ترجمات عبرية

هآرتس: إيران تقترب من مصر وتوسع شرعيتها الإقليمية

هآرتس 21-7-2023، بقلم تسفي برئيل: إيران تقترب من مصر وتوسع شرعيتها الإقليمية

فقرات طويلة وحازمة وخطيرة خصصها رئيس الدولة، إسحق هرتسوغ، للتهديد الإيراني في خطابه الذي ألقاه في الكونغرس الأمريكي. “كي لا نخطئ، فإيران لا تسعى للتوصل إلى الطاقة النووية لأهداف سلمية. إيران تبني قدرة نووية تشكل تهديداً على استقرار الشرق الأوسط وخارجه. أي دولة أو أي منطقة تخضع للنفوذ الإيراني، تعرضت للدمار الشامل”، ثم حصل على تصفيق جارف على أقواله هذه. واصل هرتسوغ حديثه محصياً الدول التي تعرضت للدمار والخراب عقب نفوذ إيران وتدخلها. “شاهدنا هذا في اليمن وقطاع غزة وسوريا ولبنان والعراق”.

الدقة التاريخية لم تكن هي التي تقوده؛ فاليمن انهار بعد ثورة الربيع العربي التي لم يكن لإيران أي صلة بها. أيضاً بعد بدء الحوثيين بالهجوم على شمال اليمن ووسطه أوصتهم إيران أن لا يدخلوا إلى مواجهة شاملة مع النظام الجديد المدعوم من السعودية. ولكن السعودية هي بادرت إلى الحرب الكبيرة مع الإمارات، وتستمر منذ نحو ثماني سنوات. ولم تصعد هذه الحرب على مسار الدبلوماسية إلا في السنة الماضية، بعد ضغط كبير من الولايات المتحدة، بالذات على السعودية.

أما عراق صدام حسين، فكان حليفاً لأمريكا إلى أن احتل الكويت في العام 1990. وخلال عقد، كان العراق خاضعاً لنظام عقوبات أمريكية ودولية شديدة، انتهت في حرب الخليج الثانية في 2003. هنا بدأ الدمار الكبير للعراق ودخول إيران بواسطة النظام الجديد الذي تم تشكيله في العراق بإشراف الولايات المتحدة والتي وفرت مليارات الدولارات لماكينة الفساد الأكبر في العالم. لإيران تأثير كبير على العراق، وهي الشريكة الأكبر في تجارته، 10 مليارات دولار. ولكن بدون الكهرباء والغاز اللذين تبيعهما إيران للعراق، لأصبح وضع بغداد أسوأ بكثير. ليس من النافل الإشارة إلى أن إيران والمليشيات الشيعية التابعة لها شاركت بشكل نشط وفعال في الحرب ضد داعش – أكثر بكثير على الأقل في المرحلة الأولى من الجيش العراقي الفاشل الذي هرب من المعركة بعد أن تم تدريبه على يد قوات الولايات المتحدة.

أما سوريا فتم تدميرها بفعل ذاتي على يد الرئيس بشار الأسد، الذي حصل على دعم من إيران. ولكن الانعطافة الاستراتيجية في موقفه بدأت عندما تدخلت روسيا عسكرياً في الحرب في سوريا في 2015. فقد أحدثت انعطافة في ميزان السيطرة في الدولة وأعادت 70 في المئة من أراضيها ليد النظام. بقي لبنان النموذج الوحيد للدولة التي يوجد لإيران مسؤولية عن تدميرها والتدخل فيها بواسطة “حزب الله”. لكن ليس من النافل أيضاً التذكير بأن خلفية نمو وسيطرة “حزب الله” في لبنان هو الـ 18 سنة من وجود إسرائيل في لبنان، التي حولت هذه المنظمة إلى القوة الوحيدة التي كان يمكنها مواجهتها وبناء ميزان ردع أمامها.

