ترجمات عبرية

هآرتس: نصائح من الأرشيف الإسرائيلي

هآرتس 2023-11-02، بقلم: دان كيرتسر: نصائح من الأرشيف الإسرائيلي

بدأت إسرائيل بما سمّاه «كابينيت» الحرب فيها «المرحلة الثانية» في عملياتها ضد «حماس»، القصف المتزايد وإدخال القوات البرية إلى القطاع. حتى الآن لم يتقرر ما الذي ستفعله بعد ذلك. هل سيكون هناك غزو بشكل كامل أو اقتحامات «اضرب واهرب» أو حصار طويل أو نوع من كل هذه الأساليب. لكن في القريب سيكون عليها أن تقرر ما الذي ستفعله في اليوم التالي. فهل ستحتل غزة من جديد لفترة طويلة أو أنها ستخرج منها مع أو دون خطة للسيطرة عليها بعد الحرب.

إلى حين الاختيار من بين هذه الخيارات يجدر بها أن تفحص النصيحة التي قدمها الكثير من الإسرائيليين للولايات المتحدة قبل غزو العراق في 2003، النصيحة التي لم يستمع إليها صانعو السياسة في أميركا، ونتيجة لذلك فقد لحق ضرر كبير بسياسة أميركا. في تلك الفترة كنت السفير الأميركي في إسرائيل. في صيف 2002 كان واضحاً للكثيرين منا أن إدارة بوش متحمسة لغزو العراق وإسقاط صدام حسين. اعتقد بعضنا أن هذه الخطة غير منطقية، لأنه لم يكن للعراق أي دور في العمليات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول. ولأن عقوبات الأمم المتحدة التي استمرت لأكثر من عقد عملت على تقييد بدرجة كبيرة قدرة الجيش في العراق. مع ذلك، نحن عرفنا أنه كان لصقور الحرب في واشنطن دوافع أكبر، وأنهم لن يقتنعوا بأي ادعاء ضد الغزو.

أنا قمت بجمع كل المراسلين العسكريين في السفارة من أجل فحص كيفية التأثير على النقاشات السياسية في واشنطن. في الحقيقة نحن عرفنا أنه لا يوجد لرأينا وزن ثقيل في أوساط المحافظين الجدد، المتحمسين للغزو. ولكنا عرفنا أيضاً أن الخبراء في إسرائيل يمكنهم مشاركتنا في عدة أفكار مهمة. رجال الاستخبارات في إسرائيل والدبلوماسيين والأكاديميين في طواقم الفكر في إسرائيل، كانت لهم تجربة كبيرة في كل ما يتعلق بالمنطقة بشكل عام، والمواجهة مع العراق بشكل خاص، بما في ذلك العلاقات التي أقاموها خلال سنوات كثيرة مع بعض تنظيمات المعارضة في العراق. طلبت من أعضاء طاقمي تركيز المواقف الإسرائيلية كي نستطيع نقلها إلى واشنطن.

أولاً، فحصنا إذا كانت إسرائيل تسوّق فكرة الغزو الأميركي للعراق بهدف تقليص التهديد على حدودها الشرقية. حتى قبل حرب الأيام الستة، عندما كان عرض خط الساحل الإسرائيلي الضيق أقل من 16 كم، خشي الإستراتيجيون في الجيش من عملية عسكرية من الشرق، بالأساس عملية يتم تنفيذها من قبل العراق، في محاولة لتقسيم إسرائيل إلى قسمين. بعد تلك الحرب هذا الخوف تلاشى بشكل كبير بسبب العمق الإستراتيجي للضفة، لكنه لم يختف كلياً. بعض المحللين الأميركيين قدروا أن اهتمام المحافظين الجدد بالنظام العراقي تم تأجيجه من قبل إسرائيل، مع الأخذ في الحسبان العلاقات الوثيقة جداً بينهم وبين اليمين في إسرائيل. أحد التقديرات الأولية التي أرسلت إلى واشنطن من قبل طاقمي الأميركي هو أن هذه الفكرة لا توجد لها أي أهمية. صحيح أن جزءاً من اليمين في إسرائيل أراد أن تقوم الولايات المتحدة بالغزو، وبعضهم كان لهم وبحق علاقات وثيقة مع اليمين الأميركي في واشنطن، لكن بشكل عام فهمنا من المحللين الإسرائيليين أن إسرائيل لا تدفع نحو الغزو الأميركي رغم أن هزيمة العراق ستساعد في زيادة أمنها.

