ترجمات عبرية

هآرتس: وضع المرضى في لبنان منح حزب الله انجازا سياسيا

هآرتس 9-12-2022م، بقلم تسفي برئيل: وضع المرضى في لبنان منح حزب الله انجازا سياسيا

نشر مستشفى المقاصد في بيروت الأحد الماضي بياناً مستعجلاً على المرضى الذين يحتاجون إلى غسيل الكلى: “في الغد، الاثنين، لن يتم إجراء غسيل الكلى بسبب نقص في المعدات. ويُطلب من المرضى عدم أكل الخضار باستثناء الملفوف والخيار، وعدم شرب الكثير من المياه، والامتناع عن تناول الملح وأكل منتجات الألبان غير المالحة”. المعدات الناقصة في المستشفى هي آلاف الأنابيب التي تربط بين الجهاز وجسم المريض التي من غيرها لا إمكانية لإجراء عملية الغسل. لا يدور الحديث عن معدات باهظة الثمن، لكن عندما يكون المستشفى مديوناً بأكثر من مليون وربع دولار للشركة التي تزودها بالأنابيب ولا يستطيع تقديم ضمانات حكومية لها لتسديد الدين فستوضح هذه الشركة أنها لن تستطيع الاستمرار في تزويدها. صحيح أنه تم التوصل إلى تسوية تمكن من الشراء، وأن الأنابيب الضرورية هبطت في المطار، لكنها احتجزت هناك ليومين إلى حين الإفراج عنها من الجمارك، حيث حاول المستشفى وقتذاك إيجاد مكان للمرضى الملحين في مستشفيات أخرى، التي يعد احتياطي المعدات فيها آخذاً في النفاد.

وضع مرضى السرطان ليس أفضل؛ العلاج في المستشفيات الخاصة، التي تشكل أغلبية المؤسسات الصحية في لبنان، باهظ الثمن، وبدأ يلاحظ فيها نقصاً خطيراً للمواد التي تستخدم في العلاج الكيميائي. ويطلب من عدد من المرضى شراء الأدوية بشكل خاص، ويُطلب من آخرين عدم المجيء إلى المستشفى. هذه المستشفيات تنتظر أشهراً طويلة حتى تصادق لها الحكومة على مخصصات من الدولارات وتعيد الديون التي تقدر بعشرات ملايين الدولارات.

لكن المصادقة على تخصيص حكومي لتمويل العلاج مسألة معقدة جداً في لبنان، تحتاج إلى عقد الحكومة لمناقشة ميزانية خاصة، التي إذا تم التوصل فيها إلى اتفاق فبالإمكان الإفراج عن وجبة التمويل الضرورية لعلاج ينقذ الحياة. منذ الانتخابات في أيار الماضي، لا توجد حكومة متفق عليها في لبنان، فرئيس الحكومة الانتقالية، نجيب ميقاتي، لا ينجح في تشكيل الحكومة. في تشرين الأول انتهت ولاية رئيس الدولة ميشيل عون، ولم يتم بعد تعيين رئيس جديد. البرلمان ينتخب الرئيس بأغلبية الثلثين، وحتى الآن تم عقد تسع جولات نقاش في البرلمان، لم يتم فيها تحقيق الأغلبية المطلوبة. وثمة جولة أخرى تم تحديدها الأسبوع القادم، ولا مؤشرات تدل على نتائج مختلفة.

ويكمن سبب ذلك في الخلافات السياسية العميقة بين التيار الوطني الحر، الحركة المسيحية الثانية من حيث الحجم في البرلمان، والتي يترأسها جبران باسيل، صهر الرئيس التارك، وبين الحركات المسيحية الأخرى مثل “القوات اللبنانية”، وحركة أمل الشيعية والحركات السنية. هذا العداء هو الذي يحدد قواعد اللعبة السياسية، سواء بالامتناع عن حضور جلسات البرلمان أو مقاطعة جلسات الحكومة التي لم يتم عقدها منذ نصف سنة تقريباً.

باسيل الذي يطمح أن يكون رئيساً ويرث صهره، قال الشهر الماضي في مقابلة مع وكالة “رويترز”، بأنه تجنب حتى الآن طرح نفسه كمرشح من أجل السماح بانتخاب مرشح حل وسط تتفق عليه معظم الحركات. “لكن إذا لم يتم تبني مرشح كهذا، أو إذا لم يكن المرشح المطروح مناسباً فسأرشح نفسي”. ولكن يبدو أنه حتى هو نفسه يدرك بأن فرصته للانتخاب ضئيلة. فباسيل في الواقع سياسي قوي، لكنه أحد السياسيين المختلف عليهم. علاقته مع الحركة السنية الرائدة، كتلة المستقبل، التي يترأسها سعد الحريري، علاقة عداء وخصومة؛ الدروز لا يؤيدونه؛ حتى إنه تشاجر مع زعيم حركة أمل الشيعية. أما الإدارة الأمريكية ففرضت عليه قبل سنتين تقريباً عقوبات بسبب الاشتباه به بمساعدة “حزب الله”. هذا السبب وحده يكفي لحرمانه من الرئاسة. ولكنه لا يكل ولا يمل. فإذا لم يقدر على أن ينتخب كرئيس، فسيبذل كل جهده كي ينتخب رئيساً يمكنه أن يتلاعب به كما يشاء.

حتى الفترة الأخيرة، كان يمكنه أن يعتمد على حلف الولاء مع “حزب الله”، خاصة مع حسن نصر الله، الشريك السياسي القوي لصهره عون. هذا الحلف منح باسيل أداة ضغط قوية، نجح بواسطتها في منع عقد الحكومة لأشهر طويلة؛ وبذلك إمساك لبنان والنخبة السياسية فيها من العنق إلى أن يوافقوا على شروطه. حيث إنه من أجل عقد جلسة قانونية للحكومة، التي يمكن اتخاذ قرارات فيها وتطبيقها، هناك حاجة إلى وجود ثلثي الأعضاء فيها على الأقل. عندما يغيب ممثلو حزب عون و”حزب الله” معاً واثنان أو ثلاثة أعضاء، فلا يمكن عقد الجلسة. وقف ميقاتي بشكل عاجز وبدون قدرة على إجراء نقاشات حيوية تتعلق بتخصيص ميزانيات وإجراء إصلاحات في شركة الكهرباء وحتى الاستجابة لطلبات المستشفيات. جميع جهود الإقناع التي استخدمت على باسيل انتهت بلا نتائج. ولكن حدث شيء ما هذا الأسبوع.

قرر ميقاتي عقد الحكومة لمناقشة الوضع الحاسم لمن يحتاجون إلى غسل الكلى ومرضى السرطان. وقد أوضح بأن الأمر يتعلق بالحياة أو الموت، ونجح في إقناع وزيرين من بين التسعة وزراء الذين رفضوا المشاركة في الجلسة التي شارك فيها أيضاً ممثلو “حزب الله”. “في القانون الجنائي جريمة تقصير، لو استجبنا للذين أرادوا عدم عقد الجلسة لنفذنا جريمة قتل بامتناعنا عن ذلك. وهذا لن يحدث. اليوم وصلنا إلى وضع لا يمكننا فيه تمويل علاج مرضى السرطان ومرضى الكلى. هل هناك من يريد تنفيذ جريمة ضدهم؟”، شرح ميقاتي الأهمية الدراماتيكية للجلسة.

حسب الدستور، فإن الحكومة الانتقالية في الحقيقة لا يمكنها اتخاذ قرارات حاسمة، ليس لها هوامش ضيقة لاتخاذ قرارات تعدّ حيوية جداً. إنقاذ حياة مرضى السرطان ومن يحتاجون إلى غسل الكلى وفرت المبرر لعقد الجلسة التي تحولت، ليس فقط إلى استعراض ناجح لقوة ميقاتي، بل اعتبرت أيضاً صفعة مدوية على وجه باسيل. باسيل الغاضب والمحبط لن يمر مرور الكرام على “خيانة” أصدقائه في الحزب. وفي مؤتمر صحافي عقده في اليوم التالي، أرسل سهماً مسموماً وحاداً، ليس ضد رئيس الحكومة الانتقالية بل ضد شركائه الذين “خانوه”. “عندما يتم كسر الشراكة تصبح عرجاء. إذا كان هناك شخص يعتقد بأنه يستطيع أن يضغط عليها في مسألة الرئاسة فهو مخطئ. سنظهر تصميماً أكبر”، قال. “مشكلتي ليست مع رئيس الحكومة، بل مع من يشغّله”، أوضح وكان القصد إلى “حزب الله”.

هل انتهى الحلف التقليدي بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر؟ سارع محللون مطلعون على نشاطات المنظمة إلى توضيح أن الحديث لا يدور عن شرخ، بل خلاف. ولكن يبدو أن نصر الله وشريكه نبيه بري، رئيس حركة أمل ورئيس البرلمان، قد سئما من مناورات باسيل وقررا أن يظهرا له من هو واضع قواعد اللعب. وحتى لا يقطع الخيوط الواصلة بين حزب الله وباسيل بشكل كامل فقد أوضح قسم العلاقات العامة بأنه “تمت دعوتنا للمشاركة في الجلسة، وكان شرطنا ألا يجري النقاش إلا حول المواضيع الحيوية التي لا يمكن تأجيلها وليس لها حل عدا عن اتخاذ قرارات حكومية. بعد أن فحصنا بنود جدول الأعمال وتأكدنا بأنه لا توجد طريق أخرى، قررنا المشاركة في الجلسة”. أكد “حزب الله” أنه عرض على باسيل المشاركة في الجلسة وتأييد أي معارضة له على كل بند من أجل التوصل إلى اتفاق بالإجماع. وهذا تفسير لم يقنع باسيل، وقال إن جلسة الحكومة لم تكن لتعقد بدون موافقة مسبقة تم التوصل إليها بين “حزب الله” ورئيس الحكومة، أي أن شريكه السياسي قد غرس سكيناً في ظهره. التجربة تعلم أنه في كل مرة يقدم فيها “حزب الله” عرضاً لـ “الشخص البالغ المسؤول” الذي يحرص على مصالح الجمهور، إنما يعطي لذلك بطاقة ثمن. وسيكون الثمن هذه المرة تحديد المرشح المتفق عليه للرئاسة، وبالأساس منع ترشح ميشال معوض، المعارض الشديد لـ”حزب الله”، ومرشح القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع. يؤيد “حزب الله” سليمان فرنجية، لكن يبدو أنه إذا لم يتجاوز حاجز معارضة باسيل والقوات اللبنانية، فسيستعد “حزب الله” لتأييد قائد الجيش جوزيف عون أيضاً (لا توجد أي قرابة بينه وبين الرئيس التارك ميشال عون).

بمهارة سياسية، لا ينسج “حزب الله” فقط الدعم المحلي لمرشحه من خلال عدم منع اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل وحتى اعتباره إنجازاً تاريخياً للبنان، والآن مع إعطاء الضوء الأخضر لعقد الحكومة والمصادقة على تمويل علاج مرضى السرطان ومرضى الكلى، وفي نفس المناسبة الموافقة على تعديلات رواتب العسكريين والمتقاعدين، بل إن “حزب الله” يراكم نقاطاً بمساعدتها يأمل في الحصول على دعم فرنسا لفرنجية أو عون، ويتوقع أيضاً أن تهز الولايات المتحدة الرأس رغم أن الأمر يتعلق بشخصيات مقربة من المنظمة. دعم هذه الدول أمر حيوي من أجل تحرير لبنان من الأزمة السياسية التي لا تسمح له بالنجاة من الأزمة الاقتصادية، وعندها أيضاً سيحض على قرض بالمليارات من صندوق النقد الدولي وأموال المساعدات التي وعد بها لبنان من الدول المانحة قبل أربع سنوات. بدونها، قد يحصل المرضى على العلاج والأدوية المطلوبة، لكن الشعب اللبناني سيواصل العيش في الظلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى