هارتس: المصالحة الكردية .. التركية تشق الطريق لشرعية منظمات الإرهاب

هآرتس – تسفي برئيل – 13/7/2025 المصالحة الكردية – التركية تشق الطريق لشرعية منظمات الإرهاب
30 مقاتل ومقاتلة من التنظيم السري حزب العمال الكردي (بي.كي.كي) ساروا في يوم الجمعة في طابور منظم نحو وعاء كبير تم وضعه على مدخل مغارة، فيه نار مشتعلة، ووضعوا فيه سلاحهم. خلال فترة قصيرة النار حرقت الرشاشات والمدافع والجعب التي استخدمها رجال التنظيم السري في الحرب التي استمرت 40 سنة ضد الجيش التركي والمواطنين الاتراك، التي جبت حياة اكثر من 40 ألف شخص.
“القاء التنظيم لسلاحه يفتح صفحة تاريخية جديدة في تركيا”، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي حرص على التاكيد على ان “مشروع تحرير تركيا من الارهاب، الذي نعمل على تحقيقه، لا يعتبر نتيجة مفاوضات أو تنازل. نحن لن نسمح بالمس بكرامة جمهورية تركيا وسنواصل هذا المشروع بنفس الاسلوب. هذا انتصار لتركيا والاكراد والعرب و86 مليون من مواطني الدولة”.
قبل عشر سنوات، في آب 2015، تعهد اردوغان بان “الحرب ضد التنظيم السري الكردي ستستمر الى ان لا يبقى أي ارهابي”، كان هذا في حينه تعريفه لـ “النصر المطلق”، وهي كلمات سمع مثلها منذ سنتين على لسان رئيس الحكومة الاسرائيلية، وكانت موجهة لحماس. اردوغان لم ينجح في تدمير الارهابي الاخير، لكنه ايضا لم “يستسلم للارهاب”. بدلا من الحرب الخالدة هو مستعد لخلق الظروف التي ستعيد تحديد الاعداء من جديد.
لا يوجد عفو في الطريق
النجاح غير مضمون له. الى ان يتحول الاحتفال الرمزي باحراق السلاح الى “صفحة تاريخية” جديدة وانعطافة حقيقية في العلاقات بين الدولة التركية وبين التنظيم السري الكردي (الذي يعتبر في تركيا وفي الولايات المتحدة وفي الاتحاد الاوروبية تنظيم ارهابي) والاقلية الكردية التي عددها لا يقل عن 15 مليون مواطن، فان المسافة ما زالت طويلة.
زعيم التنظيم السري عبد الله اوجلان، اعلن في خطاب فيديو مسجل، القاه في يوم الاربعاء الماضي من سجن املاري الذي يقضي فيه حكم بالمؤبد منذ 1999، بان “هذه الخطوة هي انتقال طوعي من مرحلة الكفاح المسلح الى مرحلة السياسة الديمقراطية وسلطة القانون”. هذا بعد ان دعا في شهر شباط الماضي الى تفكيك التنظيم – الدعوة التي تمت الاستجابة اليها من قبل قيادة الاكراد في شهر ايار. ولكن ما زال يجب الانتظار ورؤية مستوى الاستجابة لهذه الدعوة في اوساط جميع المقاتلين. هل ستقوم من الـ بي.كي.كي منظمات مارقة تطالب باستمرار الكفاح المسلح، وهل النظام التركي لاردوغان سيرغب ويستطيع توفير على الاقل عدد من طلبات التنظيم السري الكردي؟.
طموحه باقامة حكم ذاتي للاكراد في تركيا تنازل عنه اوجلان منذ فترة. ولكن المطالبة باعطاء الاكراد حقوق ثقافية وقانونية متميزة، وحتى قبل ذلك العفو عن اعضاء التنظيم السري الذي سيسلمون سلاحهم أو تحرير اوجلان من السجن، هذه الطلبات يتوقع ان تواجه معارضة سياسية شديدة.
البرلمان في تركيا سيشكل لجنة خاصة يشارك فيها جميع ممثلي الاحزاب، والتي مهمتها طرح عدة اصلاحات قانونية تنظم حقوق الاكراد. هذه اللجنة سيطلب منها طرح التوصيات في بداية تشرين الاول القادم عندما سيعود البرلمان من الاجازة، وبعد ذلك سيبدأ النقاش الفعلي في هذه التوصيات قبل تثبيتها كقانون.
في محادثة مع “هآرتس” قالت مصادر كردية مطلعة على المحادثات: “نحن نشك في مصداقية الحكومة التركية واستعدادها لاجراء اصلاحات عميقة في مكانة اعضاء التنظيم السري أو مكانة الاكراد بشكل عام”. وقد ذكرت هذه المصادر عزل بعض رؤساء البلديات الاكراد من مناصبهم وتعيين رؤساء بلديات من قبل السلطة مكانهم. وذكرت الدعاوى القضائية التي تم تقديمها ضد نشطاء سياسيين اكراد وملاحقة المتصفحين الذين عبروا عن دعم حقوق الاكراد وحقيقة ان قوات الامن ما زالت تعمل في الاراضي العراقية والسورية ضد رجال التنظيم السري.
ليس من نافل القول التذكير بانه مرتين في السابق في 2009 وفي 2013، تم الاعلان عن وقف لاطلاق النار بين حزب العمال الكردي والحكومة في تركيا. وبدأت عملية سلم فيها مقاتلون اكراد انفسهم وسلاحهم، وحتى بدأت مفاوضات سياسية حول مكانة الاكراد في الدولة.
السيطرة على آبار النفط
وقف اطلاق النار في المرتين انهار، وفي اعقاب ذلك تم استئناف الحرب ضد حزب العمال بكامل القوة. التغيير في هذه المرة هو ان الحديث لا يدور عن وقف لاطلاق نار مشروط بالمفاوضات، بل اعلان الاكراد مبدئيا عن التوقف عن الكفاح المسلح والموافقة على تسليم السلاح وتفكيك التنظيم والانتقال الى النضال السياسي الذي يهدف الى دمج الحزب في الحياة السياسية التركية. كل ذلك حتى قبل التوقيع على الاتفاق، وقبل ان يحصل حزب العمال على انجاز حقيقي مقابل التنازلات التي قدمها.
عملية المصالحة هدفها هو سياسي، يهدف الى خدمة اردوغان”، قال مصدر كردي، والقصد هو طموح اردوغان الى تغيير الدستور بحيث يمكنه ترشيح نفسه للمرة الثالثة في الانتخابات للرئاسة، التي يتوقع اجراءها في 2028. تعديل الدستور الذي يسمح فقط بولايتين للرئيس يحتاج الى اغلبية 360 عضو في البرلمان. في هذه الاثناء اردوغان لديه مع شركائه في الائتلاف – حزب الحركة الوطنية اليميني المتطرف ام.اتش.بي، فقط 319 مقعد. من يمكنه ترجيح كفة الميزان هو الحزب الذي يؤيد الاكراد ام.إي.دي، الذي يوجد له 57 مقعد في البرلمان. المصالحة مع حزب العمل يمكن ان تنقل اليه دعم الحزب المؤيد للاكراد في عملية تعديل الدستور، وبعد ذلك تحقيق الفوز في الانتخابات.
الى جانب الاعتبارات السياسية لاردوغان فانه يوجد للمصالحة التركية – الكردية هدف استراتيجي آخر حيوي بالنسبة لتركيا، يرتبط بالتطورات في سوريا، حيث يسيطر هناك تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (“قصد”، وهو الذراع العسكري في مجلس الحكم الذاتي الكردي) على ثلث اراضي الدولة. تركيا وقعت في شهر اذار على اتفاق مبدئي مع النظام الجديد في سوريا برئاسة احمد الشرع، وحسب هذا الاتفاق فان القوات الكردية في سوريا يمكن اندماجها في الجيش السوري الوطني الذي يقوم بتشكيله الشرع وتسليم للنظام السيطرة على المعابر مع تركيا والعراق، وتسليم آبار النفط في شمال سوريا.
تطبيق هذا الاتفاق اصطدم منذ التوقيع عليه بصعوبات، التي اساسها مطالبة الاكراد الحفاظ على الاستقلالية وتميز اطارهم العسكري حتى بعد الانضمام للجيش السوري، وضمان للاكراد في سوريا درجة من الحكم الذاتي وشريحة معقولة في ميزانية الدولة. الولايات المتحدة التي بادرت الى ودفعت الاكراد للتوقيع على الاتفاق تستخدم الآن الضغط على زعيم القوات مظلوم عابدي من اجل انهاء تطبيق الاتفاق في اسرع وقت، من اجل ان يكون بالامكان استكمال انسحاب القوات الامريكية من سوريا، وهي العملية التي بدأت قبل بضعة اسابيع.
حسب الخطة الامريكية فان الجيش السوري “الجديد” والجيش التركي، هما اللذان سيكونان من الآن فصاعدا المسؤولا عن محاربة داعش بدلا من القوات الامريكية. الشرط الامريكي هو ان تتعهد تركيا بوقف الحرب ضد القوات الكردية في سوريا التي ما زالت تعتبرها منظمة ارهابية بسبب علاقتها مع حزب العمال الكردي.
الاندماج بدل الاقتتال
ظاهريا، المصالحة الكردية – التركية التي ستحول حزب العمال الى حركة سياسية قانونية، ستطهر ايضا القوات الكردية في سوريا من صفة “منظمة ارهابية”. وهكذا سيتم الغاء ذريعة تركيا في مواصلة محاربتها. بشكل خاص اذا تحولت هذه القوات الى جزء لا يتجزأ من الجيش السوري، الذي تقوم ببنائه الآن تركيا. في هذه الخطة ما زال هناك عدد غير قليل من الاطراف التي لم يتم ربطها حتى الآن، والتي يمكن ان تبقي الخطة في المجال النظري لفترة طويلة.
في نفس الوقت المصالحة الكردية – التركية والمصالحة الكردية – السورية ترسخ النموذج الآخذ في التبلور ايضا في العراق ولبنان، الذي بحسبه قوات غير نظامية، من بينها تنظيمات مسلحة ومليشيات التي بعضها ما زالت تعتبر ارهابية، يمكن ان تصبح جسم شرعي مقابل تسليم السلاح والاندماج في جيش الدولة أو المنظومة السياسية الرسمية فيها.