ترجمات عبرية

هآرنس: إسرائيل تتحول مشروع استيطان له دولة

هآرنس 2023-03-23، بقلم: عميره هاس: إسرائيل تتحول مشروع استيطان له دولة

بدون أي صلة بتعديل قانون فك الارتباط، الذي تمت المصادقة عليه ليلة الاثنين – الثلاثاء، فان مستوطنات كديم وغانيم وسانور وحومش لم يتم مسحها في أي يوم من قائمة المستوطنات لمجلس «يشع»، والتي تظهر على موقعه كـ «استيطان منتصر».

من أجل إزالة الشك فان قائمة «يشع» تشمل أيضاً جميع المستوطنات في قطاع غزة، التي تم تفكيكها في العام 2005. حتى الآن تصعب رؤية اعضاء «يشع» في الكنيست – الاعضاء النشطين جدا في الصهيونية الدينية ومن يقلدونهم في «الليكود» – يفرضون على إسرائيل وعلى الجيش إعادة اسكان اليهود في القطاع المكتظ الذي هو بحاجة ماسة الى الاراضي والمياه. ولكن من السهل تخيل «أمانة» و»نحلاه» والمجلس الاقليمي شومرون أو أي جهة استيطانية تمول المكوث الممتد لإسرائيليين في المواقع الاربعة في شمال الضفة الغربية.

المكوث الممتد لإسرائيليين يحتاج كرفانات وخياماً ومياهاً ومولدات للكهرباء وجنوداً يحرسون – ولا يترددون في الاعتقال أو اطلاق النار واصابة وقتل متظاهرين فلسطينيين – وقضاة عسكريين يرسلون المتظاهرين الفلسطينيين الى الاعتقال، ومقاولين يصلحون الطرق، واعضاء كنيست يزورون ويرقصون ويفتحون مكاتب. كل ذلك كان متاحاً حتى قبل أن يتم إقرار التعديل. الآن كل ذلك متاح بأضعاف عن ذي قبل.

يبدو أن تعديل القانون يدل على تصميم استثنائي لحركة المستوطنين التي نجحت في التغلب خلال السنين على قوانين واتفاقات سياسية والاستيطان في قلوب معظم الإسرائيليين. حدث احتفالي – هكذا اعتبرت وزيرة المستوطنات اوريت ستروك، التصويت في الليل في برنامج الصباح في راديو ب، حيث وجدت المذيعة صعوبة في وقف تدفق اقوالها وخطابها الانفعالي عن أرض إسرائيل وأحقية اقوال بتسلئيل سموتريتش. لكن فعلياً تعديل القانون الاساس يذكر بأن الشرنقة ثارت على صانعها، وبدرجة كبيرة. لم تعد إسرائيل دولة تقوم ببناء المستوطنات، بل هي مشروع استيطان، مشروع كولونيالي، له كنيست ودولة.

تطورت أسس كثيرة في عملية الانقلاب النظامي وتحولت الى خصائص إسرائيلية في عملية اقامة المستوطنات: نجاعة،

سرعة، تخطيط في الظلام، اكاذيب بدون خوف، خدع مالية مع الغمز، تشويه الحقائق، ليّ عنق القوانين القائمة لاستغلالها وخرق القانون الدولي، تسامح من قبل الشرطة والجيش والنيابة العامة والمحاكم تجاه عنف المستوطنين، وايضاً خرق قرارات المحكمة العليا المعدودة التي تتعلق بجزء صغير من الاراضي الفلسطينية التي تم سلبها. وعلى رأس القائمة عدم الاكتراث بمواقف واحتياجات الاغلبية بواسطة إبعاد الفلسطينيين عن أي حساب. هذه هي العنصرية النقية التي تعودنا عليها تحت غطاء الاعتبارات الإحصائية العادلة.

على سبيل المثال، حومش، أمر عسكري من 1968 وضع اليد على اراض زراعية لسكان قرية برقة وقرية سيلة الظهر، كما يبدو لأغراض أمنية. اقيمت هناك مستوطنة للناحل باسم معاليه ناحل. وهذه تم اسكانها في نيسان 1980. موقع «كيرم نبوت» – وهي جمعية تبحث وتوثق سياسة سرقة اراضي الفلسطينيين – نشر وثيقة عسكرية داخلية في الشهر ذاته، تم التوضيح فيها بأن «القصد هو اسكان بؤرة معاليه ناحل من خلال التجنب بقدر الإمكان أي نشر، سواء للمحليين أو في وسائل الاعلام». أمر وضع اليد لم يتم الغاؤه فور «فك الارتباط»، بل بعد نضال قانوني للسكان. ولكن المستوطنين، بمساعدة الدولة والجيش والشرطة، منعوا بطرق كثيرة عودة الفلسطينيين الى اراضيهم. كل شيء يوجد هنا: عدم الاكتراث بحقوق واحتياجات الفلسطينيين، والبصق على القانون الدولي، والخدع لتجاوز القانون، والاستخفاف بالمحكمة العليا، وتسامح مشجع للعنف.

منذ خمسين سنة تقريباً تستخدم دولة إسرائيل المستوطنات للدفع قدماً بالهدف العلني وشبه العلني – هذا يتعلق بالفترة – وهو إحباط اقامة الدولة الفلسطينية، مع تحطيم الفضاء وخلق جيوب منفصلة لحكم ذاتي فلسطيني محدود في صلاحياته وموارده من الاراضي والمياه. هذا دائماً كان رقصة تانغو: تشرع الدولة وتبادر وتخطط وتسرق الاراضي الفلسطينية وتقوم بالبناء والتوطين، ويسير المستوطنون بضع خطوات الى الامام، يبدو خلافاً للخطة الرسمية وخلافاً لعدة قوانين. تغفر الدولة وتصادق بأثر رجعي وتبادر الى خطط جديدة، ويبادر المستوطنون بدورهم ويسرقون المزيد من اراضي الفلسطينيين، ويتباكون في الوقت نفسه. وهكذا دواليك.

الانفعال الديني – القومي غير كاف لفهم الظاهرة. رقصة التانغو الملاصقة للدولة ومؤسساتها مع المستوطنين بنت قوتهم السياسية الضخمة. وهذه القوة أخذت تتعاظم بفضل الدعم والتسهيلات والتحسين الاقتصادي – الاجتماعي التي وعد بها المستوطنون الايديولوجيون وغيرهم على حد سواء – حريديون، حريديون قوميون وعلمانيون – بفضل اللامبالاة العامة للمجتمع الإسرائيلي في معظمه إزاء ما يحدث وراء الخط الاخضر ودعم الدول الغربية لإسرائيل رغم معارضتها العلنية للمستوطنات.

«فك الارتباط» في 2005 تم تنفيذه لأن اريئيل شارون عمل حساباً للجدوى العسكرية والاقتصادية: مطلوب عدد اكبر من القوات العسكرية من أجل الدفاع عن مستوطنات القطاع والمستوطنات المعزولة في شمال الضفة الغربية. فك الارتباط وافق تماماً العملية التي دفعتها إسرائيل قدماً منذ 1991 والتي تتمثل بفصل الفلسطينيين عن بعضهم، أي فصل سكان القطاع عن سكان الضفة الغربية. هذه هي الوسيلة الأولى من حيث اهميتها، لإحباط اقامة الدولة الفلسطينية.

اعتقد الغارقون في الاوهام أن الامر يتعلق بخطوة قبل الانسحاب النهائي. ولكن هذا لم يكن هو الهدف. كانت إسرائيل ايضاً ستغير بشكل احادي الجانب التصنيف الاصطناعي وغير المنطقي الجغرافي لمواقع الاستيطان (من مناطق ج التي توجد تحت سيطرة امنية ومدنية إسرائيلية كاملة الى مناطق أ و ب التي توجد تحت سلطة مدنية وإدارية فلسطينية). لم تكن إسرائيل لتمنع السلطة الفلسطينية من استخدام اراضي جنين لإقامة قرى للاستجمام أو تحسين المسجد في صانور والدفاع عن المزارعين. في اللحظة التي لم تفعل فيها جميع حكومات إسرائيل ذلك تمت الاشارة للمستوطنين بأنه يمكنهم مواصلة استخدام خدعهم التي تحتاج الى تمويل كثير من اجل العودة والمطالبة بالملكية على الأراضي المسروقة. تعديل قانون الانفصال تم تطبيقه في جزء كبير منه قبل فترة طويلة من اقراره.

الباحثون في الدولة العميقة سيجدون ذلك في الهستدروت الصهيونية وكيرن كييمت و»يشع» والجهات الاستيطانية للمستوطنات وفي مؤسسات اليمين التي يمولها اصحاب المليارات من يهود أميركا، وفي سلطة اراضي إسرائيل وفي وحدة منسق اعمال الحكومة في المناطق في وزارة الدفاع وفي الإدارة المدنية التابعة لها، وفي سلطة الطبيعة والحدائق وفي النيابة العامة التي قامت بشرعنة كل سرقة.

قامت الاجزاء الآخذة في التعزز من هذه الدولة العميقة بحياكة «الإصلاح القضائي» لتخليد سلطة اليمين الاستيطاني، وقبل كل شيء من أجل إخضاع وإبعاد الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر الى الهامش بشكل اكبر. تخيف خطتهم الآن وبحق جزءاً كبيراً من المجتمع الإسرائيلي – اليهودي.

الوسائل التي جربتها إسرائيل والمستوطنون بنجاح على الفلسطينيين، الآن تستخدم في عملية الانقلاب ضد جزء كبير جداً من المجتمع الإسرائيلي. المشكلة هي أن رجال الاحتياط، الذين أعلنوا بأنهم سيرفضون الخدمة، ورجال الهايتيك الذين يقومون بالاحتجاج، عززوا على مدى السنين نظام سرقة الاراضي والذي بني كله على تشويه القانون والعدالة. الأغلبية الساحقة من الأكاديميين ورجال القانون ورجال التعليم ورجال الاقتصاد ورجال الإعلام لم يخرجوا بجموعهم ضد النظام العبثي الذي أقامته إسرائيل وراء الخط الأخضر، أو ببساطة قاموا بتأييده، حتى الآن يرفضون الربط بينه وبين الوضع الكارثي لليهود، الذي سيقيمه هنا الانقلاب النظامي. وحبة الكرز على الكعكة هي أن كبار قادة المعارضة يستمرون في التصويت مع الائتلاف على القوانين المناهضة للفلسطينيين.

روح تعديل قانون «فك الارتباط» سبقت حملة التشريع الخاطفة، والتعديل هو جزء لا يتجزأ من عملية التشريع الخاطفة. لأن الانقلاب النظامي هو المكافأة الناكرة لجميل، ولكن المتوقعة من مشروع الاستيطان الذي توجد له كنيست، دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي، من اجل الشكر على سنوات كثيرة من رقصة التانغو الملاصقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى