هآرتس: هكذا ضخم نتنياهو النووي الايراني، وهكذا سُحرت طهران من المواجهة الاسرائيلية

هآرتس 9/7/2025، افنر كوهين: هكذا ضخم نتنياهو النووي الايراني، وهكذا سُحرت طهران من المواجهة الاسرائيلية
التغييرات الدراماتيكية التي جرت في الشرق الاوسط منذ 7 اكتوبر، لا سيما بعد انهيار حزب الله وسوريا والمواجهة المباشرة المتعاظمة بين ايران واسرائيل – كل ذلك جعل ايران تقوم بتقصير الجدول الزمني الذي خططت له لاستكمال المشروع النووي. هذا حدث ايضا بدون قرار رسمي من الزعيم الاعلى. هذا التقدير الذي كتبته أنا وعدد من المحللين لا يجب أن يكون مفاجئا، لان السجل يدل على ان دولة عتبة نووية أو أي دولة تنسب لها هذه الحالة (باكستان، اسرائيل أو حتى الولايات المتحدة في الاعوام 1945 – 1048) ستغير مرحلة في وضعها النووي العملي في حالة وقوعها في ازمة. وهذا التغيير هو تطور منطقي في الحالة المذكورة.
ما لا يقل عن ذلك اهمية هو الاشارة الى انه رغم الاختلاف الكبير بين ايران واسرائيل، إلا انه يوجد تشابه مفاجيء من حيث الصورة التي واجهت فيها الدولتان على مر السنين التحدي النووي والقنبلة المنسوبة لاسرائيل. وكنت ساقول حتى أن هذا التشابه ظاهر ليس فقط في خصائص وسلوك الدولة، بل في خصائص وسلوك المجتمع، في الثقافة وربما حتى في الدين.
في البداية أنا سأتطرق الى خصائص الطموح. الشعبان يعتبران نفسيهما خلية في سلسلة تراث قومي، ثقافي وديني ثري عمره آلاف السنين. الشعبان يعيشان مع الشعور بأنهما ضحية تاريخية دائمة وعلى قناعة بان الله اعد لهما مكانة خاصة ومختارة بين الأمم. الشعبان يؤمنان بانهما يمتلكان القدرة النووية، أو على الاقل قريبان منها.
نقطة التشابه الثانية هي الاسلوب – طريقة العمل، الذي بواسطته تمكنت الدولتان من تحقيق الطموحات النووية امام الصعوبات والمعارضة الداخلية والخارجية. ورغم الفرق الواضح في التكنولوجيا بين المشروعين النوي والعسكري لاسرائيل وايران فان المشروع النووي الايراني يقوم على تخصيب اليورانيوم، في حين أن مشروع اسرائيل يرتكز الى المفاعل، القوة الداخلية التي حركته وشكلته، لكن ايضا كبحت وضبطت الطموحات النووية للدولتين، ارتكزت الى دمج مشابه للتصميم التكنولوجي الذي تمت موازنته عن طريق الحذر السياسي والدبلوماسي.
حسب التقارير فان الدولتين بدأتا المشروع النووي لهما بالسر، من خلال اقامة بنية تحتية واسعة لانتاج مواد متفجرة لسلاح مستقبلي، اسرائيل في ديمونة بدأت في نهاية الخمسينيات، في حين ان الجمهورية الاسلامية الايرانية في نتانز (وفي مواقع اخرى) بدأت في بداية سنوات الالفين. في الحالتين اعمال الانشاء تم الكشف عنها من الخارج خلال فترة قصيرة نسبيا، وزعماء الدولتين اعلنوا بشكل احتفالي ان ديمونة ونتانز يتم بناءها لاغراض سلمية فقط.
الدولتان ادركتا ايضا، حتى في بداية الطريق، بأنهما ستضطران الى تقبل الرقابة من الخارج، التي يمكن ان تكبح قدرتها على انتاج القنبلة. لحسن حظ اسرائيل فان الرقابة فيها كانت ثنائية، سرية وغير متواترة، من خلال زيارة سنوية في ديمونة للمراقبين الدوليين. في المقابل الرقابة في ايران كانت علنية ورسمية وهي ما تزال مستمرة بواسطة مراقبي للوكالة الدولية للطاقة النووية، وهذا كان فرق مهم.
بنظرة الى الوراء أنا على ثقة بانه كان واضحا لدافيد بن غوريون، الأب المؤسس لديمونة، من بداية الطريق ما الذي يريده بالضبط، وماذا يمكن بالضبط أن تمنحه نتائج المشروع، اكثر مما لعلي خامنئي، الزعيم الاعلى والأب المؤسس لنتانز، بعد اربعين سنة تقريبا. كلاهما بدءا الرحلة بدافع الخوف الوجودي الذي أصله تاريخي. بالنسبة لبن غوريون كان هذا الكارثة، وبالنسبة لخامنئي كان هذا صدام حسين والحرب بين ايران والعراق، بدون أن يقوما بصياغة لانفسهما كما يبدو الحلم النووي بما يتجاوز الحدس الاساسي جدا. على أي حال، الاثنان عرفا بشكل تلقائي انه محظور عليهما النبس بكلمة “قنبلة”. حتى ان خامنئي قيد نفسه بفتوى – ضد السلاح النووي.
حقيقة ان مشروع ديمونة بدأ تقريبا قبل مشروع نتانز بنصف قرن، توضح جزئيا على الاقل، لماذا اسرائيل وايران توجدان الآن في مكان مختلف كليا. الدولتان ادارتا المشروع النووي لدى كل واحدة في سياقات مختلفة، ومواجهة قوى سياسية واعراف دولية مختلفة. عالم الخمسينيات والستينيات كان، حيث كانت ذكرى الكارثة ما زال حية، اكثر ودية وتسامحا وتساهلا مع اسرائيل. الغرب سمح لاسرائيل، برئاسة الولايات المتحدة، بتطوير خيار نووي فريد بموافقة ضمنية طالما أنها تلتزم بصيغة الغموض التي يمكن التعايش معها. الغموض النووي لاسرائيل، نوع مختلف من الوجود النووي، لم يكن مجرد استجابة لارادة العالم، لا سيما الولايات المتحدة، بل كان خيار اسرائيلي وحل وسط متميز بين التصميم والحذر.
الامور حدثت هكذا، حيث نسب لاسرائيل وضع الوقوف على العتبة النووية في موازاة ولادة ميثاق منع انتشار السلاح النووي. خلال الاعوام 1968 – 1970 امتنعت اسرائيل عن اتخاذ أي قرار بشأن التوقيع على الميثاق، عندما ابلغ السفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة في حينه اسحق رابين، رسميا هنري كيسنجر في شباط 1970 بان اسرائيل قررت عدم التوقيع على الميثاق، كيسنجر سمع ذلك وتعهد بنقل ذلك للرئيس، وحتى أنه تفهم الامر ولم يظهر أي غضب من قرار اسرائيل. بعد بضعة اسابيع من ذلك وقعت ايران في ظل قيادة الشاه على الميثاق وتعهدت قانونيا بعدم تطوير السلاح النووي.
رغم كل الفروقات إلا أن هناك تشابه كبير بنيوي بين ايران واسرائيل ما زالت موجودة حتى الآن. الدولتان حتى الآن لا تدعيان علنا بانه يوجد لهما الحق او التطلع الى امتلاك السلاح النووي. وهما حتى الآن تمتنعان عن القيام بخطوة علنية تربط مستقبلها القومي بالقنبلة. ولكن الدولتين تريدان ان يعترف العالم ويقدر قربهما من القنبلة المنسوبة لها.
الكتاب الذي الفته بعنوان “اسرائيل والقنبلة” تمت ترجمته للغة الفارسية (بشكل غير قانوني)، ونشر في طهران في 2002 من قبل معهد ابحاث يرتبط بوزارة الخارجية الايرانية. عندما قرأت مقدمة النسخة الايرانية باللغة الانجليزية، لم اتمكن من عدم التفكير بان ايران سُحرت بالغموض الاسرائيلي، الذي يشكل نوع من اسلوب فريد للحفاظ على القرب من القنبلة. وحتى لو لم يعط العالم ايران أي مجال للغموض، إلا أنه يبدو انها في الفترة التي سبقت الحرب حاولت خلق لنفسها مثل هذا الفضاء.
الاسرائيليون ليس من عادتهم التفكير في الوجود المهيمن والاحتكاري لقدرتهم الخفية، لكن فيما يتعلق بالقنبلة الايرانية، التي هي في الواقع غير موجودة، هم لا يتشككون بان لها وظيفة واحدة فقط وهي تدمير بلادهم. لقد نجحت 30 سنة من الهستيريا الوطنية بشأن “التهديد الوجودي الايراني” في اعادة اشعال تخوفات الكارثة في اوساط الشعب الذي تطارده هذه الكارثة. ورغم وجود دولة واحدة فقط في الشرق الاوسط (حسب مصادر اجنبية) طورت قدرة كارثية باسم الالتزام بضمان عدم حدوث كارثة اخرى.
من المدهش مناقشة كيف ان زعيم اسرائيلي واحد، الذي اخفاقاته ادت الى الكارثة الحقيقية الاكبر التي مر بها الشعب اليهودي منذ الكارثة، هو الذي نجح خلال ثلاثة عقود في تحويل التحدي النووي الايراني الى راية المشروع الوطني، الذي في اساسه تطوير مخاوف الكارثة. الساحة السياسية الاسرائيلية وافقت تقريبا بدون أي تحفظ على الرواية التي قامت بتضخيم، بتلاعب، المشروع النووي الايراني، وحولتها من مشكلة جيوسياسية يجب مواجهتها الى خطر وجودي لمستقبل شعب اسرائيل، وكأنها لا تعرف ان اسرائيل ليست لوحدها.
منذ ولادتها في 1945 خضعت القنبلة لتحولات في السياسة وفي الوعي الدولي: من سلاح قوي قابل للاستخدام اصبحت نوع من المطرقة، رمز للقوة والهيبة، شيء وجوده يثير مشاعر السحر والخوف وحتى العبادة، لكن ايضا شيء يعرف الجميع بانه لا يمكن استخدامه كخيار أول.
ان مطرقة القنبلة الاسرائيلية (حسب مصادر اجنبية) تشبه مطرقة ايران لـ “التخصيب”، كتعبير عن القرب من القنبلة (غير الموجودة). ربما هما شكلين فريدين لنفس المطرقة. على افتراض وجودهما هما لم تخلقا ضد احد، بل من اجل الردع وزيادة وتضخيم وتقديس قوة خالقيهما.