إيران لا تعتبر دولة صالحة؛ فقبل فترة طويلة من البدء في تطوير قدرتها النووية، كانت تعتبر تهديداً إقليمياً بسبب الثورة الإسلامية التي حدثت فيها والتي هددت بالانزلاق إلى دول إسلامية أخرى. كان التهديد مزدوجاً: تهديد كان يمكن أن يقوض الأنظمة التي حاولت الموازنة بين الدين والدولة والأنظمة التي تهدد هيمنة السنيين في الشرق الأوسط. عندما عرضت إيران مشروعها النووي كمشروع إسلامي يهدف إلى خدمة جميع الدول الإسلامية ضد قدرة إسرائيل النووية ووجهت بالانتقاد والمعارضة الشديدة، جاء الانتقاد تحديداً من الدول العربية والإسلامية التي بدأت ترى في إيران تهديداً أيديولوجياً وسياسياً، بل وعسكرياً أيضاً. ولكن هذه الرؤى التاريخية مرت بعدة تطورات، وآخرها التطور الذي يحدث الآن بالذات.

في اليوم الذي ألقى فيه هرتسوغ خطابه في الكونغرس، أصدر المتحدث بلسان وزارة الخارجية المصرية بياناً هاماً آخر. قال المتحدث أحمد أبو زيد، في مقابلة تلفزيونية، بأن “إيران دولة كبيرة لها مصالح في المنطقة. مصر تحرص على أن تكون نشاطات إيران إيجابية وتحترم سيادة الدول وإرادة شعوبها. إذا كان هذا توجهها نعتقد أن هذه العلاقة معها ستتطور بشكل واضح وعلني”. في الوقت الذي كان فيه أبو زيد يتحدث، خرجت من طهران رسالة مشابهة لوزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. “بدأت المحادثات حول مواضيع أمنية مع مصر، والتطور الأخير في هذا الشأن هو الرسالة التي نقلها سلطان عمان هيثم بن طارق، الذي زار طهران بعد اللقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي”. قبل ذلك، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إنه أبلغ الزعيم الأعلى علي خامنئي عن المحادثات وعن نية استئناف العلاقات مع مصر. “خامنئي بارك ذلك”.

منذ اتفاقات كامب ديفيد، تم قطع العلاقات بين إيران ومصر. وقامت الدولتان بإدارة شؤونهما من قبل مكاتب حماية مصالح بدون سفراء. تمسك رؤساء مصر بحزم بخط هجومي ضد إيران، مثلاً انضم السيسي للتحالف العربي الذي شكلته السعودية وأمريكا ضد إيران، وللمقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين على قطر.

“وحدة الصف” التي ميزت دول الخليج ومصر في علاقاتها مع إيران هي الوحدة التي تفكك عداءها لها الآن. الحصار والمقاطعة التي فرضت على قطر انتهت في كانون الثاني 2021، ومطالبة هذه الدول بقطع علاقاتها مع إيران انتهت بدون شيء. بعد سنة ونصف، في آب، استأنفت الإمارات علاقاتها مع إيران وعينت فيها سفيراً. بعد ذلك، وقعت أبو ظبي على عدة اتفاقات اقتصادية مع طهران، وأوقفت تجميد سياسة تأشيرات الدخول التي تعطيها للإيرانيين. في آذار، أعلنت إيران والسعودية عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وعن نية توسيع التعاون التجاري واستئناف الاتفاق الأمني الذي وقع في العام 2000. بعد استئناف العلاقات، بدأت أيضاً محادثات الوساطة في العراق بين ممثلين من مصر وإيران. نشر في مصر بشكل غير رسمي عن نية استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين الدولتين وعن نية السماح للسياح الإيرانيين بزيارة مصر. سارع بعض المحللين في مصر إلى التنبؤ باحتمال حدوث لقاء بين السيسي ورئيسي حتى نهاية السنة.

