ترجمات عبرية

هآرتس: ولا حتى كلمة واحدة عن الاحتلال

هآرتس 11/10/2022، بقلم: دمتري شومسكي 

“في الصحف التي عرف الأمير العجوز عن طريقها عن موضوع هزيمة اوسترليتز للمرة الأولى، كتب باختصار وبصورة واضحة، بأن الروس أجبروا على الانسحاب بعد معارك لامعة، وأنه انسحاب جرى بترتيب مطلق. واستنتج الأمير العجوز من هذا النبأ الرسمي بأن “جيوشنا هزمت” (من كتاب “الحرب والسلام”).

عند قراءة هذا الوصف الدقيق لليف توليستوي حول الأخبار الكاذبة في الصحف الروسية عن معركة أوسترليتز في كانون الأول 1805، التي هزمت فيها قوات االتحالف الروسي – النمساوي على يد الجيش الفرنسي، من المتعة رؤية أنه لم يتغير شيء في الخطاب الإعلامي الرسمي الروسي منذ عهد روسيا القيصرية في حروب نابليون وحتى روسيا بوتين في الغزو الحالي لأوكرانيا. هكذا، بعد عدة انتصارات مؤثرة للجيش الأوكراني على المحتلين الروس في إقليم خاركيف في الشهر الماضي، تم النشر في وسائل الإعلام الرسمية الروسية بأن “جيوشنا انسحبت كما هو مخطط لإعادة التنظيم”، تقريباً بنفس الصيغة المضللة التي استخدمتها الصحف القيصرية قبل أكثر من 200 سنة لتخفي الحقيقة عن عيون الرعايا حول هزيمة الجيش الروسي في ساحة الحرب في مورافيا. ومثل الأمير بولتونسكي الأب في تلك الفترة، كثيرون جداً في أوساط مواطني روسيا الآن تعلموا منذ زمن مهنة قراءة ما بين السطور في التقارير الرسمية، من خلال تقشير طبقات كثيفة من الأكاذيب في طريق الوصول إلى النواة المتملصة للحقيقة.

خلافاً لروسيا، التي يعتبر فيها مفهوم الديمقراطية كلمة نابية ليس فقط بالنسبة للسلطات بل أيضاً ولقسم كبير من الجمهور الواسع، فإن النهج الديمقراطي في إسرائيل أيضاً هو أحد الأسس الجوهرية للواقع السياسي. لذلك، فإن ثقافة الكذب كوسيلة للخطاب الرسمي على الأغلب هي غير متجذرة في إسرائيل. مع ذلك، هناك موضوع وجودي واحد، وهو أن الخطاب الإخباري الإسرائيلي الرسمي بالنسبة له يعكس دعاية كاذبة في أساسها وجوهرها، التي لم تكن لتخجل دعاية بوتين. هذا الموضوع ،”المناطق”، كما يسميه الناس في إسرائيل، هو نظام الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي في الضفة الغربية.

إن مجرد مفهوم “احتلال” (لا نريد التحدث عن “أبرتهايد”) غير مقبول في قاموس المفاهيم الرسمي الإسرائيلي، وفي التعامل مع الوضع السياسي في هذه المناطق وسكانها. “الاحتلال” يعتبر هنا مفهوماً “متحيزاً سياسياً” و”متطرفاً”. وأصبح في الفترة الأخيرة مفهوماً “لاسامياً” أكثر فأكثر. ومحاولة الإشارة إلى سريانه فيما يتعلق بالواقع بين البحر والنهر، كما فعلت بلدية تل أبيب التي قامت مؤخراً بتعليق خرائط لدولة إسرائيل في المدارس فيها إشارة إلى الخط الأخضر، أثارت -كما نذكر- ضجة كبيرة من قبل وزارة التعليم. كل ذلك رغم أن مفهوم “احتلال” يصف الواقع وراء الخط الأخضر بشكل صحيح. حتى على فرض أن هناك اختلافاً وطنياً جغرافياً على مناطق “يهودا والسامرة” فإنه، مثلما أحسن البروفيسور شلومو افينري وصف ذلك على صفحات هذه الصحيفة، ليس موضوعنا هنا هو “المناطق”، بل الأشخاص الذين تحتلهم دولة أجنبية، ولا يريدون استمرار سيطرتها عليهم.

في ظل عدم وجود الاحتلال والخط الأخضر، فإن أي تقرير إخباري عما يحدث في “المناطق” سيكون مضللاً وكاذباً. إن النشاطات العسكرية الإسرائيلية في شمال “السامرة” التي ازدادت في الأشهر الأخيرة، يتم عرضها في قنوات الأخبار وفي المواقع إلإسرائيلية الرئيسية عبر الإنترنت، كجزء من حرب وجودية دفاعية. في حين أن الحديث في حقيقة الأمر يدور عن عدوان متواصل للاحتلال الإسرائيلي، الذي هدفه ضمان أمن المستوطنين وراحتهم، وهم السكان المدنيون الإسرائيليون الذين تم إسكانهم في المناطق التي احتلت خلافاً للمواثيق الدولية بهدف إبعاد الفلسطينيين والقضاء على تحقيق حلمهم في الاستقلال السياسي. في المقابل، إطلاق النار من قبل الفلسطينيين على قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية يتم وصفه كعمليات إرهابية دموية، في حين أن الحديث يدور عن ظواهر لمقاومة شرعية لشعب يحارب من أجل حريته ويحق له، مثل أي شعب آخر، تقرير المصير الوطني الذي تم حرمانه منه على يد إسرائيل.

من غير اللطيف الاعتراف بذلك، لكن وصف إسرائيل للمسلحين الفلسطينيين الذين يحاربون جنود الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بـ “الإرهابيين” يعادل عرض الجنود الأوكرانيين من قبل وسائل دعاية بوتين كـ “نازيين جدد”. في هاتين الحالتين من الاحتلال، فإن المعتدي يسعى لتشويه جوهر الواقع السياسي – الوطني في المناطق التي احتلها، وهكذا يتحول الكذب إلى نوع من المؤشر الملزم للتقارير الإخبارية.

لكن هناك فرقاً مهماً واحداً هزلياً بدرجة معينة في السلوك الدعائي لأنظمة الكذب هذه. لأن الرعايا الروس ومواطني روسيا تعودوا على مر الأجيال على العيش بدون شفافية ديمقراطية، إذ إن قسماً كبيراً، مثل الأمير بولكونسكي الأب في “الحرب والسلام” ومثل كثير من المواطنين الروس في الوقت الحالي، تم تدريبهم على أن يشخصوا الكذب المغطى بالحقيقة في الإخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى