هآرتس: من ينكرون الجوع في غزة سيستخدمون صورة الرضيع كسلاح ضد الواقع

هآرتس – نير حسون – 31/7/2025 من ينكرون الجوع في غزة سيستخدمون صورة الرضيع كسلاح ضد الواقع
في نهاية العام 2013 انطلقت سفينة البحث “اكاديميك سوكالسكي” للبحث في تغير المناخ في قارة القطب المتجمد، لكن العلماء واجهتهم عاصفة فجائية والسفينة علقت في جبل جليدي لاسابيع. من ينكرون تغير المناخ سارعوا الى تبني القصة من اجل الاستهزاء بعلماء المناخ الذين ذهبوا للتحقيق في الانحباس الحراري وعلقوا في جبل جليدي.
قصة السفينة تمت روايتها كما يبدو آلاف المرات في برامج في التلفزيون وفي اعمدة في الصحف ومن قبل السياسيين الذين ينكرون تغيرات المناخ. الجميع استخدموها للادعاء بأن علماء المناخ في الحقيقة لا يعرفون أي شيء. هذا لم يكن بالصدفة، فقد كان هناك من كرر هذه القصة واهتم بنشرها – شركات النفط والغاز التي حاولت بكل القوة انكار وطمس الحقيقة.
في نهاية المطاف تبين أن، كما قال العلماء دائما، هذه هي عاصفة استثنائية في مناخ متغير، وأنه لا يمكن استنتاج منها أي شيء عن منظومة المناخ العالمية. منذ العام 2013 فان كل محطات الارصاد الجوية في العالم وكل بحث حول المناخ وكل الحكومات والمنظمات العلمية في العالم، اثبتت ان العلماء كانوا على حق، وأنه ليس لعاصفة واحدة أي اهمية. ولكن كل ذلك لا يزعج من ينكرون، الذين يواصلون استخدام هذه القصة في محاولة لطمس الحقيقة.
ايضا قصة الطفل محمد المطوق ستصبح مثل هذه القصة. وهو الطفل الذي يعاني من الجوع، لكن حالته الخطيرة تسبب بها مرض مزمن. صورته وهو تحمله امه نشرت في العالم وفي “هآرتس” ايضا، واصبح احد رموز الجوع. أمس نشرت “نيويورك تايمز” توضيح حول حالته الصحية. من ناحية المراسلين، السياسيين والدبلوماسيين، هذا التوضيح كان لحظة اصطدام سفينة سوكاسكي بجبل الجليد. من لم يكلف نفسه عناء الكتابة عن الجوع في غزة انقض على القصة بحماسة من اجل الادعاء بأن هذا الجوع غير موجود في الحقيقة، وان اسرائيل وقعت مرة اخرى ضحية لـ “فرية عصرية”، هذا حسب وزارة الخارجية. كل المواقع الاخبارية في اسرائيل سارعت الى طرح القصة في العناوين الرئيسية وارسال رسائل تحذير في الهواتف. الجمهور في اسرائيل حصل على حبة تهدئة – “لا يوجد جوع في الحقيقة، توجد حملة عن الجوع، ونحن يمكننا مواصلة حياتنا كالعادة”.
لكن محمد المطوق ليس حتى قصة جيدة لاثبات هذا الادعاء. فالجوع الجماعي لم يكن في أي يوم ليحدث ضرر متساوي، ودائما الضحايا الاوائل هم الاطفال الذين يعانون من امراض وراثية. القدرة على الحصول على الغذاء الخاص في غزة، في وضع التجويع الذي فرضته اسرائيل على القطاع، معدومة. وهكذا ايضا القدرة على العلاج الكافي في الوقت الذي فيه جهاز الصحة والبنى التحتية الحيوية في القطاع تم تدميرها، ومعظم السكان يعيشون كنازحين في خيام ممزقة، في درجة حرارة عالية ومع امراض متفشية. هكذا، الحالة الصحية لمطوق، مثلما يظهر في الصورة، هي في نهاية المطاف دليل آخر على الجوع المتفشي في القطاع.
اضافة الى كل البيانات والتقارير والارقام، يجب سؤال هل هناك أي احد من بين المتحدثين والمراسلين الذين يشاركون في حملة الانكار كلف نفسه عناء التحدث مع أي شخص في غزة؟، مع طبيب الذي مرضاه يموتون بسبب الجوع، مع عامل اغاثة يصف الجمهور وهو ينبش في القمامة؟ مع أم تقوم بفصل حبات العدس بعد اختلاطها بالرمال؟ مع أب يئس من الحصول على الطعام لاولاده الذين يحتضرون؟.
الاكثر اهمية من ذلك هو ان الشهادات عن الجوع في غزة هي شهادات قاطعة، وصورة واحدة لن تغير أي شيء. مثلما في حالة المناخ فانه ايضا هنا جميع الخبراء، المنظمات، الحكومات والعاملين في القطاع، يبثون الشعور بالطواريء ازاء تراكم الشهادات عن الجوع الجماعي القاتل. أمس اعلنت منظمة آي.بي.سي، الجسم الدولي المهم في العالم لمراقبة اوضاع الجوع، عن تحذيرها الخطير فيما يتعلق بالجوع، الى جانب عنوان “السيناريو الاسوأ”. من معطياتها يتبين ان 20 الف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية، وان 3 آلاف طفل وصلوا الى سوء التغذية السيء جدا، وان ثلث سكان غزة تقريبا يقضون عدة ايام بدون طعام.
ايضا حسب منظمة الصحة العالمية فان واحد من بين كل خمسة اطفال في القطاع يوجد في حالة سوء تغذية شديد. حسب صندوق الطواريء التابع للامم المتحدة للاطفال (اليونسيف) فان 6 آلاف طفل تم علاجهم في شهر حزيران الماضي بسبب سوء التغذية. منظمة “انقذوا الاطفال” نشرت امس بان عدد الاطفال الذين تعالجهم بسبب سوء التغذية قفز عشرة اضعاف خلال بضعة اشهر. في عيادات الامم المتحدة تقريبا 8.8 في المئة من الاطفال من الذين تم فحصهم في الاسبوعين الاولين في شهر حزيران تم تشخيص سوء التغذية الشديد لديهم، مقابل 2 في المئة في شهر شباط الماضي. 43 في المئة من الحوامل والمرضعات اللواتي تم فحصهن تم تشخيصهن بانهن يعانين من سوء التغذية بثلاثة اضعاف مقارنة مع شهر آذار. 147 شخص، بينهم 88 طفل، ماتوا بسبب الجوع. هذه الحقيقة لن تختفي بسبب وصف غير دقيق لصورة.