لم تكتشف مصر الضوء بشكل مفاجئ، ولم يختف تشككها أو عداؤها لإيران فجأة. ولكن السيسي قارئ خبير في الخارطة الاستراتيجية، ولا يريد أن يكون خارج الدائرة العربية ذات الصلة من ناحيته، التي غيرت استراتيجيتها المناوئة لإيران الخطية التي قسمت المنطقة إلى معارضين لإيران ومؤيدين للولايات المتحدة من جهة، وإلى أصدقاء إيران ومعارضي الولايات المتحدة من جهة أخرى. تفكيك الكتل يتطور في السنتين الأخيرتين، وقد أصبح بارزاً في علاقات دول الخليج مع الصين وروسيا إلى جانب الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة. السعودية والإمارات وقعتا مع الصين على اتفاقات للاستثمار والتجارة المتبادلة بمليارات الدولارات. وتجدر الإشارة إلى أن الصين هي التي توسطت ومنحت رعايتها لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران.

تداعيات هذه العملية التكتونية بدأت تتضح عند إصدار بيان انسحاب الإمارات من التحالف العسكري (المناوئ لإيران) الذي شكلته الولايات المتحدة مع إعادة سوريا إلى الجامعة العربية ومنح الشرعية العربية للأسد رغم موقف واشنطن. هكذا دللت الخطوات السياسية التي هدفت إلى ترسيخ “ممر العبور الشمالي نحو الجنوب” بين روسيا والخليج الفارسي عبر إيران وإعلان مجلس التعاون الخليجي عن نيته تعميق التعاون مع إيران. كل ذلك يرسم خطوط الاستراتيجية الجديدة التي بحسبها ستستمر العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، لكنها لم تعد تحظى بمكانة احتكارية.

في غضون ذلك، ترسل واشنطن رسائل تهدئة محددة بشأن العقوبات على إيران. في هذا الأسبوع، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 14 بنكاً في العراق للاشتباه بنقل الدولارات إلى إيران. مع ذلك، في الوقت نفسه، سمحت الإدارة الأمريكية للعراق بأن تدفع لطهران من الأموال المجمدة في البنوك فيه مقابل الكهرباء التي تشتريها منه، شريطة ألا يتم الدفع على يد البنوك العراقية. صحيح أن الولايات المتحدة منحت بغداد سابقاً إعفاءات محدودة من العقوبات للعراق كي يستطيع السداد لإيران، ولكن ثمة تقارب في الأحداث اليوم – ربما ليس بالصدفة – بين تقارير عن استعداد واشنطن لتحرير الأموال الإيرانية المودعة في العراق وفي كوريا الجنوبية، والسماح بالدفع لإيران. من غير الواضح إذا كانت هذه الخطوة جزءاً مما يسمى “التفاهمات الشفوية” بين إيران والولايات المتحدة باعتبارها خطوة التفافية لاتفاق نووي موقع عليه. لكن في الوقت نفسه، لم ينشر أيضاً عن استمرار تخصيب اليورانيوم بمستوى أعلى، الخطوة المطلوبة من إيران في هذه التفاهمات.

حزام الشرعية العربي آخذ في الالتفاف حول إيران. وتجاوز العقوبات، بالأساس على يد الصين وروسيا، يثير قلق واشنطن من انهيار منظومة العقوبات بشكل يضر بفعاليتها كونها أداة ضغط اقتصادية، لا سيما أنها لم تثبت حتى الآن نجاعتها السياسية.

نظام العقوبات ما زال متشدداً نسبياً. حتى إن الصين، زبونة النفط الكبرى لإيران، لم تسارع إلى تطبيق الاتفاق الذي وقعت عليه مع طهران حول استثمارات بمبلغ 400 مليار دولار خلال 25 سنة. السعودية ليست في عجلة من أمرها لتطوير آبار النفط في إيران. وشركات روسية، منها شركات وقعت على مسودات تفاهم مع طهران، بقيت في البيت في هذه الأثناء. ولا ضمانة في أن هذا الوضع سيستمر إلى الأبد، أو أن توافق إيران على التوقيع على اتفاق، فضلاً عن وقف تخصيب اليورانيوم بمستوى أعلى من 60 في المئة. هذه التطورات ستلزم الولايات المتحدة بـ “إعادة ضبط سياستها تجاه إيران والمنطقة بما يتجاوز بديهية أنها لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى