هآرتس: يجب معارضة هذا العمل الفظيع، والتذكر أيضا بانه يوجد للناس دائما اكثر من دور

هآرتس – حجاي العاد – 7/9/2025 يجب معارضة هذا العمل الفظيع، والتذكر أيضا بانه يوجد للناس دائما اكثر من دور
قبل اسبوع ونصف توجه المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي ببيان لسكان شمال القطاع جاء فيه: “اخلاء مدينة غزة هو امر لا مناص منه – وكأن الامر يتعلق بأمر الهي أو قدر محتومط.
لا يجب أن يكون المرء بروفيسور في التاريخ في احدى الجامعات التي دمرناها في غزة، من اجل ان تدوي كلمات اعلان الطرد في الوعي وأن تحدث الندب وتثير الذكريات والاشتياق والغضب. حيث ان هذه ليست المرة الاولى التي يطرد فيها اليهود الفلسطينيين. الذاكرة التاريخية ليست فقط تاريخ، بل هي حاضر متواصل، وكلما تمكنت العيون من النظر الى الامام فان هذا ايضا يشكل المستقبل.
يوجد فلسطينيون، ويهود ايضا، لا يستطيعون سماع المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي في هذه الايام أو التفكير بدافيد بن غوريون في تلك الايام، قبل حوالي 77 سنة، وهو يكتب في مذكراته في خريف 1948: “لقد بقي لعرب ارض اسرائيل فقط دور واحد وهو الهرب”.
يبدو كأنه منذ بداية الصهيونية هذا كل ما نقدر على تخيله، اختفاءهم. حيث لكوننا شعب بدون ارض جئنا الى ارض التي هي بالتحديد لم تكن فارغة. اذا بقي لنا نحن يهود ارض اسرائيل فقط دور واحد وهو جعلهم يهربون. كل الذكريات، الثقافة، الانسانية، الشعر والأدب، كليات التاريخ ومشاهد طفولتهم، تتم تسويتها واختزالها بشكل مطلق: لا يوجد لها أي معنى. وقد بقي لها فقط دور واحد، وهذا يبقي لنا ايضا دور واحد، حيث انه اذا كان هذا ما نفعله الآن، فأي معنى يوجد للثقافة والادب ومشاهد طفولتنا؟.
في النظام العسكري المحدث يسمى هذا “من الارضية الى السقف”. مستقبل فارغ ومسطح. هنا في البداية كان هناك منزل. وكان هناك شيء له حجم. ولكن حتى سقف المنزل لم يبق له الا وظيفة واحدة.
في نهاية المطاف هذا ما قاله رئيس الاركان هرتسي هليفي لزوجته في صباح 7 اكتوبر: “غزة ستدمر”. هذا الامر ينطبق على حوالي 70 في المئة من بيوت القطاع، ايضا “بعد قليل مدينة غزة “ستكون مثل بيت حانون”، كما وعد وزير الدفاع. بيت حانون الآن اصبحت مثل رفح، التي اصبحت مثل مئات قراهم بعد 1948. القرى التي كانت ذات مرة محاطة بالحقول والآن هي محاطة بالمستوطنات، وتم اقتلاع آلاف اشجارهم.
فقط دور واحد يوجد لنا: الصهيونية – 77 سنة من “النشاطات التشكيلية” (شكرا لقائد المنطقة الوسطى. ليس فقط تشكيل الفضاء، بل ايضا تشكيل الوعي، وعيهم ووعينا.
لكن الفلسطينيين يعارضون الدور الوحيد الذي خصصناه لهم. وحتى عندما ينامون نومهم الفلسطيني في بيتهم الفلسطيني، ويفلحون بالفلاحة العربية ارضهم الفلسطينية، هم يعارضون. الفلسطينيون لا يمكنهم اقامة هنا كلية تاريخ واحدة بدون ان يكون ذلك مقاومة. مجرد وجودهم هنا هو مقاومة.
لذلك، بالنسبة لنا فان أي بيت فلسطيني هو موقع عسكري (يجب تدميره)، وكل شجرة فلسطينية هي مخبأ لكمين (يجب اقتلاعها)، وكل فلسطيني هو مخرب (يجب قتله). ليس بسبب انه من البيت يمكن “مراقبة قواتنا”، بل هو مشهد ارضية لم تلتق بالسقف، مشهد للحياة. الشجرة هي كمين، ليس لانهم سيختبئون وراءها لرشق الحجارة، بل لانه توجد لها جذور. الفلسطيني هو مخرب خطير لانه ما زال لم ينفذ دوره الوحيد: الهرب.
ان مقاومة هذه الاعمال الفظيعة لم تعد ممكنة تقريبا، والموجودة هي ضعيفة ومهزومة. ولكن حتى الان يوجد لها دور، من خلال محاولة عدم اعطاء الوعي للتشكل في القالب العنيف للحياة هنا. مقاومة الاعمال الفظيعة تعني البكاء على موتانا والتألم والمعاناة. كيف يمكن عدم التألم والمعاناة؟، لكن ايضا ان نشاهد جامعة مدمرة (نحن دمرناها)، وأن نشم رائحة مكتبة محترقة (نحن قمنا باحراقها)، وأن ندرك بانه نوجد هناك جثة طفل صغير معجونة بين الارض والسقف (نحن قتلناه).
هناك عدد كبير من الجثث الصغيرة والكبيرة. جثث اشخاص كان لهم اكثر من دور. ربما هذا هو المعنى، مقاومة هذا العمل الفظيع. تذكر وعدم نسيان أن بني البشر دائما – دائما – يوجد لهم اكثر من دور.