إضافة إلى ذلك كان الإسرائيليون – من جميع ألوان الطيف التحليلي – شركاء في درسين تم تعلمهما من تجربتهم، بحسبهما، كما اعتقدوا، هكذا يجب على واضعي السياسة في أميركا أن يتصرفوا. الدرس الأول، تلقينا التحذير العام ألا نبقى في العراق فترة طويلة بعد الغزو. افترض المحللون في إسرائيل أن الجيش الأميركي في الواقع سينتصر على الجيش العراقي، لكنهم ادعوا بشدة أن الاحتلال سيصبح إشكالياً وخطيراً على الفور تقريباً. بعد بضعة أشهر، عند سماع أقوال وزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد التي بحسبها سيستقبل الشعب العراقي الأميركيين كمحررين، كرروا النصيحة بشكل أكثر شدة. سيرى العراقيون حسب قولهم الأميركيين في القريب ليس كمحررين، بل كمحتلين استعماريين.

تحقق هذا التقدير حتى أبكر مما توقع الإسرائيليون، في أعقاب قرار سيئ لإدارة بوش بتفكيك جيش العراق ومنع أعضاء البعث من الخدمة في الحكومة. تركت العراق الولايات المتحدة دون حكومة قادرة على العمل، ومهدت الأرض لسيطرة المعارضة عندما قامت بإرسال الجنود العراقيين إلى بيوتهم دون أي احتمالية للحصول على عمل.
الدرس الثاني الذي تعلمته إسرائيل هو كان تنبؤاً بشكل كامل. لقد حذرت من أن الغزو لن يؤدي إلى إقامة ديمقراطية في العراق لأن التركيبة السكانية المعقدة هناك، شيعة وسنة، أكراداً وقبائل، ستفشل أي نموذج للديمقراطية يتم فرضه من جهة خارجية. أيضاً هذه الملاحظة تبين أنها صحيحة – الانتفاضة ضد الولايات المتحدة اندلعت بعد فترة قصيرة على الغزو. المحللون الإسرائيليون أيضاً تعاملوا بشك كبير مع الزعماء من قبل أنفسهم الذين أرادوا السيطرة على العراق، الذين كانت الإدارة الأميركية وضعتهم في الحكم، لا سيما أحمد تشلبي.

زعماء إسرائيل سيفعلون خيراً إذا تعمقوا في نصائح المحللين الإسرائيليين من تلك السنوات. أولاً، تجنب البقاء في قطاع غزة فترة طويلة. وبالتأكيد عدم فحص احتلال دائم وإعادة الاستيطان. هذا لم ينجح في المرة الأولى ولن ينجح في المرة الثانية. ثانياً، لا يجدر الافتراض بأن قطع رأس «حماس» سيؤدي إلى ازدهار ديمقراطي في غزة، خاصة إذا استمرت الظروف الاجتماعية في أن تكون قاسية كما هي الآن. إسرائيل ستحتاج إلى السماح للمجتمع الإقليمي والدولي بإعادة إعمار قطاع غزة، دون القيود التي فرضتها إسرائيل عليه لعشرات السنين.

ثالثاً، المشكلات الرئيسة في غزة ترتبط مباشرة بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. بعد انتهاء الحرب سيرغب الإسرائيليون في العودة إلى الحياة الطبيعية في أسرع وقت، وهذا طبيعي، لكنهم سيضطرون إلى أن يسألوا أنفسهم: ما الذي تشوش؟ إذا استمر الإسرائيليون في دفن الرؤوس في الرمل والادعاء أن هذا ليس الوقت المناسب للتفاوض على الحاجة إلى الانفصال عن الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، فيجب عليهم معرفة، دون أدنى شك، أن الحرب الحالية في غزة لن تكون الحرب الأخيرة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى