ترجمات عبرية

هارتس – كيف يمكن أن يشكل تقرير “أمنستي” خطراً على الشعب الفلسطيني؟

بقلم دمتري شومسكي  – 21/2/2022

السطور الأكثر أهمية من ناحية سياسية في التقرير الذي نشرته منظمة “أمنستي” الدولية في الأول من شباط، والذي جاء فيه أن إسرائيل تقيم نظام أبرتهايد في كل أرض إسرائيل – فلسطين الانتدابية السابقة، هي سطور كما يبدو أيضاً أكثر إحراجاً فيه: “رغم أننا نعترف بالقيمة الكامنة للادعاءات التي يطرحها عدد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية وغيرها، والتي تتبنى حق تقرير المصير على اعتبار أنه الإطار التحليلي للوضع في إسرائيل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة، إلا أن أمنستي تقيد تحليلها في حدود أطر قانونية تتعلق بشكل صريح بالتمييز العنصري الممأسس. ورغم أن هذه المنظمة تعترف بطلبات الشعبين، اليهودي والفلسطيني، في حق تقرير المصير المستقل، إلا أن أمنستي لا تتخذ موقفاً بشأن تسويات دولية سياسية أو قضائية، كان يمكن تبنيها لتطبيق هذا الحق”. (صفحة 38).

بكلمات أخرى، نحن كاتبي التقرير، ندرك وجود شعبين، يهودي وفلسطيني، بين النهر والبحر، يطالبان بالاعتراف بحقهما في تقرير المصير. نعرف أنه من أجل تجسيد كل منهما هذا الحق، ثمة حاجة لتسوية سياسية معينة. ولكننا لسنا سياسيين، بل رجال قانون. ليس من شأننا الانشغال بالسياسة الوطنية والجوانب السياسية. ننوي معالجة بوسائل قانونية آفة التفوق اليهودي والخرق الصارخ لحقوق الإنسان الفلسطيني.

هنا تكمن المشكلة، قمع حقوق الإنسان وحقوق المواطن الفلسطيني الذين هم بين النهر والبحر، ينبع بشكل مباشر من مصادرة حقوقهم القومية – السياسية في تقرير المصير من قبل إسرائيل. لذلك، لن يكون بالإمكان معالجة جذرية بانعدام المساواة الفردية للفلسطينيين إلا عن طريق الاعتراف الممأسس بالحقوق القومية الجماعية للشعب الفلسطيني في إسرائيل – فلسطين. هذا الاعتراف غير ممكن إلا بتسوية متبادلة بين حقوق تقرير المصير للشعبين، سواء بفيدرالية ثنائية القومية (المقرونة بخطر البلقنة) أو في إطار دولتين قوميتين سياديتين (مع أو بدون كونفدرالية بينهما). في المقابل، وضع العربة القانونية أمام الخيول السياسية، كما يقترح تقرير “أمنستي” قد يتبين أنه عملية مدمرة للشعبين، خاصة للشعب الفلسطيني، الذي هو الطرف الضعيف في النزاع القومي. ولإدراك ذلك، ليس أمامنا سوى أن نضع تحقق السيناريو أمام ناظرينا، الذي يظهر من التوصيات الفعلية في التقرير.

وحتى نضع حداً لنظام التفوق اليهودي بين البحر والنهر (الذي يسميه كاتبو التقرير أبرتهايد بمفاهيم ميثاق روما)، يوصي تقرير أمنستي بإلغاء قوانين التمييز العنصري القائمة في إسرائيل، بما في ذلك قانون القومية؛ وإزالة القيود على حركة الفلسطينيين التي فيها نوع من المس الجوهري بحقوق الإنسان؛ والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بيوتهم في إسرائيل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة. رغم التوصية بخطوات راديكالية على الصعيد القانوني – الإداري، إلا أن التقرير يتهرب على الصعيد الديمغرافي من المسألة السياسية بصورة مبدئية. يريد كاتبو التقرير الحفاظ على البنية الوطنية – السياسية القائمة: دولة إسرائيل السيادية والسلطة الفلسطينية التي ليس لها سيادة؛ وسلطة حماس في قطاع غزة، التي أصبحت إسرائيل مخولة بالرد على تهديدها الأمني لها بشكل متزن شريطة تجنب العقاب الجماعي.

السؤال المطروح هو: هل سيسلم ملايين الفلسطينيين من الشرق الأوسط ومن أرجاء العالم، الذين سيعودون إلى إسرائيل وإلى الضفة والقطاع، لفترة طويلة بالوضع السياسي المتمثل بغياب سيادة سياسية فلسطينية؟ هل سيكتفون بحقوق الإنسان الفردية التي يقترحها تقرير أمنستي عليهم؟ أم أنهم سيحاولون، بتشجيع من الإنجازات الديمغرافية الباهرة لتجسيد حق العودة، تحقيق كامل السيادة الوطنية السياسية؟ على الأغلب، معظم الفلسطينيين الذين سيعودون إلى وطنهم سيعتبرون عودتهم مرحلة في حرب التحرر الوطني. بطبيعة الحال، سيبدأون بالاحتجاج ضد حالة غياب سيادة، وفي النهاية سيثورون ضد إسرائيل، التي يعتبرونها كياناً كولونيالياً غير شرعي، سواء مع قانون القومية أو بدونه. إن نتائج انتفاضة كهذه معروفة مسبقاً، كارثة قومية أخرى واسعة الأبعاد على الشعب الفلسطيني، الذي مشكوك فيه إذا كان سينهض منها في المستقبل المنظور.

هناك من سيقولون إن هذا السيناريو خيالي حتى بالنسبة لكاتبي تقرير أمنستي، الذين يدركون أنه لن تنفذ أي توصية فيه فعلياً. لذلك، أهميته ليست بالتحديد في التوصيات التي يشملها، بل بمجرد التوثيق الشامل لمظاهر التمييز والاعتداءات العنصرية لإسرائيل على الفلسطينيين. التوثيق الأساسي لجرائم العنصرية الإسرائيلية جدير بالثناء، لكن إذا افترضنا افتراضاً غريباً كهذا، الذي يقول إن منظمة حقوق إنسان مهمة كهذه لا تأخذ توصياتها الفعلية هي نفسها بجدية، فيجب القول بأن تقرير أمنستي خطير على الشعب الفلسطيني، لأن هذا التقرير يعزز وهماً عبثياً خطيراً في أوساط القومية الفلسطينية، يقول بأن إنهاء الكولونيالية في إسرائيل – فلسطين، يمكن أن يتحقق بوسائل قانونية، مع تجاوز مسار التسوية السياسية بين الشعبين، اليهودي الإسرائيلي والعربي الفلسطيني.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى