحلية والانتخابات القطاعية بشكل عام في غزة يُحسب على “حماس”، وخصوصًا أنها لجأت إلى تعيين مجالس بلدية بدلًا من الانتخاب.

وهنا لا يعقل القول أو القبول بأن إجراء انتخابات محلية تجري مرة واحدة في القطاع يكرس الانقسام، أو يخالف القانون، لأن الاحتكام إلى الشعب مصدر السلطات لا يمكن أن يكون غير قانوني، بل تُقدّم “حماس” إذا فعلت ذلك نموذجًا ديمقراطيًا في الحكم، ولكن هذا لم يحصل حتى الآن. فهل تخشى “حماس” من إجراء الانتخابات خوفًا من الخسارة بفعل نموذج الحكم السيئ الذي قدمته للقطاع، والذي يعود إلى عوامل ذاتية وموضوعية، أهمها الحصار والعدوان، على خلاف نموذج المقاومة الجيد والملهم، فالشعبية التي حصلت عليها بفعل الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي والمقاومة الباسلة التي تجسدت في معركة سيف القدس لا تعكس نفسها بالضرورة على الانتخابات المحلية، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلتمضي في إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة بمرحلة واحدة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى