ترجمات عبرية

هآرتس: وعلى الرغم من موجة القتل فإن العرب لا يملكون ترف اليأس

هآرتس 28-8-2023، بقلم عودة بشارات: وعلى الرغم من موجة القتل فإن العرب لا يملكون ترف اليأس

في الحياة فرح. استنشاق الهواء النقي، والسحر بالسماء الزرقاء، وتدفئة النفس تحت أشعة الشمس المشرقة والاستمتاع بالرياح التي تداعب شعر الأطفال وانتظار أمور مفاجئة. ولكن عندما نستبدل الفرح برعب الموت، فعندها الحديث لا يدور عن حياة، بل عن كابوس.

مليونا عربي يعيشون في كابوس متواصل. سيل الأخبار عن قتلى هنا ومصابين هناك وإطلاق نار وأجواء خوف، كل ذلك يحول الحياة إلى طريق مؤلمة. وعندما تختفي أي بشرى وراء جبال الظلام، سيُسحق المواطن العربي بين الغضب والخوف. وإذا كنت تعيش في خوف دائم، فستعمل مثل الرجل الآلي. لا يوجد إبداع في ظل الخوف. الخوف يجمدك على الأرض، في حين أن الإبداع بحاجة إلى التحليق. صحيح، الواقع مخيف لأن الرصاص أقوى من القلق. ومشاهد الموت أقوى من التصميم على الاستمرار.

المواطنون العرب في إسرائيل يعيشون واقعاً مخيفاً بسبب “فشل” السلطات، لكنه “فشل متعمد”، حسب التعريف الصحيح للوزير السابق موشيه يعلون. نعم، هناك فشل يختلف عن فشل. يدور الحديث عن فشل مهندَس. في البداية، القلائل فهموا سببه. والآن، حتى في اليمين يدركون أن الأمر يتعلق بفشل خيانيّ. يقول المثل العربي: “من وثق بك لا تخنه حتى لو كنت خائناً”. وبمن سنثق عندما يدور الحديث عن الحياة نفسها إذا لم يكن بسلطات القانون؟ نعم، الدولة تخون مواطنيها العرب.

هاكم الدليل على الاستخفاف بحياة العرب: رئيس “الشاباك” رونين بار قال “إذا استخدمونا لمواجهة كل مشكلة معقدة، فستصبح إسرائيل دولة مختلفة”. إن قتل 160 عربياً في ثمانية أشهر لم يعد “مشكلة معقدة”، يا سيد بار، بل مس فظيع بالأمن الشخصي لكل مواطن. لا يدور الحديث عن قتلى ومصابين فحسب، بل عن مجتمع بأكمله يعيش في ظروف حرب، حرب من أجل الحياة. وإذا كانت السلطات المسؤولة عن أمن المواطنين لا توفر أي رد على ذلك، فلماذا هي موجودة إذاً؟ أقول ذلك بدون الدخول إلى نقاش حول هل يجب إشراك “الشاباك” أم لا.

في المقابل، أحد الردود السخيفة جداً جاء من “قواتنا”. هم يتوجهون إلى مجتمع نازف و”يشرحون” بلطف أن ممثلي المجتمع العربي لو بقوا صامتين على مظالم الحكومة السابقة لما كان اليوم يتمرغ بدماء الـ 160 قتيلاً. الرسالة واضحة، المواطن العربي في إسرائيل يجب أن يكون صفراً حافظاً لمنزلته. عليه قول شكراً على هدم بيته، وأن يؤيد قانون الفصل عن عائلته، وهو مطالب أيضاً بدعم قانون الفصل العنصري ضد أبناء شعبه في الأراضي المحتلة. باختصار، عليه التوقف عن أن يكون نفسه. وكل هذا الحقد موجه للعرب. من أطاح بالحكومة السابقة فعلياً هو رئيسها نفتالي بينيت، الذي نفد الزيت من مصباحه إزاء الهجوم المسموم الذي شنته كتلة نتنياهو ضده.

قال لي صديقي بأن السلطة تنوي زرع اليأس في أوساط العرب، بحيث يقومون بحزم أمتعتهم والهجرة من هنا. قلت له: في أوساط اليهود أيضاً كثيرون يفكرون بالهجرة. هذه هي السياسة ذاتها: يجب زرع الرعب لدى العرب، ويجب زرع اليأس لدى اليهود – بحيث ينظرون إلى المرآة ولا يعرفون أنفسهم. ربما ستخرج روح جديدة من شراكة المصير التي يعيش فيه الشعبان الآن في الحضيض.

في “مسيرة الأموات” المؤثرة، التي أجريت في تل أبيب في بداية الشهر الحالي، كنت شاهداً على الجمهور اليهودي الواسع الذي جاء وشارك وعبر عن التضامن. مبادرة “مسيرة الموت” أثبتت بأن العرب مثل أي شعب حي يمكنهم المفاجأة. ومن هذه النعمة، يمكنهم المفاجأة ويحطموا الدائرة المغلقة بكثير من التصميم. وهذا يشبه ما حدث في أوساط اليهود – المبادرة للاحتجاج جاءت من الشارع؛ لأنه لو تم وضع الاحتجاج في يد المعارضة البرلمانية لما عاش يوماً واحداً. ما العمل، لم يبق لنا مكان نذهب إليه. لم يبق أمامنا خيار واحد، وهو الإيمان بقوتنا على تغيير الوضع. هذا أمر يبعث على اليأس، لكن ليس لدينا ترف يأس.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى